إقتصاد

"النمرة الحمراء" بلا قيمة... سائقو التاكسي "يصفّرون" من قلّة الشغل

على وقع انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه، كان سائقو التاكسي «يصفّرون» من قلة العمل، فالتاكسي ضاع في غياهب البنزين والاوتوستوب، وحده حديثهم «اخترب بيتنا» يجزم بان التاكسي «باي باي».

صحيح ان ابو علي، الشوفير العتيق على خط النبطية ـ الدوير لم يتقاعد من مهنته منذ ثلاثين عاماً، غير انه يقف عند مفترق طرق، فالافلاس قض مضجع حياته، حوّلها رماداً، في زمن بات فيه التاكسي خارج المعادلة، لعوامل رئيسية عدة تبدأ بارتفاع سعر صفيحة البنزين، مروراً بارتفاع كلفة النقل وصولاً الى قلة عدد الركاب، ما ادى الى انحلال القطاع ودخوله في النفق الاخير.

لم تشفع استغاثات السائقين، على العكس زادت اوضاعهم سوءاً، والاخطر باتوا يعيشون «عالقطعة» ويتطبّبون «باللمّة» التي تُجمع من بعضهم، في سابقة لم يشهدها قطاع النقل العمومي يوماً.

يقف محمد عند مدخل طوارئ النجدة، يدخن سيجارته عله يجد مخرجاً لأزمته من دون جدوى، سقطت والدته ويحتاج علاجها 2500 دولار اميركي، لا يغطي الضمان منها شيئاً، فالجهاز يدخل ضمن المستلزمات الطبية التي تدفع بالفريش دولار»، اكثر ما يؤلمه انه بات بلا عمل فالتاكسي اليوم كالعاطل عن العمل لا فائدة منها.

نكسة خطيرة مني بها «شوفورية» التاكسي هذه الايام، كثر تخلوا عن المهنة، وكثر فضلوا التريث قبل هجرها، ومن بقي على الخط لا حول له ولا قوة كما هي حال بلال، الشوفور الذي بدأ العمل في عز الازمة، حين كانت التاكسي فرصة عمل تنتج الملايين، وكان الشوفير «كينغ» زمانه، الا ان الاحوال انقلبت رأسا على عقب. مع بداية ازمة الدولار ومن خلفها ازمة البنزين وفقدان الضمان قيمته، بات بلال يئن من لؤم الازمات، كان يعتمد على الضمان لتأمين ادوية ابنته المصابة بفشل كلوي، غير انه اليوم يقف خالي الوفاض، ماذا يفعل؟ من اين يأتي باموال الادوية الباهظة جداً؟ أكثر ما يقلقه انه يضطر لبيع سيارته لتوفير ادوية ابنته، يعترف بصعوبة الوضع «وقد هدّني كثيراً، احياناً لا املك مالاً لتأمين الاكل لعائلتي، كل يوم يزداد وضعنا سوءاً»، وخوفه الاكبر من ارتفاع صفيحة البنزين اكثر، «حينها قد نصبح متسولين على باب الله، لان الدولة مش سئلاني عن الشوفور».

لم يأخذ «الشوفور» حقه رغم كل التحركات التي شهدها الشارع، ظلت غب الطلب، لم تثمن قراراً بتوفير البنزين المدعوم ولا حتى رفع تعرفة التاكسي، «كانت تحركات خلّبية» كما يقول ابو هشام الذي يقف ساعات طويلة من نهاره ينتظر زبوناً عابراً دون جدوى، «فالزبائن هذه الايام اما يعتمدون الاوتوستوب او سيراً على الاقدام للتوفير، واذا حضر زبون يكلف نقله اكثر من بدل الاجر ما يدفعني للعدول عن العمل، لان ما انتجه لا يكفي بنزيناً ومن اين آتي بثمن فاتورة الاشتراك الخيالية او فاتورة المياه المضاعفة وماذا عن الاكل والطبابة؟ حولتنا الدولة امواتاً على قيد الحياة».

تحولت حياة «شوفير» التاكسي كابوساً، فالازمة المعيشية ادخلته في كوما، فرضت عليه التقشف والقحط، فكل ظروفه باتت صعبة، خسر هيبته، ضمانه، عمله، حتى النمرة الحمرا اصبحت بلا قيمة، بعدما كان صاحبها بمثابة نائب على مصغر. كل ذلك حصل في عامين، انقلب كل شيء رأسا على عقب، اغلب الـ»شوفيرية»يبحثون عن عمل اخر، فعملهم لا ينتج سوى ثمن نصف تنكة بنزين، بعدما كان يفيض وزيادة، كما حال ابو محمد الذي تخلى عن التاكسي ليبيع المنجيرة، كحل بديل ريثما تنفرج على صعيد القطاع .

عند زاوية كفرجوز يقف ابو محمد، يعزف على منجيرته التي تفترش سيارته التاكسي علّه يستقطب زبونا يعشق المنجيرة وموسيقاها، فهي كانت صديقة الحفلات ايام العز سابقاً، قبل ان تسرقها الآلات الحديثة، غير ان ابو محمد عاد ليصنعها من خشب الخيزران ويضيف بَصمَته عليها، وفق قوله «الشوفور لا خبز له هذه الايام، يعيش ظروفاً صعبة للغاية. همّه توفير الدواء لزوجته المريضة، بالسكري والضغط، ولكن كيف؟ لا يعرف، يدرك أن الظروف صعبة ولكنه يعول على بيع المنجيرة، «من شوفور لبائع منجيرة هذا حالي، اعزف لوجعي شو بدنا نعمل؟».

انتهى عصر «شوفورية» التاكسي الى غير رجعة فالازمة وارتجاجاتها القاسية ضربت واحداً من اهم القطاعات في لبنان الذي كان العمود الفقري للآلاف فقط لان الحكومة رفضت توفير تنكتي بنزين مدعومتين تؤمنان استمرارية هذا القطاع وتركت الشوفيرية على قارعة الفقر.

رمال جوني - نداء الوطن

يقرأون الآن