أزمة البنزين:

الى الدولرة در، آخر خرطوشة في وجه المواطن، وما افتعال الازمات واقفال المحطات وانقطاع الخبز الا رسالة مشفرة للحكومة «ما في دولرة ما في لا بنزين ولا خبز»، وهو ما بدأ يلمسه المواطن على الارض وقد بات لسان حاله «دولروا الخبز والبنزين ولكن ليتوفر»، وهو ما تريده الدولة «تركيع المواطن ليرضخ دون ردات فعل.

عملياً اذا ارتفع سعر البنزين فإن اسعار كل السلع المرتبطة به ستشهد ارتفاعات خطيرة، ليس بالسهولة ان يمتصها المواطن. كان يفترض أن تفتح محطات النبطية ابوابها، بعد كبسة مراقبي الاقتصاد نهار السبت، غير انها طبقت المثل «غاب القط سكروا المحطات»، التي فرضت حالة من القلق، لدى شريحة واسعة من المواطنين، ممن استعادوا مشهد الطوابير والذل والاقفال.

ما إن سرى الحديث عن « دولرة البنزين والمحروقات» حتى رفعت محطات النبطية ومرجعيون وبنت جبيل خراطيمها، حتى المحطات التي فتحت حديثاً اقفلت، على قاعدة «خبي مخزونك ليوم الدولرة»، فيما المواطن عجز عن ايجاد بضعة ليترات من البنزين، لملء خزان سيارته الفارغ، صحيح ان زمن «التفويلة» ولّى الى غير رجعة، بعدما لامست تنكة البنزين الـ700 الف ليرة، غير أنه لا غنى عنه، للانتقال الى مراكز العمل، فعادة ما يملأ المواطن خزان سيارته بـ500 الف على ابعد تقدير، جراء ضعف القدرة الشرائية لديه، وغلاء المحروقات التي تجاوزت الحد الادنى للاجور.

على رغم كبسات الاقتصاد، الا ان المحطات ابقت خراطيمها مرفوعة، بحجة «ما في بنزين» وابقت المواطن بحيرة «هل نحن في ازمة، او انها أزمة مفتعلة» في كلا الحالتين الازمة قائمة، رغم كل التطمينات التي صدرت سواء عن وزير الطاقة او حتى موزعي المحروقات، فإقفال المحطات لا يدل الا على حقيقة واحدة «اي في ازمة».

بدت شوارع النبطية والقرى خالية، وكأننا في جبهة حرب، وحدها الدراجات النارية بقيت على الخط، فكثر لجؤوا اليها كحل بديل اكثر توفيراً، من السيارة، وان بشكل اقل، غير أن السؤال لماذا المحطات مقفلة والمخزون داخلها كبير، بل يسأل المواطن «اين وزارة الاقتصاد مما يحصل بالجنوب».

المستغرب ان جولات مراقبي الاقتصاد لم تُجدِ نفعاً، رغم أن بيانها اكد فتح المحطات المقفلة، الا ان الواقع مغاير، لا محطات ولا من يحزنون، رغم ان المعلومات تشير الى وجود مخزون كاف لدى كافة المحطات، خاصة وان كمية استهلاك البنزين تراجعت الى حدود الـ80 بالمئة، فالمواطن بالكاد يعبئ خزان سيارته بـ500 الف ليرة اي 10 ليترات فقط، هذا عدا عن أن معظم المواطنين لا يتحركون الا ليوم واحد فقط في الاسبوع.

وكأنه لا يكفي ابراهيم البحث عن ربطة خبز دون جدوى حتى فرض عليه البحث عن بضعة ليترات من البنزين وهي غير متوفرة، وفق ابراهيم الازمة كبيرة في الجنوب فقط، لان لدينا تجار فاسدون اكثر من السياسيين انفسهم»، وأكثر يقول: «كيف دغري خلص المخزون؟ هيك بتفضى المحطات من البنزين؟».

تعيش النبطية وقراها اسوأ ايام حياتها، ازمات تلو ازمات تهبط عليها، من ازمة المياه التي تقض مضاجع الناس مع ارتفاع فاتورة الصهريج الى الـ600 الف، الى ازمة الخبز الذي دخل السوق السوداء وكل دكان يسعر على مزاج جيبته، وصولاً الى ازمة البنزين الذي يتجه نحو الدولرة مثله مثل الخبز، وعندها ستدخل المنطقة في «بروفا» الانهيار الكبير، وحتماً ستتغير كل العادات والتقاليد على حد ما يقول يوسف الذي يجزم اننا اقتربنا من زمن العودة الى الحمار والتبن وكل الوسائل التقليدية، ويضيف: «صار المعاش بتنكة ونص بنزين، وصرنا امام خيارين إما الجلوس في المنزل او دفع المعاش بنزين وكلا الحلّين مر».

يتخبط ابو يوسف بأزماته، العامل في احدى المدارس وجد نفسه عاجزاً عن الوصول الى العمل، فالمسافة بين منزله وعمله تتجاوز الـ17 كلم، كلفة الكيلومتر الواحد 6 آلاف ليرة اي انه يحتاج يوميا 100 الف ليرة بنزين اي 300 الف كل ثلاثة ايام وهو لا يتقاضى سوى مليوني ليرة، والمضحك «البنزين قطعوه ليغلّوه، فقط. ما يؤلمه انه بات عاجزاً عن الذهاب الى عمله والدولة آخر همها».

على ما يبدو ان موسم الازمات عائد، اذ مع كل استحقاق مصيري في البلد، تتحرك الازمات كأوراق ضغط قاسية لتحسين شروط الزعماء، حتى وان كانت على حساب مواطن خسر كل شيء ولم يبقَ له سوى كلمة «الله يكون معنا».

رمال جوني - نداء الوطن

يقرأون الآن