تفاعلت سياسياً وقضائياً حادثة مداهمة المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، مقرّ مصرف لبنان في منطقة الحمراء في قلب بيروت، أول من أمس (الثلاثاء)، ومحاولتها توقيف حاكم البنك المركزي رياض سلامة، تنفيذاً لمذكرة الإحضار التي أصدرتها بحقّة قبل أسابيع. ويبدو أن المداهمة التي أحدثت بلبلة كبيرة في القطاع المصرفي وأدت إلى إضراب موظفي البنك المركزي لن تمرّ من دون مساءلة، إذ نظّم المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش، تقريراً مفصلاً بوقائع المداهمة والمخالفات التي انطوت عليها، وسيرفعه إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
وتترقب الأوساط القانونية والقضائية الخطوة التي ستلجأ إليها المَراجع المعنيّة في أروقة قصر العدل في بيروت، وأكد مصدر قضائي بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن عويدات «سيدرس تقرير القاضي حاموش ويحدد ما إذا كان سيتخذ من تلقاء نفسه إجراء بحق القاضية عون بصفته رئيسها المباشر، أو أن يحيل الأمر إلى مجلس القضاء الأعلى، لإطلاعه على وقائع ما حصل، لجهة تخطّي القاضية المذكورة دورها وسلطتها، وتنفيذ مداهمات بمنطقة بيروت الواقعة خارج صلاحياتها، وخطورة مداهمة مؤسسة تابعة للدولة بأهمية مصرف لبنان ورمزيته».
وفيما تُجمع المَراجع القانونية والقضائية على أن القاضية المحسوبة على رئيس الجمهورية تجاوزت صلاحياتها، رأى المصدر القضائي أن غادة عون «ارتكبت خطيئة تستوجب محاسبتها، إذ لا يُعقل للدولة أن تداهم مؤسساتها وتضعها في موضع الاتهام». وكشف أن «الضابط الذي يرأس القوة التابعة لأمن الدولة، وصل إلى أمام مصرف لبنان (قبل ظهر الثلاثاء) بناءً على إشارة المدعية العامة في جبل لبنان، واتصل بالقاضي رجا حاموش، وأبلغه أنه بصدد تنفيذ مداهمة للمصرف المركزي تنفيذاً لمذكرة القاضية عون، فأجابه (حاموش) بأنه لا يمكنه مداهمة البنك المركزي، لكن بإمكانه إحضار رتيب تحقيق والدخول معه وتدوين محضر إذا حصل تبليغ للحاكم أم لا».
وأشار المصدر إلى أنه «بعد دقائق اتصلت القاضية عون بالمحامي العام في بيروت رجا حاموش، وأعلمته أنها وصلت إلى أمام مصرف لبنان وأنها بصدد تنفيذ مداهمة لمكتب رياض سلامة، فردّ عليها حاموش مذكّراً إياها بأنها ليست رجل أمن لتنفّذ المداهمة، وأوضح لها أنه سمح للضابط بتنفيذ مهمّة محددة مع رتيب التحقيق وتدوين محضر بما يحصل معهما، ولا يُسمح لها بالدخول إلى حرم المصرف بأي حال من الأحوال، لأن ذلك يخضع لأصول قانونية وإجرائية لا بدّ من توافرها».
وفي إطار المتابعة الدقيقة لمهمّة القوّة التابعة لأمن الدولة، أوضح المصدر القضائي أن القاضي حاموش «اتصل بعد نصف ساعة تقريباً بالضابط في أمن الدولة، وسأله عمّا إذا أنجز مهمته، فأبلغه الضابط بأن القاضية عون دخلت إلى المصرف وهي موجودة حالياً في نفس الطابق الذي يقع فيه مكتب الحاكم، وتريد فتح تحقيق مع جميع الموظفين الموجودين في الطابق، وتفتيش المكاتب والخزنات»، وهنا عمدت القاضية عون إلى سحب الهاتف من يد الضابط، وفتحت مكبّر الصوت، وتحدثت مع القاضي حاموش قائلة له: «لقد أعلمتك بأني سأدخل إلى المصرف المركزي وأريد منك الحضور حالاً لتساعدني بالتحقيق والقبض على رياض سلامة»، هنا حذّرها القاضي حاموش بأنها تخالف القانون وتعتدي على صلاحيات النيابة العامة في بيروت، وسألها: «هل تقبلين بأن أنفّذ مهمّة معينة في جبل لبنان»؟ ودعاها إلى مغادرة مصرف لبنان فوراً، وإلّا ستتحمّل مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور، «وإذا لم تعجبك إشارتي يمكنك أن تراجعي النائب العام التمييزي وتأخذي موافقته». ولفت المصدر إلى أن القاضي حاموش «اتصل بالضابط وأمره بالخروج فوراً من مصرف لبنان، فامتثل لأمره وغادر على الفور تاركاً القاضية عون التي عادت وغادرت بمفردها».
وتشير المعلومات إلى أن نتائج هذه المداهمة ستترك أثراً سلبياً لأيام عدة، خصوصاً أن الإضراب الذي أعلنته نقابة العاملين في مصرف لبنان لمدة ثلاثة أيام، بدأت آثاره السلبية بالظهور، عبر توقف العمل على منصة «صيرفة»، ووقف المقاصّة بين مصرف لبنان والمصارف التجارية، وهو ما سيؤدي حتماً إلى ارتفاع كبير بسعر صرف الدولار في السوق السوداء.
يوسف دياب - الشرق الأوسط