مذهل ما كشف عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إطلالة وداعية قبل الدخول في عصر تصريف الأعمال. لقد اتهم وزير الطاقة ومن أعطاه التوجيهات بسحب دفتر شروط تلزيم معملين على الغاز بأسعار مقبولة، تعهدت شركات عالمية ببنائهما منها «سيمنز» الألمانية التي بنت معامل الكهرباء بنجاح في مصر، وقد سبق خلال زيارة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، ان قدمت عرضاً مماثلاً لم يتم الاستماع له في وزارة الطاقة وكل الطاقات.
مذهل نعم ما فعله ميقاتي، الذي كان يفترض به أن يبوح قبل أن ترحل الحكومة الى تصريف الأعمال، لكنه فضّل أن يقول ما قاله بعد فوات الأوان، تماماً كما فعل في حكومة العام 2011، اذ قام بعد فوات الأوان بإعطاء تصريح صحافي حدّد فيه عمولة بواخر الطاقة بما يفوق العشرين مليون دولار فقط لا غير.
ويبقى السؤال: ما هي الجدوى من إعلان هذه الفضيحة المتمادية بعد حصولها، وهل كان بإمكان الرئيس ميقاتي أن يفرض على طاولة مجلس الوزراء بقاء هذا البند وإقراره لا سيما أنه كان يمكن أن يكون المدخل الى إجراء مناقصة والى تلزيم بناء المعامل، والى حل جزء أساسي من أزمة الكهرباء، التي يعتقل جبران باسيل كل الحلول فيها وفق قاعدة أنا الطاقة والطاقة أنا.
في سلسلة تغريدات لمدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه سابقاً غسان بيضون الذي قاوم هذا السلوك المدمّر في وزارة الطاقة، خرج اليوم ليكشف الكثير عن أسباب تمسك باسيل بالوزارة، علماً أن هذا الكشف لم يعد سراً، لأن الاستقتال على الاستحواذ عليها، لم يعد يخفي الاهداف عند مقاربة هذا الواقع الفضائحي.
يقول بيضون: «إن سرّ تمسّكهم بوزارة الطاقة والإصرار على عدم إخلائها بسيط وهو ضمان التحكم بالاستثمار المالي والسياسي، في قطاعات الماء والكهرباء والنفط، وهي واعدة ومربحة وفيها 5 ملايين زبون ومنافع وغنائم كثيرة ومتنوعة ولعشرات السنين، تبدأ من إعطاء الموافقات والأذونات والتراخيص ولا تنتهي فيها».
ويضيف: السبب أيضاً المكاسب السياسية والانتخابية الممكنة من خلال التوظيف في المؤسسات التابعة، من يد عاملة الى تأمين تمويل عقود المستشارين والمحاسيب على حساب المشاريع وعقود التمويل الخارجية من دون القيام بأي عمل (بطالة المستشارين) وهنا سرّ الاصرار على عدم تعيين الهيئة الناظمة، ناهيك عن إمكانية إقامة شراكات خفية مع المتعهدين والمستثمرين وهندسة دفاتر الشروط وإجراء المناقصات في مكتب وزير الطاقة وملحقاته في الهيئات والكيانات غير الشرعية، أي البواخر والسدود وانتاج الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية ومعامل الكهرباء ورخص الاستيراد، والتوزيع وحفر الآبار ومحطات الغاز والبنزين».
ويختم بيضون: «يبرّرون مطالبتهم بتعديل صلاحية الهيئة الناظمة بتعارضها مع صلاحية الوزير الدستورية، وهو زعم غير صحيح ويتعارض مع مبررات وجود الهيئات الناظمة وهي ضمان استمرارية القطاع واستقرار أدائه بمعزل عن مزاج الوزير، والصلاحيات بيد الوزير تعني إحكام سيطرته على توزيع المغانم باعتباره المنتصر».
الخلاصة من هذا السرد المختصر، كما وثقه جان العلية بخصوص صفقة البواخر، أن باسيل يريد استمرار وضع اليد على وزارة الطاقة باعتبارها حصته في كعكة توزيع المغانم، واستمرّ متمسكاً بها بالأصالة والوكالة في كل الحكومات التي شكلت من العام 2008 والى اليوم، وهو يريد تأكيد الحصول على هذه الوزارة الدسمة، في اي حكومة ستشكل، مدعوماً من «حزب الله»، الذي يريد الحفاظ على تيار باسيل، الحليف الموثوق الذي تم نفخه بالكثير من المقاعد النيابية، والمفترض أن يتم الحفاظ على مكاسبه في اي حكومة سيتم تشكيلها.
ما فعله ميقاتي هو انه كشف للرأي العام، تفاصيل جريمة جديدة ترتكب بحق شعب يغرق في الظلام، لكن ما بات ملحاً هو تحرير وزارة الطاقة المخطوفة منذ العام 2008 وتسليمها لأيد أمينة، عسى أن تضاء شمعة في سماء اللبنانيين بعد هذا الليل الطويل.
أسعد بشارة - نداء الوطن