يتحدث الكوبيون باقتضاب حول الفرضيات المتداولة في هذه الأيام بخصوص اعتزام روسيا التوجه صوب جزيرتهم لإقامة قاعدة عسكرية فيها، بموجب مقتضيات الأزمة الأوكرانية الراهنة، سعيا إلى الاقتراب من خاصرة ميامي الأميركية في مواجهة محاولات حلف "الناتو"، بقيادة الولايات المتحدة، للتمدد شرقا صوب الخواصر الروسية.
وتتباين الآراء والتقديرات في الشارع المحلي الكوبي حول هذه المسألة بين اتجاهين مختلفين، أحدهما يعبّر عن "الخشية من أن تطورا من هذا النوع يمكن أن يعيد إلى الأذهان تداعيات أزمة نصب الصواريخ السوفيتية في الجزيرة عام 1962"، على خلفية واقعة "خليج الخنازير" التي أدت، وقتذاك، إلى إفشال المحاولة الأميركية الرامية للإطاحة بنظام الرئيس فيدل كاسترو.
أما الاتجاه الآخر، فيتجلّى من خلال إشارات مباشرة إلى أن "تلاشي الآمال التي علّقها الكوبيون على إمكانية رفع الحصار عن بلادهم، في أعقاب انقلاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على إنجازات سلفه باراك أوباما في هذا المجال، أثناء زيارته التاريخية لهافانا ولقائه مع الرئيس السابق راؤول كاسترو في شهر مارس عام 2016، بات يحتم عليهم وضع رهاناتهم كاملة على اللاعب الروسي"، وفقا لما صرح به مصدر إعلامي كوبي لموقع"سكاي نيوز عربية".
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه قائلا: "إن الولايات المتحدة فشلت في قراءة المستجدات التي طرأت على الساحة الداخلية الكوبية بعد انتخاب ميغيل دياز كانيل رئيسا للدولة في أبريل 2018"، لافتا إلى أن "الرجل الذي كان يبلغ من العمر (وقتذاك) 58 عاما وصل إلى السلطة من جيل مختلف عن جيل الثورة الكوبية التاريخي".
وأوضح: "دياز كانيل كان في إمكانه طيّ حقبة حكم الأخوين فيدل وراؤول كاسترو التي استمرت ستة عقود (1959-2018) لولا تراجع الولايات المتحدة عن قرار رفع الحصار بسبب إصراره على تبني سياسة الإصلاحات الاقتصادية الرصينة".
الخيار الروسي والحسابات الأميركية
وكان الحديث عن خيارات روسيا العسكرية في كوبا قد اُثير بجدية في كل من موسكو وواشنطن منذ أواخر العام الفائت وبدايات العام الحالي، قُبيل إندلاع الأزمة الأوكرانية.
ففي 14 ديسمبر 2021، كتب سيرغي أكسيونوف، في صحيفة "سفوبودنايا بريسا"، عن الطريقة التي ستجعل الولايات المتحدة تُبعد صواريخها النووية عن حدود روسيا، متسائلا "عما إذا هافانا ستوافق على هذا الأمر؟".
وجاء في المقال أن "نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قال إن تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو تؤدي إلى تكرار تجربة أزمة الصواريخ الكوبية"، في إشارة إلى الحادثة التي وصفها الدبلوماسي الروسي بأنها أدت إلى تفاقم شديد للمواجهة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة ووضعت البلدين على شفا حرب نووية.
ووفقا للمقال، فإن الخبير العسكري أليكسي ليونكوف عبّر عن اعتقاده بأن موسكو يمكن أن تنشر قدرات عسكرية معيّنة في المنطقة المجاورة مباشرة للساحل الأميركي، قائلا: "من شأن نشر قوات روسية في المنطقة الكوبية، على أساس دائم، والزيارات العسكرية المنتظمة قبل اندلاع الأعمال القتالية، في ما يسمى بفترة ما قبل الحرب، أن توقف رغبة الولايات المتحدة في اللعب بالحرب معنا".
وفي 16 يناير 2022، تحدثت مجلة "ماليتاري ووتش" الأميركية عن أن الوجود الدائم للوحدة العسكرية الروسية في كوبا أو في بلدان أخرى من أميركا اللاتينية يشكل للولايات المتحدة وشركائها متاعب خطيرة.
وجاء المقال في أعقاب اعتراف وزارة الخارجية الروسية بإمكانية نشر أسلحة روسية في أميركا اللاتينية ردا على توسّع الناتو شرقا.
وأشار خبراء مجلة "ماليتاري ووتش" إلى أنه "حتى الاتحاد السوفيتي كان له وجود عسكري كبير في كوبا، والآن أصبحت عودة القواعد الروسية مرة أخرى موضوع نقاش".
وحاول خبراء المراقبة العسكرية توقع ما ستؤدي إليه عودة قواعد القوات المسلحة الروسية إلى كوبا، وأشاروا إلى أن "قاذفات القنابل الروسية من طراز Tu-160 قد تم نشرها بالفعل في فنزويلا ومن المحتمل أن تظهر أنواع أخرى من الطائرات هنا".
وبحسب ما أوردته المجلة الأميركية، فإن "عودة نفوذ موسكو في كوبا ستكون أكثر خطورة على البيت الأبيض من أزمة الكاريبي. والتهديد الرئيسي الذي يظهر هو قدرة القوات الجوية الروسية على توجيه ضربة ساحقة للولايات المتحدة" بسرعة فائقة.
كما اتفق الخبراء أيضا على أن "ظهور منشآت عسكرية في كوبا يمكن أن يردع الناتو بشكل أكثر فاعلية مما كان يمكن لروسيا أن تفعله على طاولة المفاوضات".
الارتياب الروسي
ولكن في المقابل، عبّر مصدر صحفي روسي لموقع"سكاي نيوز عربية" عن اعتقاده بأن "ارتياب موسكو من تفعيل حضورها العسكري في كوبا يكمن في أن السلطات الكوبية لم تُصدر حتى الآن موقفا واضحا من الأزمة الأوكرانية الراهنة".
وشدّد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، على أن "التردّد الكوبي في إعلان موقف صريح من الأزمة الأوكرانية، معطوفا على تداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا، من شأنه أن يُعيق طموحات موسكو في التوجه مجددا صوب البحر الكاريبي"، مكتفيا بالقول: "إن الرقابة العسكرية الروسية باتت مركزة في الوقت الحالي على الهواتف المحمولة للحيلولة دون إعطاء المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع".
جدير بالذكر أن الحديث عن إعادة تفعيل الحضور العسكري الروسي في أميركا اللاتينية يعود إلى ما قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية الراهنة بسنوات.
ففي 30 نوفمبر 2017، تحدّث رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد للبرلمان الروسي فيكتور بونداريف عن وجوب إعادة تكوين القواعد العسكرية الروسية في كوبا وفيتنام، حتى ولو تم ذلك "بشكل افتراضي بحت".
وأضاف المسؤول الروسي قائلا (وقتذاك) لوكالة "سبوتنيك" إنه "في ظروف العدوان الأميركي المتنامي، سيكون نشر القاعدة العسكرية الروسية في كوبا خطوة تستجيب مع مصالح وأمن روسيا"، مؤكدا، في الموازاة، على أنه "يتعيّن علينا أيضًا التفكير في إعادة القوات البحرية الروسية إلى فيتنام بموافقة حكومة هذه الدولة".
سكاي نيوز