"جرافة، وقبة مهدمة، وركام بين المقابر" هذا ما تضمنته الصور التي أثارت سخطاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، إثر هدم السلطات مدفناً تاريخياً يعود لمستولدة محمد علي باشا، في إحدى المقابر التاريخية وسط القاهرة القديمة.
بات هذا المشهد متكرراً من آن لآخر في مصر خلال الأعوام الأخيرة، حيث توسع مصر شبكة الطرق التي تصل بين وسط القاهرة ومصر القديمة، والأحياء الجديدة في شرق القاهرة.
في إطار هذه الخطة، أعلنت محافظة القاهرة قبل ثلاثة أعوام نيتها إزالة نحو 2700 مقبرة بالمنطقة، وبدأت بإزالة بعضها، وهو ما أفزع أهالي الموتى المدفونين هناك، وأثار اعتراضات مهتمين بالتراث.
منذ ذلك الحين، هُدمت عشرات المقابر، واضطرت مئات الأسر لنقل رفات ذويهم لمدافن جديدة في مناطق صحراوية على أطراف القاهرة.
التاريخ يهدم
يعود المدفن والقبة المهدومين لمستولدة محمد علي باشا، أي التي أنجبت منه ولداً، وهو محمد حليم باشا، الابن الثاني لمحمد علي، ووريث عرشه قبل أن يتغير نظام الميراث.
"اليوم كان من أصعب الأيام في حياتي وأنا أصور القبة لمدة 5 ساعات أثناء هدمها". هكذا كتب محمد عبدالملك، المصور الذي التقط صورة هدم القبة. يقول عبر حسابه على فيس بوك إنه كان يفكر ما هي القباب التي ستهدم لاحقاً.
وتضم المنطقة رفات المئات من رموز مصر خلال القرنين الأخيرين، مثل أسرة محمد علي باشا، والذي يُعرف بكونه مؤسس مصر الحديثة.
ووفقاً لعبد الملك، الذي ينشر بشكل منتظم عن أخبار مدافن منطقة الإمام الشافعي، لم تكن هذه هي القبة الوحيدة التي أزيلت الشهر الحالي.
طرق جديدة
خلال الأشهر الأخيرة، حلت طرق جديدة مكان بعض المقابر التي أزيلت في المنطقة.
أحدها يمر فوق قبر الكاتب الكبير طه حسين، بعد أن تراجعت الحكومة عن هدمه بعد تهديد أسرته بنقل رفاته إلى فرنسا.
منذ الإعلان عن خطة بناء الطرق الجديدة في المنطقة، يلف الغموض مسار الطريق الجديد، والمقابر التي ربما تهدم لبنائه، وهو ما ينتقده كثر من المهتمين بتراث المنطقة.
كما يتخوفون من أن تكون الإجراءات مقدمة لنقل كل المدافن من قلب القاهرة إلى مناطق صحراوية.
وتعارض منظمة اليونيسكو وبعض المهتمين بالتراث هذا المشروع، ولطالما طالبت المنظمة السلطات المصرية بتوضيح خططها بشأن المنطقة.
قبل نحو 40 عاماً، سجلت اليونسكو القاهرة التاريخية، وفي قلبها منطقة المدافن، المعروفة باسم "مدينة الموتى"، على قائمة التراث العالمي.
وفي السنوات الأخيرة، كررت اليونيسكو شكواها من الإهمال الذي تتعرض له المنطقة، وهددت بشطبها من قائمة التراث العالمي، ونقلها لقائمة التراث المعرض للخطر.
من جانبها تقول السلطات إن بناء الطرق أمر لا مفر منه لتنمية العاصمة، التي تختنق بسبب الكثافة السكانية.
"القباب غير مسجلة في قوائم الآثار"
في كل مرة يهدم فيها أحد قبور المنطقة، يكرر مسؤولون حكوميون أن المقابر ليس مسجلة على قوائم الآثار.
آخر هذه التعليقات جاء الأربعاء على لسان الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، في تصريحات لصحف مصرية، الذي قال إن المباني التاريخية التي مر على بنائها أكثر من مئة عام، تسجل كمبانٍ أثرية وفقاً قانون رقم 117 لعام 1983. لكن هذه القبة ليست مسجلة على القوائم وفقاً لشاكر.
يعود تاريخ القبة للنصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي نحو 150 عاماً، وهو ما جدد النقاش حول سبب عدم تسجيل هذه القباب على قوائم الآثار حتى الآن.
بشكل عام، بدأ بناء هذه المنطقة منذ مئات السنين، عقب الفتح الإسلامي لمصر. وتضم القرافة مقابر الإمام الشافعي صاحب المذهب الفقهي الإسلامي المعروف، وغيره من فقهاء الدين الإسلامي وصحابة النبي محمد.
ويمكن للسائر في مدينة الموتى أن يلاحظ القباب التي تعلو كثيراً من المقابر، والزخارف الإسلامية التي نُقشت على أسوارها، والعبارات التي كتبها خطاطو العصور السابقة على أبوابها.
طلب إحاطة في البرلمان
بعد الانتقادات الواسعة التي أثيرت على مواقع التواصل، قال النائب البرلماني عبد المنعم إمام إنه تقدم بطلب إحاطة عبر مجلس النواب لوزيري السياحة والآثار، والتنمية المحلية بشأن هدم القبة.
واعتبر إمام "هذا التصرف يمثل تهديدًا للمواقع الأثرية والتراثية" التي تشكل جزءًا مهمًا من الهوية المصرية.
وتسائل إمام في طلبه الذي وجهه لرئيس مجلس النواب عن المسؤول عن قرار الهدم وما تم من إجراءات لمحاسبته وفقاً للقانون، وحول مدى التنسيق بين الجهات المعنية بحماية التراث قبل هدم هذه المقابر.
ولم يكن هذا طلب الإحاطة الأول الذي تم تقديمه للبرلمان حول الأمر، لكن أيا منها لم يطرح للنقاش داخل أروقة البرلمان.