نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا للصحفي ريتشارد سبنسر، سلطت فيه الضوء علي تضاعف عمالة الأطفال في لبنان، وسط انهيار مالي واقتصادي على وقع خلافات "طائفية" حول تقاسم السلطة.
مع انهيار الاقتصاد والمجتمع في البلاد، يملأ الأطفال بملابسهم المزيتة ساحات ورش العمل في الشوارع الخلفية للبلدات على طول سهل البقاع، حيث يكون معظم العمال من الأطفال.
قال خليل، البالغ من العمر 11 عاما، وهو من سوريا: "مادتيّ المفضلتان في المدرسة كانتا الرياضيات واللغة العربية، لكنني أوافق على المجيء إلى هنا الآن"، وبالنسبة لوطنه الأصلي الذي لا يذكره، يقول: "قالوا لي إنه جميل".
يعمل هو وشقيقه عباس، البالغ من العمر 13 عاما، ستة أيام في الأسبوع في صف من ورش السيارات، على بعد ساعة سيرا على الأقدام من الخيمة التي كانت منزل عائلتهما منذ تسع سنوات.
قالت والدتهما، فاطمة حسن، لصحيفة التايمز: "حتى قبل الأزمة، لم يكن بإمكاننا تحمل تكاليف إرسال جميع أطفالنا إلى المدرسة". كانت تكلفة الحافلة المدرسية والدفاتر باهظة. "على الأقل الآن يتعلمون شيئا ما".
الأرقام الأولية للأزمة الاقتصادية في لبنان منذ عامين صادمة، يكاد يصعب فهمها. وانهارت قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 95% منذ تخلف الحكومة عن سداد ديونها في آذار/ مارس من العام الماضي. بلغ معدل التضخم 170 في المئة، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأكثر من 400% منذ أواخر عام 2019.
على أرض الواقع، يعني هذا أن الحد الأدنى للأجور، الذي لم يتغير عند 675000 ليرة لبنانية، قد انخفض في القيمة الحقيقية من 450 دولارا شهريا إلى 25 دولارا. ليس من المستغرب أنه ليس اللاجئون السوريون وحدهم، بل اللبنانيون أنفسهم، يوظفون الأطفال في وظائف مدفوعة الأجر.
هؤلاء الأطفال في نهاية المطاف لديهم فهم أفضل للإحصاءات أكثر من معظم البالغين في أي مكان آخر، كما لاحظ أوليفييه دي شوتر، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع، في زيارة الشهر الماضي. قال تقريره: "يعرف الأطفال معدلات الدولار، والأزمة الاقتصادية، والزيادة في أسعار الغذاء والدواء، وهي موضوعات ينبغي ألا يفكروا فيها إلا بعد فترة طويلة من حياتهم".
تضاعف عدد الأطفال العاملين خلال 18 شهرا إلى حوالي واحد من كل عشرة، وفقا لمسح أجرته مؤخرا "حماية"، وهي مجموعة محلية مستقلة رعت حملة دعائية مع منظمة بلان إنترناشيونال، وهي مؤسسة خيرية لحماية الأسرة. حتى تلك الحملة لم تصل إلى حد المطالبة بوضع حد لهذه الممارسة، معترفة بأنها كانت شريان حياة لكثير من الآباء.
قالت الأمم المتحدة إنه في البقاع، الموطن الزراعي الرئيسي في لبنان وموقع معظم المخيمات غير الرسمية للاجئين السوريين، كانت غالبية العمال من الأطفال.
قال إبراهيم خليل، 48 عاما، من الرقة في سوريا: "أرسل أطفالي للعمل في الحقول عندما يصل سن الواحد منهم 13 عاما"، رغم أن العديد من أطفاله، الذين كانوا يحصدون البطاطا، بدا أنه أصغر من ذلك.
إنهم يكسبون نصف دولار في اليوم -الحد الأدنى للأجور لا ينطبق على الأطفال- ولكن فيما بينهم يمكنهم المساهمة في الدخل الضئيل للأسرة. لم يذهب أي من أطفاله الثمانية إلى المدرسة.
التكلفة المنخفضة لعمالة الأطفال هي بالتأكيد عامل جذب لأصحاب العمل. حتى الميكانيكيون المتدربون يكسبون 40 ألف ليرة لبنانية أسبوعيا، أي أقل من دولارين بسعر الصرف الحالي.
اعتذر حسين حبيب، صاحب ورشة خليل، بكلمات يمكن سماعها في جميع أنحاء العالم. قال: "الرجال اللبنانيون المحليون لا يريدون أن تتسخ أيديهم.. لذلك أنا أوظف السوريين بدلا منهم".
وأضاف أنه سيكون من الأفضل عدم تشغيل الأطفال. سيوافق جميع اللبنانيين -من حيث المبدأ- لكن القانون، الذي يفرض على البالغين السوريين، حتى اللاجئين، الحصول على تصاريح إقامة للعمل باهظة الثمن ويصعب الحصول عليها، تحت طائلة الاعتقال، يشجع على تشغيل الأطفال بدلا من ذلك.
أدى الوباء إلى إغلاق المدارس لأكثر من عام، وبينما تم توفير التعليم المنزلي للعديد من اللبنانيين، فمن الصعب الترتيب للاجئين الذين ليس لديهم أجهزة كمبيوتر محمولة، والذين يعيشون في الخيام.
حوالي 80% من اللبنانيين، وأكثر من السوريين، يعيشون الآن في فقر، وفقا لتعريفات البنك الدولي.
قال دي شوتر إن 77% من الأسر قالت إنه "ليس لديها ما يكفي من الطعام أو المال لشراء الطعام".
جزء صغير من المجتمع -طبقة النخبة القديمة، إلى جانب أولئك الذين لديهم أقارب يعملون في الخارج- لديهم إمكانية الوصول إلى العملة الصعبة. مع انهيار الليرة اللبنانية، تحولت فاتورة الدولار إلى ثروة، وهي فئة عشرة دولارات أجر أسبوع لشخص بالغ.
يمكن لطفلة أن تكسب في خمس دقائق خارج مقهى ذكي في بيروت أو ثاني مدينة في طرابلس أكثر مما يكسبه والدها في قيادة سيارة أجرة طوال اليوم. يُسرى، البالغة من العمر تسعة أعوام في طرابلس، والتي لديها عامان من الخبرة في بيع المناديل الورقية والعلكة في الشارع إلى جانب شقيقتها سيدرا البالغة من العمر ثماني سنوات، تقدر أنها تكسب 80 ألف ليرة لبنانية في اليوم. هذا المبلغ هو ثلاثة أضعاف ما يمكن أن يكسبه والدهما حسن جعبان من الحد الأدنى للأجور.
الثمن هو العنف المنتظم، الضرب والركل والبصق من قبل السكان المحليين، الذين لم يتقبلوا وصول مليون لاجئ سوري بشكل جيد. قالت يسرى: "الناس ينادونني بكلمات بذيئة". كانت شقيقتها صامتة، ولا تزال تتعافى من هجوم عنيف في سوق المدينة.
الأمر الأصعب في الفهم من حجم الأزمة في لبنان هو كيفية إنهائها. كان للبنان آمال كبيرة بتشكيل حكومة جديدة. لكن بسبب الخلافات الطائفية الغامضة حول تقاسم السلطة، ومراجعة حسابات البنك المركزي، والتحقيق القضائي في الانفجار الذي وقع في ميناء بيروت العام الماضي، ودور حزب الله، فشلت الحكومة في الاجتماع لمدة شهرين.
تقول جمعية حمايه اللبنانية إن جيلا كاملا يفقد طفولته. قالت يسرى: "أريد فقط أن أعيش حياة طبيعية". ولكن هناك القليل من المؤشرات على أنها ستحصل على ذلك.
عربي21