مع اقتراب انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، تتعلّق جردة الحساب بما قام به التيار الوطني. الطرف الذي كان يمكن أن يقطف ثمرة ست سنوات رئاسية، يستعدّ لخوض امتحان هو الأصعب في تاريخ قيادته الحالية
قبل ست سنوات، كان التيار الوطني الحرّ يستعدّ للدخول الى قصر بعبدا مع رئيس الجمهورية ميشال عون، على حصان أبيض، وتفاهم معراب، وتسوية حكومية مع الرئيس سعد الحريري ومباركة حزب الله. حينها كان التيار يستكمل ما بدأه عون نفسه منذ أن عاد الى بيروت من باريس عام 2005، في فرض إيقاع الدخول بقوة الى الإدارات والحكومات ومجلس النواب. نجح باسيل، بغطاء من عون، في وضع شروطه المتتالية وفرض المحسوبين عليه تباعاً في الإدارات كما في الوظائف الرسمية والأمنية والعسكرية والمقاعد النيابية والحكومية حتى بات له في كل وزارة حصل عليها دوائر نفوذ، والأمر نفسه في الخارج بفعل حضوره في وزارة الخارجية. وفوق كل ذلك، ورث باسيل والتيار قواعد سياسية كانت إما متفلّتة أو فقدت غطاءها السياسي بعد تبدّل العهود والزمن السياسي، ومعها شخصيات إدارية وسياسية ودينية كنسية ورهبانية، ضمن ولائها السياسي على مدى سنوات، فضلاً عن إحكامه الطوق على التيار داخلياً بحيث أصبحت له الكلمة الأولى والأخيرة.
اليوم، يدرك التيار أن الأشهر الأخيرة من عهد عون هي أصعب ما مرّ عليه من تجارب سياسية، تمكّن سابقاً من تجاوزها والوصول عبرها الى قصر بعبدا، بعدما بات الأمل في وصول باسيل الى القصر الجمهوري مفقوداً، لأن التجربة اليوم تتعلّق بوضع باسيل وحده بمعزل عن عون الذي توّج مسيرته السياسية، بكل خيباتها ونجاحاتها، في العودة مجدداً الى قصر بعبدا.
فانتخاب باسيل رئيساً يكاد يكون من المعجزات، ليس فقط بسبب العقوبات الأميركية أو الموقف الفرنسي منه أو التطويق العربي له، بل بسبب حسابات الداخل ومواقف الأطراف الإسلامية والمسيحية منه. ولأنه يدرك ذلك، ويدرك أن حليفه حزب الله ليس قادراً على إيصاله، كما فعل مع عون، كان الرهان أن يتحول في الأشهر الأخيرة إلى ناخب أوّل بدل أن يكون مرشحاً أول. لكن ما يجري حتى الساعة أن باسيل يتصرف على العكس تماماً. فهو يمارس لعبة داخلية محض لتأمين الاستمرارية التي تنتهي مع نهاية العهد، ولا سيما في طريقة إدارته ملف تشكيل الحكومة، مستخدماً الأسلوب نفسه الذي مارسه سابقاً. في حين أن شروط اللعبة اليوم مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل العهد وخلاله. حتى إن ثمة من راهن على أنه سيدوّر الزوايا الى الحد الأقصى فيضمن الحكومة الجديدة بأيّ ثمن حتى لا تكون حكومة تصريف الأعمال وريثة عون، بغضّ النظر عن أي سيناريوات متخيّلة لاحتمال بقائه في بعبدا. لكن ما حصل هو العكس تماماً، بعدما أعطى الأولوية لدوره الآني على حساب الاستحقاق المقبل.
يدرك باسيل أنه أصبح معزولاً في الداخل، من دون حلفاء، وأن فوزه «العجائبي» بالانتخابات النيابية ليس مبنياً على صخرة ثابتة، وأن ما حصده من أرقام، بدعم حلفائه، لا يستطيع أن يعوّل عليها في فرض موقعه مع بداية عهد جديد، حتى لو كان الرئيس المقبل أقرب حلفاء حزب الله. رغم ذلك، فإنه مستمر في القفز فوق كل الاعتبارات التي لم تعد أوراقاً رابحة في الأسابيع الأخيرة للعهد. فعلى طريقة «لو دامت لغيرك لما آلت إليك»، فإنّ ما ورثه باسيل والتيار على سنوات من قواعد غير عونية المنشأ، يعرف تماماً أنها لن تحافظ على ولائها له، مهما كان اسم الرئيس المقبل للجمهورية. كل ما يضمنه له حزب الله من صفقة أو سقف سياسي وحضور ولو عبر تعيينات وحصص، ينتهي عند باب القصر الجمهوري. وهذه ليست التجربة الأولى ولا الأخيرة في مسار الحياة السياسية، كما حصل مع قواعد الكتائب والأحرار وميشال المر ونواب وزعامات محلية تبدّلت اتجاهاتها السياسية مع قسَم اليمين لرئيس الجمهورية الجديد. وهذا يعني أن ما زرعه في السنوات الماضية، قد لا يستمر في حصاده في سنوات مقبلة، لأن دولاب العهود المتغيرة يجعل حكماً القواعد الشعبية متفلّتة من كل ولاء نهائي. إضافة الى أن تركيبة الأمنيين ورجال القضاء والمصرفيين وكل من يدور في فلك الطبقة السياسية، تجعل من السهل نقل البارودة من كتف الى آخر، وبين يوم وآخر.
لكن الامتحان الأصعب يكمن في تركيبة التيار. معارك التيار الداخلية في الانتخابات النيابية عكست واحداً من مظاهر الصراعات التي انكشفت الى الملأ من دون أيّ رادع، حتى مع وجود مظلّة عون. لكن مشهد التيار سيتبدّل حكماً، لأن العونية التي عاشت سنوات منذ التسعينيات أمر مختلف تماماً عن الباسيلية. هناك نواب وقيادات عونية تنتظر اللحظة المناسبة في 31 تشرين الأول لغايات بعيدة عن غايات الآخرين، وهناك كذلك تصفية حسابات داخلية وعائلية وكثير من المطبّات على الطريق بعد سقوط مظلّة رئاسة الجمهورية.
في موازاة كل ذلك، وهو ما يدركه باسيل وعلى أساسه يواصل عناده حول التسويات المطروحة، لا يزال أداء التيار على الإيقاع ذاته. فالثقة بأن الحزب باقٍ مهما تغيّرت المعادلات، في محلها، والتيار سيبقى بعد خروج عون من بعبدا مع كتلة مسيحية وإن نقصت على الطريق. لكنّ التحدّي يكمن في ما سيكون عليه التيار بعد 31 تشرين الأول، ومدى قدرة قيادته على اجتياز امتحان نهاية العهد.
هيام القصيفي - الأخبار