بين رفض الهزيمة والإرتكاز على أدلة صحيحة ومقنعة، تتوجه الأنظار إلى المجلس الدستوري خلال الأسابيع المقبلة مع تسجيل الإعتراض على النتائج النهائية للإنتخابات في العديد من الدوائر منها: بيروت الثانية، المتن، كسروان، طرابلس وعكار، ومع تخطي المخالفات في دائرة بعلبك الهرمل حدود الطعن وصولاً إلى الشكاوى الجزائية التي تستعد «القوات اللبنانية» إلى تقديمها بعد الممارسات الترهيبيّة والإعتداءات التي طالت الحملة الإنتخابية للنائب انطوان حبشي في العديد من القرى البقاعيّة.
وإن كان الطعن وإعادة النظر بنتائج الإنتخابات يشكل ضمانة لنزاهتها، فإنه يضع المجلس الدستوري وأعضاءه أمام تحدٍّ جديد لإثبات استقلاليتهم وقدرتهم على البتّ في الطعون التي ستقدّم إلى رئاسة المجلس في مهلة أقصاها 30 يوماً من تاريخ إعلان النتائج. المشترع الذي حصر حق الطعن بالمرشح الخاسر شرط أن يكون من الدائرة الانتخابية عينها ومرشحاً عن المقعد النيابي نفسه (أي عن مقعد الطائفة نفسها في حال وجود أكثر من مقعد واحد لطائفة ما في الدائرة)، فتح الباب أمام العديد من الإجتهادات حول هذا الموضوع.
وهذا ما ينطبق على دائرة المتن مع إعلان المرشح (الخاسر الأول) جاد غصن توجهه إلى الطعن في النتائج بسبب المخالفات التي حصلت، والتي حالت دون اجتياز لائحته العتبة الإنتخابية بفارق 88 صوتاً وضمان فوزه بالمقعد الماروني. وبفضل القانون الإنتخابي المعمول به لجهة احتساب النتائج، فإن قبول الطعن والبتّ إيجاباً به يشكل خطراً على هوية العديد من النواب المنتخبين يتعدى المقعد العائد لطائفة «المرشح الطاعن» ليطال وفق النتائج المرتقبة، خسارة لائحة «معاً أقوى» الحاصل الثاني ومعه مقعد النائب المنتخب اغوب بقرادونيان، لصالح المرشح الأرمني على لائحة «متن الحريّة» المدعومة من «القوات اللبنانية» آرا بارداقجيان، الذي سيحل مكان النائب المنتخب رازي الحاج. لا تقتصر الإعتراضات عند المتن، لتسجل «القوات اللبنانية» ريبتها مع تزايد الحديث عن التلاعب في نتائج الإنتخابات في كسروان جبيل مع إعلان النائب شوقي دكاش في بيان «وصول صناديق من لون طائفي معين في وقت متأخر ترافق مع اعلان فوز النائب فريد الخازن بعد أن كان التنافس محصوراً بالمرشحين شادي فياض وجوزفين زغيب».
وإن كانت «القوات» التي سجّلت عدة مخالفات ونظّمت كتب اعتراض تحديداً في بعلبك الهرمل وكسروان، تدرس المقتضى القانوني الذي يمكن العمل على أساسه، فإن الخاسرة الأولى في كسروان جوزفين زغيب تتحضر للطعن بنتائج الإنتخابات، مشيرة في حديث لـ «نداء الوطن» إلى أن الطعن مرتكز على أدلة أبرزها إعلان نتائج مغايرة لتلك التي عرضت على الشاشات أثناء الفرز، وأدت إلى إعلان فوز النائب فريد الخازن.
شمالاً، أكد المرشح عن المقعد السني في طرابلس فيصل كرامي انه سيتخذ كل الإجراءات والمسالك القانونية اللازمة انطلاقاً من احتكامه إلى القوانين بعد أن أثبتت الأرقام والوقائع المستندة إلى أدلة مادية واضحة تعرّض النتائج لعملية تزوير مُحكمة، موضحاً في بيان أن «العملية الديمقراطية في لبنان هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية الحقيقية والشفافة وأن حجم المخالفات والارتكابات جسيم جداً».
ترافق ذلك مع إعلان المرشح عن المقعد العلوي على لائحة «عكار أولا» حيدر عيسى احتجاجه على نتائج الانتخابات النيابية ورغبته في الطعن بها، معتبراً انه «تم استبدالي بالمرشح احمد رستم على لائحة «الاعتدال الوطني» بفارق 67 صوتاً فيما لم تحسب مئات الاصوات لي». وتوقف عيسى عند «اللغط الذي جرى قبل الربع الساعة الاخير من اعلان النتيجة في هيئة القلم حول الحواصل وكيف تم اخراج الجميع من داخل القاعة بوجود عناصر أمنية ملثمة»، وتساءل مستغرباً «كيف ارتفع حاصل المرشح المنافس من 7 آلاف صوت ألى 12 الفاً، في أقل من دقيقة على حسابه وحساب اللائحة التي ينتمي إليها؟». وفي السياق، لم تسلم بيروت والدائرة الثانية تحديداً من التشكيك في النتائج، فقد أعلن النائب فؤاد مخزومي أن «تأخير صدور نتائج انتخابات بيروت الثانية 36 ساعة، والتزوير والتلاعب بنتائج لائحتنا لتطيير مقعدين مضمونين لصالحنا وفق أرقام كافة الماكينات الانتخابية، سيدفعنا للطعن بالنتيجة».
وللوقوف عند المسار الذي تسلكه الطعون، أوضح النائب السابق المحامي غسان مخيبر لـ»نداء الوطن» أن إجتهاد المجلس الدستوري اللبناني والفرنسي، يأخذ بأسباب الطعن والمخالفات التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير النتائج ما يضعه أمام خيار من اثنين: إما إبطال الإنتخابات برمتها بسبب المخالفة التي شابتها، وبالتالي تلتزم الإدارة بالدعوة إلى انتخابات جديدة، أو يعمد إلى إبطال نيابة بالنسبة إلى مرشح معيّن وإعلان نيابة المرشح الخاسر الأول. وأشار إلى أن المجلس سبق أن نظر في العديد من الطعون وأبطل الصناديق والأصوات التي شابتها مخالفات وصولاً إلى إبطال نيابة مرشح منتخب وإعلان فوز مرشحٍ آخر. وإن كانت الطعون أمام المجلس الدستوري لا تقف عند احتساب الأصوات والصناديق، لتشمل الحملات الإنتخابية التي من شأنها أن تشكل خرقاً لقانون الإنتخابات، رأى ان إجتهاد المجلس الدستوري غالباً ما يكون خجولاً بما يتعلق بالنتائج المترتبة على مخالفة الأصول المتعلقة بالحملات الإنتخابية، والمرتبطة بتجاوز أصول وشروط الإعلام والمساواة في معاملة المرشحين بالتساوي في الإعلام وتخطي اللوائح للسقوف الإنتخابية.
وإلى جانب المخالفات التي سجلتها الماكينات الإنتخابيّة، برز التقرير الأولي لـ»الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات LADE» الذي أكد أن عملية الاقتراع التي حصلت يوم الأحد 15 أيار اعترتها شوائب بالجملة ومخالفات فاضحة وترهيب وضغوط مارستها جهات سياسية عدة؛ لتشكل المخالفات التي تم رصدها وتوثيقها طيلة اليوم الانتخابي الطويل عاملاً مخيّباً للآمال، لا بل يفرّغ جوهر العملية الديمقراطية من معناها. وهذا ما يشكل عاملاً مساعداً يرتكز عليه المجلس الدستوري للبتّ في الطعون الناظر بها والتي من شأنها إعادة الـ «سعادة» لمستحقيها.
طوني كرم - نداء الوطن