مع اشتداد الحرب الأهلية في السودان منذ نيسان/أبريل 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، برزت غرف الطوارئ كمصدر للأمل في ظل هذه الأوقات العصيبة، وسط أهوال الحرب والدمار، أصبحت هذه الغرف تُجسِّد الإنسانية والصمود، مُقدِّمةً يد العون في أصعب اللحظات لإنقاذ حياة ملايين السودانيين.
وفي خضم تصاعد العنف، لم تقتصر مهام غرف الطوارئ على الاستجابة للأزمة، بل تحوّلت إلى طوق نجاة يمد يد المساعدة لمئات الآلاف من النازحين والمحتاجين. فقد قامت هذه الفرق البطولية بإجلاء عشرات الآلاف من مناطق الصراع، وتوفير المياه النظيفة والإمدادات الطبية، إضافة إلى إدارة مطابخ مجتمعية تسد رمق الجوعى الذين باتوا مُهدّدين بالجوع والموت. لكن أبرز ما يُمَيِّز جهودهم هو مُواجهتهم الشجاعة لظاهرة العنف الجنسي المصاحبة للنزاع، مما جعلهم رمزًا للتضامن الإنساني والشجاعة.
وفي 2024، أعلن معهد أبحاث السلام في أوسلو، عن ترشيح غرف الطوارئ السودانية لجائزة نوبل للسلام للعام 2024، واصفًا إياها بأنها "رمز للأمل والصمود" في وقت تمر فيه البلاد بأزمة إنسانية حادة. أشار البيان إلى أن هذه الغرف لعبت دورًا رئيسيًا في تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية لملايين السودانيين، بما في ذلك الرعاية الطبية للنازحين والفئات الأكثر ضعفًا.
وأكد البيان كذلك على التضحيات الجسيمة التي يقدمها المتطوعون الذين يخاطرون بحياتهم يوميًا لتقديم المساعدة في مناطق النزاع. فمن خلال جهودهم، تمكنوا من منع انتشار المجاعة والأمراض، وتقديم الحماية المدنية، مما يعكس "قوة التضامن الإنساني وأهمية العمل الإنساني".
ودعا المعهد المجتمع الدولي للاعتراف بهذه الجهود الاستثنائية ودعم ترشيح غرف الطوارئ لجائزة نوبل للسلام، معتبرًا أن منحها هذه الجائزة سيعزز من الروح الإنسانية ويدعم الشعب السوداني في مواجهته للتحديات الراهنة.
تأسّست غرف الطوارئ في أعقاب اندلاع الحرب، حيث توقّفت معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل. تعمل هذه الغرف بالتنسيق مع كوادر طبية متخصصة لتقديم العلاج والرعاية، وتنظيم عمليات الإجلاء، بالإضافة إلى توفير الطعام والماء. ومع كل ذلك، تمثل هذه الغرف نموذجًا حيًا للتحدي والصمود في وجه الدمار.
وقد لخّصت هذه الشهادات جهود غرف الطوارئ في تقديم الدعم الطبي والإنساني للسودانيين في أصعب الأوقات، حيث لعبت دورًا حاسمًا في الحفاظ على الأرواح في ظل غياب النظام الصحي الطبيعي.
أمل، 33 عامًا، من الخرطوم، سردت لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" تجربتها قائلة: "كنت في منتصف الطريق إلى المستشفى عندما بدأ القصف. لم أكن أعرف كيف أصل أو حتى أين يمكنني الذهاب. تم نقلي إلى غرفة طوارئ محلية أقامتها مجموعة من المتطوعين في حي مجاور. هناك حصلت على الرعاية الطبية والعلاج اللازم حتى استقرت حالتي".
وختمت حديثها لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" بالقول: "غرف الطوارئ لم تكن مجرد جدران، بل كانت قلاعًا تحمي الأرواح. كانت ضوءًا يشق طريقًا نحو النجاة في ظلام الحرب الدامس".
محمود، 45 عامًا، من أم درمان، قال لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت": "عندما اندلعت الاشتباكات، فقدنا الاتصال بالعالم الخارجي. لم يكن لدينا أطباء ولا أدوية، وكنا نخشى على حياتنا. سمعت عن غرفة طوارئ محلية قريبة من منزلنا، وتمكّنت من إيصال والدتي المصابة هناك. لم يكن لديهم الكثير من الإمكانيات، لكنهم أنقذوا حياتها بالعلاج الأولي والرعاية".
وأضاف: "بين أصوات القذائف والخوف الذي يخنق الأنفاس، كانت هناك أيادٍ ممدودة بالأمل. غرف الطوارئ كانت ملاذنا، حيث تعلّمنا أنّ الحياة دائماً تملك فرصة جديدة".
سعاد، 27 عامًا، من جنوب دارفور، ذكرت لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت": "هربنا من قريتنا بعدما اشتد القتال، وكنا نمشي لساعات طويلة بدون طعام أو ماء. في النهاية وصلنا إلى منطقة آمنة، حيث كانت هناك غرفة طوارئ تديرها منظمة إغاثة دولية. قدموا لنا الطعام والدواء وساعدونا على إيجاد مأوى مؤقت".
وأضافت: "لم تكن غرف الطوارئ مجرد مكان لتلقي العلاج، بل كانت شعاع ضوء في عتمة الحرب. كل جرح كان يحمل قصة، وكل شفاء كان يحمل وعدًا بغدٍ أفضل".
وتقول هناء من الخرطوم لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت": "عندما تُغلق الأبواب أمامنا، نجد في قلوبنا قوةً لا توصف. وفي غرف الطوارئ، نجد الحياة تمتد بين أيدينا، حتى في أحلك اللحظات".
وتضيف: "حتى حين تهزمنا الظروف ونتوه في الظلام، تكون هناك أماكن صغيرة، كغرف الطوارئ، تنبض بالحياة. تلك الأماكن لا تنقذ الجسد فقط، بل تحيي الروح وتعيد إلينا إيماننا بالإنسانية".