كانت البطالة موجودة في لبنان قبل ثورة 17 تشرين والأزمة الاقتصادية والمالية التي قضت على عدد كبير من الشركات والمؤسسات وقبل جائحة كورونا، لكن ليس بهذه الخطورة التي نشهدها اليوم. وقد جاءت النتائج في التقرير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية على الشكل التالي: "ارتفاع في معدل البطالة في لبنان من 11,4 في المئة في الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019 إلى 29,6 في المئة في كانون الثاني 2022، وهذا يعني أن ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل مطلع هذا العام".
تشير الدراسة الى أن "نسبة البطالة في صفوف النساء أعلى مما هي عليه لدى الرجال. وكذلك ارتفع معدل البطالة لدى الشباب من 23.3 في المئة إلى 47.8 في المئة، وانخفض معدل مشاركة القوى العاملة (معدل التشغيل) من 48.8 في المئة إلى 43.4 في المئة (ونعني بالقوى العاملة: العاملون + العاطلون من العمل بعمر 15 سنة وما فوق)، وانخفض معدل العمل نسبة إلى عدد السكان من 43.3 في المئة إلى 30.6 في المئة". وبحسب المسح الذي شمل عيّنة من 5444 أسرة من مختلف المحافظات، فإن العمالة غير المنظمة، أي تلك التي لا تغطيها بشكل كاف الترتيبات الرسمية ونظم الحماية، تمثل الآن أكثر من 60 في المئة من مجموع العمالة في لبنان. ووجد المسح أيضاً:
- "أن نحو نصف القوى العاملة والقوى العاملة المحتملة قد تم استخدامهما بشكل ناقص، وهو مصطلح يشير إلى البطالة، والى الأشخاص المتاحين للعمل لساعات أكثر مما يفعلون في الواقع، أو أولئك الذين لا يسعون للحصول على عمل.
- أن 30 في المئة من العاطلين عن العمل يبحثون عن عمل لفترة تزيد عن سنتين، و19 في المئة لفترة تمتد بين سنة وسنتين، ما يعني أن حوالى نصف العاطلين عن العمل في عام 2022 هم من صفوف البطالة طويلة الأمد التي تزيد عن فترة السنة".
أسباب كثيرة أدت الى وصول نسبة البطالة الى 30 في المئة في لبنان، علماً أنه يضم أهم وأقوى الطاقات البشرية. وبحسب رئيس المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين د. أحمد الديراني، "الى جانب الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان وجائحة كورونا التي أدت الى زيادة عدد العاطلين عن العمل، فإن اقتصاد لبنان الريعي الذي يقوم على الخدمات المالية والمصرفية والعقارية وكذلك الخدمات السياحية أدى الى تضخم البطالة، لأن هذا النوع من الاقتصاد لا يمكن أن يخلق فرص عمل لتغطي كافة اليد العاملة في لبنان. لذلك إن اعتماد إقتصاد انتاجي، عبر تنشيط القطاع الزراعي ودعم القطاع الصناعي والصناعات المحلية، يمكن أن يستقطب عدداً أكبر من العمال اللبنانيين والإستغناء عن العمال الأجانب. وأضف الى ذلك طبيعة المنظومة الحاكمة في لبنان، منظومة النهب المنظّم لمقدرات البلد التي لم يشهدها تاريخ لبنان من قبل". لذلك هو يعتقد أنه "أصبح من الصعب اليوم المباشرة بوضع حلول لمشكلة البطالة في زمن الانهيارات، فالقطاع التعليمي الذي يعتبر أساسياً لكي يتمكن الفرد من إيجاد فرص عمل تليق به وبمستوى تعليمه منهارة، والامتحانات الرسمية مهددة، وكذلك حال الجامعة اللبنانية والمدارس الخاصة التي هجرها أساتذتها".
ونعود الى المسح الذي أجرته إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية "وعند سؤال المقيمين في لبنان بعمر 15 سنة وما فوق عن الرغبة بالهجرة، أبدى أكثر من نصفهم 52 في المئة رغبته بالهجرة من لبنان. أما حسب الفئات العمرية فكانت الرغبة بالهجرة أكثر لدى الفئات الشابة 69 في المئة ممن هم بعمر 15-24 سنة و66 في المئة ممن هم بعمر 25-44 سنة، مقابل 10 في المئة فقط لدى المسنين بعمر 65 سنة وأكثر". ويشير الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أنه "حتى في الخارج أصبحت فرص العمل محدودة وذلك بسبب الأثر السلبي الذي تركته جائحة كورونا، فالذي لا يحمل شهادة جامعية أو حتى الخريجين الجدد الذين لا يتمتعون بالكفاءة والخبرة اللازمة، يصعب عليهم ايجاد فرص عمل في الخارج".
وبحسب المسح "انخفضت نسبة الأسر التي تحصل على دخل من التقاعد وبدلات من التأمينات الاجتماعية الاخرى من 28 في المئة الى 10 في المئة. وهناك 85 في المئة من الاسر لا تقوى على الصمود أبداً حتى ولو لشهر واحد في حال فقدان جميع مصادر الدخل، مقابل قلة قليلة صرحت أن بامكانها الصمود ستة أشهر أو أكثر بدون دخل". ويرى شمس الدين أنه "لا بد من إنشاء صندوق بطالة للعاطلين عن العمل حيث يكون تمويله عن طريق فرض ضرائب على العمال الأجانب الذين يعملون على الأراضي اللبنانية، بالرغم من تراجع عددهم من 450 الى 250 ألف عامل، ولكن تمويل هذا الصندوق يمكن أن يساهم في تقديم الإعانات للعاطلين عن العمل خلال الفترة الاولى من البطالة (لمدة ستة أشهر على الأقل الى حين إيجاد فرصة عمل)".
بالمختصر، إذا لم تشغل هذه الأرقام فكر من هم في موقع المسؤولية، فإن لبنان قادم على المزيد من الفقر والجوع والبطالة والفلتان، ويجب التحرك قبل الانفجار الاجتماعي الكبير.
نداء الوطن