بدأ لبنان عملية ترسيم حدوده البحرية قبل إسرائيل. ووقع اتفاقاً مع قبرص ولكنه أبقى النقطتين الأساسيتين في الشمال والجنوب من دون تحديد، لأنهما تحتاجان إلى اتفاق مع الدولتين الثالثتين المعنيتين سوريا وإسرائيل. ولكن قبرص لم تحترم الإتفاق مع لبنان وذهبت إلى توقيع اتفاق مستقل مع إسرائيل من دون أن تأخذ بالإعتبار أن هذا الإتفاق يضر بالمصلحة اللبنانية.
أكثر من حكومة لبنانية تعاطت في هذا الملف. حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تشكلت في العام 2005 وبدأت عمليات الترسيم ثم حكومة الرئيس السنيورة الثانية التي تشكلت بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في أيار 2008، وحكومة الرئيس سعد الحريري التي تشكلت بعد انتخابات 2018 وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تشكلت بعد إسقاط حكومة الحريري نتيجة استقالة وزراء الثنائي الشيعي و»التيار الوطني الحر» في بداية العام 2011. في كل هذه الحكومات كان «حزب الله» ممثلاً وكانت عمليات الترسيم مستمرة واستمرت بعدها مع حكومة الرئيس تمام سلام في العام 2014، وصولاً إلى المرحلة الحالية حيث تعاقبت أيضاً حكومات الرئيس سعد الحريري في العام 2016، بعد انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية وحكومة الرئيس حسان دياب والحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي.
في الحلقة الأولى روى الرئيس فؤاد السنيورة ولادة عمليات الترسيم والأسس التي بنيت عليها سياسياً وتقنياً والنقاط التي تم اعتمادها شمالاً وجنوباً. وفي هذه الحلقة يحكي عن الترسيم الإسرائيلي وعن المرسوم 6433 الذي لا يزال يدور حوله جدل كبير في لبنان. وبينما لا يزال هذا الجدل يعيق عمليات التنقيب واستغلال هذه الثروة النفطية اجتازت إسرائيل المراحل وبدأت عمليات الإستخراج والتصدير.
ماذا في رواية الرئيس السنيورة وقد أصبح خارج مجلس الوزراء؟
يتابع الرئيس السنيورة:
رابعاً: بتاريخ 12 تموز 2011 رسَّمت اسرائيل حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة البحرية مع لبنان من جانب واحد أي خط الناقورة - النقطة رقم «1» واودعت احداثيات نقاط ذلك الترسيم لدى الدوائر المختصة في الأمم المتحدة. ولقد جرى ذلك بعد سنة كاملة من التاريخ الذي أودع فيه لبنان تلك الدوائر في الأمم المتحدة احداثيات حدوده البحرية ومن جانب واحد مع العدو الاسرائيلي، اي خط الناقورة - النقطة «23» وذلك بتاريخ 14 تموز 2010، إلاّ أن ما تجدر الإشارة اليه ان إسرائيل وبموجب رسالتها للأمم المتحدة اعتبرت واعترفت أنّ الترسيم الذي قامت به ولما تعتبره حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة هو غير نهائي، حيث انه يمكن تعديل احداثيات النقطة رقم «1» المذكورة في الاتفاقيتين اللبنانية - القبرصية والاسرائيلية - القبرصية وذلك بعد الاتفاق النهائي على ذلك بين الدول المعنية.
على الرغم من ذلك فقد بادر لبنان مجدداً الى الاعتراض على ذلك الترسيم بموجب رسالة موجهة من قبل وزير الخارجية اللبنانية بتاريخ 3 أيلول 2011. ولقد طلب وزير الخارجية اللبناني من الأمين العام للأمم المتحدة في تلك الرسالة تكليف من يلزم لرسم خط يتناسب مع الحدود البحرية اللبنانية التي اودعها لبنان في الأمم المتحدة وذلك على غرار الخط الأزرق البري. الا ان الرسالة اللبنانية الى الأمين العام للأمم المتحدة الآنفة الذكر لم تشر إلى البند العاشر من القرار 1701 والذي يعطي صلاحية للأمم المتحدة بالمساعدة بهذا الشأن وذلك بناء على طلب لبنان.
إلاّ أن جواب الأمين العام للأمم المتحدة جاء بموجب رسالة موجهة منه إلى وزير الخارجية اللبنانية بتاريخ 18 تشرين الأول 2011 مفادها أنّ ذلك الامر يتطلب اتفاق الأطراف المعنية و/أو ولاية خاصة من قبل مجلس الأمن.
خامساً: بتاريخ 18 آب 2011 صدر القانون رقم 163 القاضي بتحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية. وعلى أساس من ذلك فقد أنيط بالحكومة إصدار مرسوم لتعيين الحدود البحرية اللبنانية.
قبل إصدار ذلك المرسوم كانت حكومة الرئيس ميقاتي قد كلفت في حينها المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) مجدداً بإعداد دراسة لترسيم الحدود البحرية اللبنانية وذلك قبل اصدار المرسوم المتعلق بذلك. ولقد صدرت تلك الدراسة بتاريخ 17 آب 2011.
في ضوء ما تقدم، فقد قرّرت الحكومة اللبنانية آنذاك الابقاء على ما تم التوصل اليه من قبل اللجنة الخاصة التي صدرت نتائجها في العام 2009، والتي أكّدت على ما قامت به الحكومات اللبنانية قبل ذلك في الأعوام 2007- 2008- 2009. وبالتالي فقد صدر المرسوم رقم 6433 تاريخ 01/10/2011 عن حكومة الرئيس ميقاتي والذي تبنت به تلك الحكومة أعمال اللجنة المؤلفة في نهاية العام 2008 والقرار الذي صدر عن مجلس الوزراء رقم 51 في العام 2009.
تجدر الإشارة أيضاً أنه وفي تلك الحكومة التي كان يشترك في عضويتها ممثلون عن «حزب الله»، والذي كان الحزب يتمتع بثقل وازن فيها فقد جاء قرار الحكومة ليؤكد من جديد على معرفة وإقرار «حزب الله»، وبشكل مباشر، على صحة ما قامت به الحكومة اللبنانية من خطوات وقرارات منذ العام 2007 وحتى العام 2011.
سادساً: في العام 2012 شكّلت حكومة الرئيس ميقاتي لجنة خاصة اخرى لإعادة درس موضوع ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية.
ولقد تألفت اللجنة الجديدة بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 75/2012 تاريخ 11/05/2012. وهي اللجنة التي خلصت إلى التأكيد على العمل الذي قامت به اللجنة اللبنانية المؤلفة في العام 2008، وذكَّرت في أنَّ ما قامت به الحكومة اللبنانية واللجنة المؤلفة من قبلها في العام 2008 بالنسبة لترسيم حدود لبنان الجنوبية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، «كان في الأصل من أجل تأمين موقع متقدم للبنان في الدفاع عن موقفه في حال التفاوض مستقبلاً على الحدود النهائية». أي أنّ هذه اللجنة الجديدة أيضاً قد أكّدت على صوابية ما قامت به الحكومة اللبنانية واللجنة المؤلفة من قبلها في العام 2008، والتي قامت آنذاك بدراسة مسودة مشروع الاتفاقية بين لبنان وقبرص وأكدت على صحته، واستكملت الترسيم من جانب واحد من جهة الشمال مع سوريا ومن جهة الجنوب مع فلسطين المحتلة بتحديد النقطتين 23 في الجنوب وسبعة في الشمال.
سابعاً: ماذا جرى لاحقاً؟
I- على صعيد أول، في ذلك الوقت بادر المبعوث الأميركي Hoff إلى اقتراح حلّ لذلك الخلاف المستعر بين لبنان و»إسرائيل» حول المنطقة الواقعة ما بين النقطتين الجنوبيتين 1 و23 والتي تبلغ مساحتها قرابة 860 كلم مربع، وذلك بأن يحصل لبنان على ما يعادل 500 كلم مربع من تلك المنطقة، وتحصل إسرائيل على 360 كلم منها.
ذلك ما اعترض عليه لبنان وطالب بأن يتم التوصل إلى اتفاق عبر الأمم المتحدة.
II- على صعيد ثان، كانت تجري اتصالات على مستويات متعددة مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل حثّه على التدخل والمساعدة لترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان. كذلك كانت تجري اتصالات مع المسؤولين الأميركيين الذين كانوا مولجين بمتابعة هذا الأمر وهم أيضاً اتصلوا بالرئيس بري كما اتصلوا بي، وحيث كنا ننسق سوية موقفنا في هذا الخصوص مع الرئيس بري وأبدينا وجهة نظر موحدة بهذا الشأن.
III- في هذا الصدد، وبمبادرة شخصية مني وبحكم صداقتي الوثيقة بالأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، فقد أكّدت له في رسالة أرسلتها إليه، وذلك في 29/3/2014 تأكيداً على طلب سابق قدمته له في العام 2012 إلى ضرورة أن تبادر الأمم المتحدة واستناداً إلى القرار 1701، ولا سيما في المادة العاشرة منه، وهي المادة التي تتيح للأمم المتحدة المساعدة في ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وكررت عليه ذلك في أكثر من مناسبة خطياً وشفاهة.
IV- كذلك وقبل تسلم الأمين العام الجديد السيد أنطونيو غوتيريس فقد تمنيت عليه أيضاً وفي رسالة وجهتها إليه أن يهتم بمسألة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وذلك أيضاً استناداً إلى ما تتيحه المادة العاشرة من ذلك القرار لتحديد حدود لبنان الجنوبية.
V- على صعيد ثالث، استمرّت الحملات الإعلامية الشعبوية عليّ والمقصود منها، كالعادة، الإثارة الشعبوية وادعاء الطهرانية والبطولات الزائفة، واحتكار الموقف الوطني وتخوين الآخرين واتهامهم بالتفريط بالحقوق الوطنية من اجل تشويه السمعة، وذلك بأنّ لبنان على غير استعداد للتفريط بحقوقه في المنطقة الجنوبية من حدود منطقته الاقتصادية الخالصة، واتهام الآخرين بالتفريط وهو ما يدعيه الحزب بشأن ما قامت به حكومتي.
ولقد حصل ذلك بالرغم من التأكيد الذي ابرزته حكومة الرئيس ميقاتي، والتي كان «حزب الله» يتمتع بثقل وازن فيها، على صوابية ما قامت به حكومتيَّ في هذا الصدد من خلال اصدار المرسوم رقم 6433 تاريخ 1/10/2011 المتعلق بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وكذلك استناداً الى أعمال اللجنة التي شكلتها حكومة الرئيس ميقاتي بتاريخ 11/5/2012 للتدقيق وإعادة درس موضوع ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية.
VI- بتاريخ 2 شباط 2017، وبعد اسبوع واحد من اعلان لبنان فتح البلوكات البحرية الحدودية 8، 9، و10 للمزايدة ضمن دورة التراخيص الاولى، قام العدو الاسرائيلي بتوجيه رسالة الى الأمم المتحدة يعترض فيها على الخطوة التي قام بها لبنان لناحية البدء بالإجراءات المتعلقة بالأنشطة البترولية في المنطقة البحرية المتنازع عليها، وإنه لن يسمح لشركات النفط القيام بأعمال الاستكشاف، الحفر، واستثمار الثروة النفطية في تلك المنطقة.
بادرت بعثة لبنان الدائمة لدى الامم المتحدة بتاريخ 20 آذار 2017 إلى توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تعترض فيها على الرسالة الإسرائيلية الاخيرة التي تهدد فيها لبنان. ولقد اكدت تلك الرسالة اللبنانية التي أرسلها لبنان الى الأمم المتحدة على أنّ البلوكات البحرية 8، 9، و10 تقع كلياً ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
كذلك، فقد تمّ التذكير في تلك الرسالة على احداثيات نقاط الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة التي اودعها لبنان الامين العام للأمم المتحدة بتاريخ 14/7/2010 وبتاريخ 17/10/2011، وكذلك التذكير بالرسالتين السابقتين بتاريخ 20/6/2011 وتاريخ 3/9/2011 التي اعترض لبنان بموجبهما على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين قبرص واسرائيل في كانون الأول من العام 2010 وعلى ايداع اسرائيل لإحداثيات نقاط حدودها الشمالية مع لبنان في تموز من العام 2011.
نداء الوطن