استعرضت صحيفة "لو موند" الفرنسية تداعيات الأزمة المالية الخانقة التي يعانيها لبنان على المؤسسة العسكرية التي تقلّصت موازنتها إلى السدس، ما دفع العسكريين إلى تولّي وظائف لا صلة لها بالجيش، وأثار مخاوف لدى شركاء لبنان من انزلاق البلد إلى الفوضى.
الجيش، إلى جانب حماية الحدود، يقوم بمهام مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، كما يُنظر إليه على أنه قوة موازنة لحزب اللوذكرت الصحيفة، في تقرير ميداني، أن "جنوداً لبنانيين اضطروا للعمل كسائقين لسيارات الأجرة ومزارعين وغيرها من المهن البعيدة عن اختصاصهم من أجل لقمة العيش، فيما تغضّ القيادة العسكرية الطرف عن الحلول".
ونقل التقرير شهادات لجنود وضبّاط تأثروا بالأزمة المالية وأضرّت بوضعهم الاجتماعي، لا سيما مع تدهور قيمة الليرة المحلية أمام الدولار.
عمل إضافي
وقال جورج (اسم مستعار لأحد ضباط القوة البحرية) للصحيفة إنه "يذهب إلى عمله في قاعدة بيروت البحرية ثلاث مرات فقط في الأسبوع، بينما يقضي معظم وقته في القيام بأعمال منزلية من أجل تغطية نفقاته. ومع انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار، أصبح راتبه البالغ 2.5 مليون ليرة يوازي 100 دولار فقط، مقابل 1700 دولار قبل الأزمة المالية في 2019".
ويعيل جورج الخمسيني ولدين (11 و17 سنة)، بصعوبة مع تكاليف الكهرباء والماء والبنزين. وقال: "نعيش كل يوم بيومه. أنا مدين بـ 35 مليون ليرة لبنانية للمدرسة؛ لأن الجيش لم يعد يغطي 80% من الرسوم الدراسية كما كان من قبل. لا أعرف كيف أدفع لابني الكبير رسوم تسجيله في الكلية العام المقبل. ويسأل نفسه: من يمكنه دفع 5 آلاف دولار في هذا الوقت".
تعديل الدوامات
وأشار جورج إلى أن كثير من زملائه في الفوج يتغيّبون عن الحضور إلى مركزهم بسبب ارتفاع أسعار البنزين، مشيراً إلى أنه تمّ تعديل جدول التحاقهم بمركزهم منذ يوليو (تموز) الماضي.
ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري لم تكشف عن هويته، قوله: "يكسب الجندي ما بين 60 و 70 دولاراً شهرياً فقط، وإذا تمكّن من العثور على وظيفة إضافية، فاننا نسمح له بذلك، لأننا نريد الحفاظ على قواتنا"، مضيفاً: "خفّضنا حضورهم إلى مراكزهم العسكرية من 22 يوماً إلى 10 أو 12 يوماً في الشهر، حتى يتمكّنوا من العمل الإضافي وتوفير تكاليف النقل".
مشكلة حقيقية
وفي الإطار، شرح آرام نيرغويزيان من مركز كارنيغي للأبحاث، إنه مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، انخفضت ميزانية وزارة الدفاع من 1.2 مليار دولار في 2019 إلى 200 مليون دولار.و لم يعد هذا كافياً لتقديم أجر معيشي لـ 80 ألف عنصر من الجيش اللبناني أو للحفاظ على المزايا الاجتماعية التي يتمتعون بها".
وذكرت الصحيفة أن الأزمة تركت أثرها ايضاً على أدقّ تفاصيل إدارة شؤون الجيش لناحية نقص الأوراق والتجهيزات الإدارية والمصابيح الكهربائية وقطع الغيار اللازمة لصيانة المعدّات.
ونقلت عن مصدر عسكري غربي قوله إن "هذه مشكلة حقيقية. من المؤكد أن يكون لذلك تداعيات لناحية التراجع في القدرة على القيام بالمهام".
قلق من تفكّك الجيش
وأشارت الصحيفة إلى أن الشركاء الأجانب قلقون من تفكّك المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي لا تزال تعتبر متعدّدة الطوائف وغير سياسية وغير فاسدة، لكن ضعفها يُهدّد بدفع البلاد إلى مزيد من الفوضى.
وأوضحت أن "الجيش، إلى جانب حماية الحدود، يقوم بمهام مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، كما يُنظر إليه على أنه قوة موازنة لحزب الله".
ونقل التقرير عن جنرال متقاعد قوله: "إنه نظام كامل ينهار، يجب أن نتحرك ونجد الآليات التي يمكن أن تزود الجنود بالدعم اللازم"، محذراً، في الوقت نفسه، من أن "تؤدي الأزمة إلى انهيار تماسك الجيش".
24.ae/لوموند