مع تقلُّب اللبنانيين على جمر الأزمات الحياتية، من الرغيف إلى المحروقات إلى الاستشفاء، إلى غلاء الأسعار الجنوني، يستحوذ قصر بعبدا على الاهتمام، اليوم، من خلال المشاورات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية ميشال عون، لتسمية رئيس حكومة مكلف، في وقت برز بوضوح تشرذم الأكثرية النيابية وعدم توافقها على مرشح لتسميته في هذه الاستشارات، بعد تفرق الكتل النيابية المعارضة، وتعذر حصول هذا التوافق على القاضي نواف سلام. وإذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هو المرشح الأبرز، والأوفر حظاً لتكليفه مجدداً تشكيل الحكومة، في وقت أعلن نائب بيروت نبيل بدر، أن 13 نائباً سيسمون الميقاتي. لكن وإن سارت الأمور باتجاه تسمية الأخير، وبصرف النظر عن هوية الرئيس المكلف، فإن الحكومة لن تتشكل لأن العهد يريدها على قياسه ووفق شروطه، وبالتالي فإن الأمور سائرة نحو التعطيل، بعدما بات الجميع مقتنعاً بأن حكومة تصريف الأعمال ستتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية. وهذا أمر أصبح مسلماً به، لوجود صعوبات تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وللمرة الثالثة توالياً، فإن الغالبية النيابية أظهرت عجزاً واضحاً في قدرتها على التوصل إلى مرشح لرئاسة الحكومة، هي في أمسّ الحاجة إليه، لتعكس رغبتها في حصول التغيير الذي طالب به الشعب اللبناني في صناديق الاقتراع، ما يرسم صورة ضبابية حول قدرة المعارضة على تنفيذ برنامجها الذي وعدت اللبنانيين به، ما سيسمح بالتأكيد للمنظومة الحاكمة في الاستمرار في التحكم بقرار البلد، طالما أن ليس هناك من هو قادر على التصدي لها، ومنعها من تحقيق مشروعها.
وإذا كان عدم توافق الأكثرية على المرشح سلام، قد أفسح في المجال أمام تقدم ميقاتي، إلا أنه لا يبدو أن «حزب الله قد نجح في تليين موقف حليفه «التيار الوطني الحر»، من أجل السير بميقاتي، بعدما اشترط النائب جبران باسيل، مدعوماً من رئيس الجمهورية ميشال عون، الحصول على حقائب، «الخارجية»، «الطاقة» و«البيئة» وغيرها، للموافقة على تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال، وإن تردد في الساعات الماضية، عن إمكانية ظهور مفاجأة في ربع الساعة الأخير، بتبني شخصية ثالثة، لكن دون الجزم بهذا الأمر. وهذا الإرباك الظاهر عشية الاستشارات الملزمة، سيزيد هذا الملف تعقيداً، ولن يساعد بالتأكيد على توقع أن ينجح الرئيس المكلف، أياً يكن في إنجاز مهمته في الأشهر المتبقية من ولاية الرئيس ميشال عون.
وتحمِّل مصادر نيابية معارضة «الأكثرية مسؤولية الفشل في تبني مرشح إجماع لرئاسة الحكومة، على غرار فشلها في انتخابات نيابة رئاسة مجلس النواب، وانتخابات اللجان النيابية. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن هذه الأكثرية لا تتعلم من أخطائها، وأنها بالتالي تتحمل مسؤولية بقاء حلفاء سوريا وإيران، متحكمين بقرار البلد»، داعية «هذه الأكثرية إلى تغيير موقفها والوقوف خلف مرشح واحد، لمواجهة الرئيس ميقاتي، من أجل إنقاذ البلد من مأزقه، والحفاظ على موقع لبنان العربي، من أجل مساعدته في عملية الإنقاذ».
وأكدت المصادر، أن «كل ما يجري مرتبط باستحقاق رئاسة الجمهورية، ولهذا فإن هناك محاولات تعطيلية من جانب الفريق الآخر، ما يفرض على قوى المعارضة التوحد، لإفشال مخططات هذا الفريق الذي يريد تنصيب رئيس من جماعات إيران. وبالتالي على الأكثرية أن تثبت أن ما بعد 15 أيار ليس كما قبله. وهذا يعني أنه لا بد من أن ينجح السياديون والتغييريون في المجيء برئيس حكومة من ذات الخط، وإلا فإن الأوضاع ستبقى كما هي».
واعتبرت المصادر، أن «المواكبة الخليجية، والسعودية خاصة للاستحقاقات الداخلية، تعطي انطباعاً بأن هناك اهتماماً بوضع لبنان. فالمملكة العربية السعودية كانت دائماً مهتمة بلبنان، وبمد الجسور بين اللبنانيين والوقوف إلى جانب الدولة ومؤسساتها في كل الأزمات. وتالياً فإن الدور السعودي ليس جديداً، وإنما هو استكمال للتعاون بين الدولتين، ولا يشبه أبداً التعاون القائم بين إيران والدويلة في لبنان».
وقد علم أن هناك مروحة واسعة من المشاورات التي سيقوم بها السفير السعودي وليد البخاري مع عدد من القيادات السياسية والروحية السنية والوطنية، تصب في إطار وحدة الطائفة السنية، من ضمن الحرص السعودي على استقرار لبنان والحفاظ على سيادته واستقلاله، في حين بدا لافتاً الحركة الدبلوماسية للسفراء الخليجيين إلى جانب حراك السفير السعودي، في مؤشر واضح وفقاً لما أكدته مصادر المعارضة اللبنانية، إلى أنه «ستكون هناك مواكبة خليجية لاستحقاقي رئاسة الحكومة والانتخابات الرئاسية في المرحلة المقبلة».
عمر البردان - اللواء