بينما تستعد إسرائيل للرد على الهجوم الإيراني الذي استهدف أراضيها قبل أيام، باتت واشنطن تشعر بالقلق من احتمالية أن يتضمن بنك الأهداف العبري، منشآت نووية إيرانية.
مخاوف قادت إلى تساؤل مفاده: هل تستطيع إسرائيل وحدها دون مساعدة أميركية، قصف المواقع النووية الإيرانية؟
وإلى ذلك، قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه رغم أن القوات الإسرائيلية خططت لهذه اللحظة منذ 22 عاماً، إلا أنه يبدو من غير المرجح أن تهاجم تل أبيب المنشآت النووية الإيرانية في الجولة التالية من "الانتقام"، أو أن تنجح في ذلك من دون مساعدة أميركية.
وأعرب مسؤولون إسرائيليون سابقون وحاليون، في تصريحات للصحيفة الأميركية، عن شكوكهم حول قدرة إسرائيل على إلحاق أضرار جسيمة بالمنشآت النووية الإيرانية.
فهل إسرائيل قادرة على إعاقة قدرات إيران النووية؟
يقول المسؤولون الإسرائيليون، إنه عندما تولى بينيت رئاسة الوزراء في عام 2021، صُدم من افتقار إسرائيل إلى الاستعداد لمهاجمة البرنامج الإيراني، وأمر بإجراء تدريبات جديدة لمحاكاة الطيران لمسافات طويلة إلى إيران وصب موارد جديدة في الاستعدادات.
وقبل عامين، حلقت عشرات الطائرات المقاتلة الإسرائيلية فوق البحر الأبيض المتوسط، محاكية ضربة على المنشآت النووية الإيرانية، وهي التدريبات التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي علانية، باعتبارها تدريبات على "الطيران بعيد المدى والتزود بالوقود جواً وضرب أهداف بعيدة".
ولم يكن الهدف من التدريبات مجرد ترهيب الإيرانيين، بل إرسال رسالة -كذلك- إلى إدارة جو بايدن: أنها قادرة على إجراء العملية بمفردها، رغم أن فرص النجاح ستكون أعلى بكثير إذا انضمت الولايات المتحدة - بترسانتها من "القنابل الخارقة للتحصينات" التي يبلغ وزنها 30 ألف رطل - إلى الهجوم.
ومع ذلك، ظل المسؤولون في البنتاغون يتساءلون خلال الأيام القليلة الماضية عما إذا كان الإسرائيليون يستعدون للمضي قدماً بمفردهم، بعد أن خلصوا إلى أنهم قد لا يحظون بلحظة مثل هذه مرة أخرى.
وحذر الرئيس بايدن الإيرانيين من ضرب المواقع النووية أو مواقع الطاقة، قائلاً إن أي رد يجب أن يكون "متناسبًا" مع الهجوم الإيراني على إسرائيل الأسبوع الماضي، معترفًا في الأساس بأن بعض الضربات المضادة مناسبة. وكان وزير الدفاع لويد أوستن واضحًا مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، بأن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل تجنب الخطوات الانتقامية التي من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد جديد من قبل الإيرانيين.
ليست لبنان
وحتى اليوم، لا تزال قدرة إسرائيل محدودة؛ فالدولة العبرية تعتمد على أسطول قديم من طائرات التزود بالوقود جواً من طراز بوينج 707، وسوف تمر سنوات قبل تسليم نماذج أحدث، قادرة على حمل الوقود لمسافات أطول بكثير، من قبل الولايات المتحدة.
ورغم أن القنابل الخارقة للتحصينات التي تمتلكها إسرائيل كانت فعّالة ضد أنواع الأنفاق التي يخزن فيها حزب الله الصواريخ، ومكنتها من قتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، الشهر الماضي، إلا أنها لا تستطيع الدخول إلى المنشآت النووية المحصنة للغاية والمحفورة في الجبال.
وقال الجنرال فرانك ماكنزي، الذي كان مسؤولاً عن خطط الحرب ضد إيران عندما كان يدير القيادة المركزية الأميركية: "الهدف النووي هدف صعب للغاية. هناك الكثير من البدائل الأخرى لهذا الهدف"، مضيفًا أن العديد منها - بما في ذلك البنية التحتية للطاقة - سيكون من الأسهل تنفيذها.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإنه على مدى اثنين وعشرين عاماً، وضعت إسرائيل خططًا لتدمير أو تعطيل أجهزة الطرد المركزي بمحطة نطنز لتخصيب الأسلحة النووية، المدفونة على عمق ثلاثة طوابق في الصحراء.
ورغم أن نطنز قد تكون هدفاً سهلاً إلى حد ما، فإن ضربها سوف يكون بمثابة عمل حربي. وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، حثت الولايات المتحدة على استخدام الدبلوماسية والتخريب والعقوبات، وليس القنابل، لإفساد البرنامج. كما عملت بنشاط على منع إسرائيل من الحصول على الأسلحة التي قد تحتاج إليها لتدمير منشأة أخرى للطرد المركزي، تسمى فوردو، والتي بنيت في عمق الجبل.
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش تجاهل مطالب إسرائيل بتزويد قواتها الجوية بأكبر القنابل القادرة على اختراق المخابئ التي تمتلكها الولايات المتحدة، فضلاً عن القاذفات من طراز بي-2 اللازمة لإيصالها، وهي أسلحة تشكل ضرورة أساسية لأي جهد يرمي إلى تدمير فوردو وغيره من المنشآت العميقة المعززة بشكل كبير.
فكيف سيكون رد إيران؟
وسواء قامت إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية أم لا، فإن هناك أسباباً جديدة للقلق بشأن مستقبل إيران النووي، لثلاثة أسباب:
السبب الأول:
ما أثاره وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مراراً وتكراراً في الأسابيع الأخيرة: فقد أكد، استناداً إلى معلومات استخباراتية ترفض الولايات المتحدة الحديث عنها، أن روسيا تتقاسم التكنولوجيا مع إيران فيما يتصل بالقضايا النووية.
ويصف المسؤولون هذه المساعدة بأنها "مساعدة فنية" ويقولون إنه لا يوجد دليل على أن روسيا تزود إيران بالمعدات التي تحتاجها لصنع رأس حربي.
لكن إذا كانت التقارير الأميركية صحيحة، فإن احتياج روسيا إلى الطائرات بدون طيار الإيرانية وغيرها من الأسلحة يعني أنها قد تسرع من تقدم إيران نحو بناء جهاز نووي.
السبب الثاني:
إن الضرر الذي لحق بحزب الله في الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك قطع رأس قياداته، قد يجعل إيران تشعر بالضعف، فلم يعد بوسعها أن تعتمد على قدرة الجماعة اللبنانية على ضرب إسرائيل، مما قد يجعلها تسارع الخطى نحو امتلاك سلاح نووي، باعتبارها سيكون الوسيلة الحقيقية الوحيدة لردع إسرائيل.
السبب الثالث:
إن البرنامج الإيراني سيصبح أكثر صعوبة، فقبل عدة سنوات، وتحت أعين الأقمار الصناعية الأميركية والإسرائيلية، بدأت إيران في حفر شبكة أنفاق واسعة إلى الجنوب مباشرة من نطنز، من أجل ما تعتقد الولايات المتحدة أنه مركز جديد للتخصيب، وهو الأكبر في إيران.
لكن هذا المركز لم يبدأ العمل بعد. وفي الماضي ــ عندما دمرت إسرائيل مفاعلات نووية لم تكتمل بعد في العراق في عام 1981 وفي سوريا في عام 2007 ــ كانت تلك هي اللحظة التي اختارتها إيران بالضبط لشن هجمات استباقية.