هكذا يُقتل مرضى السّرطان في دولتنا...

السلام لروحك أيتها الجميلة فوزية فياض. مضت أشهر على رحيلك ولا يزال وجهك يشعّ وروحك الحلوة ترافقنا. ما زلت الشابة التي أبت أن تستسلم حتى آخر رمق أمام تخاذل «دولة» بلا قلب ولا شرف. فوزية فياض فلنُخبركِ عن حال رفاقكِ مرضى السرطان الذين ما زالوا يتمسكون بآخر نفس. فلنخبرك عن علياء ومايا وربى وعلي وجوزف ووائل ومحمد وأندريه وأليسار وألكسي وكل الذين يناضلون في مزرعة خلناها وطناً فأخطأنا. نعتذر منك فوزية أو فوفو كما كان يحلو لمحبيك مناداتك. فكثيرون وكثيرات ما زالوا يعانون بلا حتى إبرة مورفين تُخفف عنهم آلامهم. نعرف أنك في مكانٍ أجمل لا مرض فيه ولا وجع لكننا سنُخبرك عن لبنانيين ولبنانيات يعانون الأمرّين في دولة صماء بكماء عمياء.

الطيبون يذهبون بسرعة، فجأة، بلا وداع، ويبقى الأموات - الأحياء يعانون. أنظروا الى وجوههم. أنظروا الى من يخسرون يومياً أحباء ويحاولون أن يكملوا مسيرة العمر متألمين. اللبنانيون باتوا كما الـ «روبو» يتألمون ويمشون منهكين في جلجلة البحث عن أساسيّات العمر. والأدوية - التي هي من أساس الاساسيات - مفقودة. فماذا قد تظن الدولة العاجزة اللامبالية نفسها فاعلة مع كل هؤلاء؟ يا «عيب الشوم عليها».

أدوية السرطان والامراض التي تشبه السرطان بشراستها غير متوافرة. فهل فكّرت «دولتنا» بما قد يشعر به المرضى وأهالي وأحباء المرضى الذين يتلوون في القرن الواحد والعشرين بلا علاج؟ أين وزير الصحة فراس أبيض؟ هل سيرعى في «أكتوبر» إحتفالاً زهري اللون ويخبرنا شعراً ونثراً؟ هو غرّد في ايلول 2021: «تحمّل المسؤوليات وقت الأزمات واجب تجاه الوطن والمجتمع، وهي أمانة يُسأل عنها أحدنا دنيا وآخرة. الصحة حقّ، والناس يهمهم ما سيفعله المرء لحلّ مشاكلهم». فراس ابيض يحاول؟ هو لم يفعل بعد شيئاً. ولا يختلف اثنان على ذلك. ليس ذنبه؟ هو وزير الصحة وهذا يكفي.

إتصلنا به لسؤاله. يُشهد لفراس أبيض أنه يجيب دائما على هاتفه الخليوي لكن هل لديه أجوبة تشفي غليل السائل والمريض والموجوع ومن بينه وبين الموت جرعة دواء؟ يجيب: «بدأنا في المرحلة التجريبية من أجل ضبط الأدوية وتعقبها». لكن معاليك، هناك مرضى لا يمكنهم إنتظار مرحلة تجريبية وأخذ وردّ وبيانات ووعود؟ يقاطع بالقول: «نوال... نوال... الأموال التي يعطوننا إياها غير كافية وهذا ما أردده دائماً. فإذا لم يرفعوا قيمة الأموال التي تردنا سيصعب تأمين الدواء. كانت الوزارة تحصل على 140 مليوناً لشراء الأدوية الآن نحصل على 25 مليوناً وتريدين ألا نشعر بالفارق؟». ويستطرد: «من كم يوم، يوم الخميس الماضي بالتحديد، حققنا «شغلتين»: حصلنا على وعد من دولة الرئيس نجيب ميقاتي بزيادة خمسة ملايين دولار لشراء أدوية أمراض السرطان والأمراض المستعصية. وهذا ما سيُمكننا مع إنجاز سياسة تتبع مسار الدواء من تخفيف العبء كثيراً عن كاهل الناس».

ودائع الأحزاب والدواء المفقود

هل نفهم من كلام وزير الصحة أنه متفائل؟ يجيب: «لا حلول بلا تمويل. والمفروض إعادة النظر في السياسات الصحية التي كانت متبعة في علاجات الأمراض السرطانية». وهل سرقة الأدوية من «بيت أبيها» للوزارة سببها السياسات الصحية القديمة؟ يجيب: «أصدرتُ بياناً في الموضوع وشكلتُ لجنة للتدقيق بالمعلومات حول فقدان أدوية سرطانية من مستودعات وزارة الصحة العامة. والوزارة تأخذ الموضوع بجديّة كبيرة».

يبدو ان تحقيقاً آخر أضيف الى ملفات التحقيقات الكثيرة في جرائم يراهن فاعلوها على ذاكرة اللبنانيين القصيرة. في كل حال، هاني نصار رئيس جمعية بربارة نصار لدعم مرضى السرطان، كان أوّل من رفع صوت من يقفون خائبين عند حفافي وزارة الصحة والمؤسسات الضامنة، اللاهثين وراء دواء، معلناً في الفترة الأخيرة عن فقدان أدوية وصلت حديثاً من منظمات إنسانية، متحدثاً عن ودائع الأحزاب في وزارة الصحة. فمن هي تلك الأحزاب التي لديها ودائع هناك؟ ولماذا لم يسمِ تلك الأحزاب بالإسم؟ يجيب المناضل هاني نصار: «لا يُخفى على أحد من يُمسك الأمر والنهي في الوزارة. وكل من ينزل الى الكرنتينا يعرف أن هناك أشخاص VIP وآخرين VVIP وهناك من يدقّ على الهاتف قائلا: «مرقوا هول». والكوتا التي تأخذها بعض الأحزاب معروفة منذ زمن. لذا لا ضرورة لأسمي ولكنني أقول وبالفم الملآن: «خلص بقا العالم تموت والأدوية يتم تهريبها». والتحقيق الذي ستجريه وزارة الصحة هو على أربعة أدوية هي: obdivo و Tecentrip و Ibrance و Xtandi وهناك عشرات الأدوية الأخرى التي يطالها التهريب، هناك 455 دواء مسجلاً للسرطان وعشرة أدوية فقط تصنع في لبنان وموادها الأولية تأتي من الخارج. وبالتالي لا إمكانية أبداً للقول أننا سنعتمد على الأدوية المصنّعة محلياً. لا إمكانية لتصنيع الأدوية السرطانية بتاتاً في لبنان إلا الأدوية القديمة. كل الأدوية الجديدة الثوروية في عالم العلاجات غير ممكن تصنيعها محلياً. حين نسمع من يقول سنعتمد على الأدوية العلاجية المصنعة محلياً أو الرخيصة وكأنه يقول أحكم على مرضى السرطان بالموت».

آليات التتبّع

نسأل وزير الصحة السابق غسان حاصباني عن معلوماته عن الادوية المفقودة في مستودع الكرنتينا وعن كلام هاني نصار عن دور الأحزاب في اختفائها وعن خطة وزير الصحة الحالي في تتبع كل دواء سيصل الى لبنان فيجيب: «فليسمِ الأحزاب التي تقوم بنهب الأدوية» ويستطرد: «هناك جماعات وكومبينات وأسماء وهمية. هناك شبكة تنشط في الموضوع على حساب صحة مريض السرطان. وأنا، يوم كنت وزيراً للصحة العام 2018، وضعت خطة تتبع مثل التي يتحدث عنها وزير الصحة الحالي. أنشأناها ووضعنا الآلية والباركود وأجرينا تجربة على ذلك. وبعدما غادرت توقف العمل بالوتيرة التي وضعتها. وأتمنى من كل قلبي أن يقترن الكلام اليوم بالفعل لأنه مضى خمسة أعوام ولم تنفذ. يجب أن يبدأ العمل بها سريعاً ويضغط الوزير في هذا الإتجاه كونها لم تكن أولوية عند بعض الوزراء وهي قد تحارب التهريب «يميناً وشمالاً». نحن ناقشنا الموضوع في لجنة الصحة البرلمانية لضبط الموضوع ووضع الآليات التي أطلقناها موضع التنفيذ. الآن يقول الوزير أبيض إنه سيعمل على إحياء الآلية والمسألة بحاجة الى تنفيذ سريع مع العلم أنها ليست الحلّ الوحيد بل يجب أن تترافق مع تأمين الدواء والسعر المناسب. ولا عقبات تعترضها إذا كانت النية موجودة».

يعطي غسان حاصباني أرقاماً: «كان هناك 25 ألف مريض سرطان وأمراض مستعصية أخرى يحصلون على أدويتهم من وزارة الصحة. وعدد مرضى السرطان كان 18 ألفاً ووزارة الصحة بحاجة الى خمسين مليون دولار لتامين الدواء الى هؤلاء».

المريض لا ينتظر

نعود الى هاني نصار. ماذا عن الارقام التي في حوزته؟ يجيب: «ظهر في آخر إحصاء ان هناك 12 ألف حالة سرطانية جديدة سنوياً في لبنان. وتبين في 2020 أن 29 ألف حالة تعالج وبتقديري الرقم أكبر، لأن معالجة مريض السرطان بحاجة الى أكثر من عام. وإذا سلمنا أن الحالات الجديدة سنويا هي 12 ألفاً فهذا معناه أن هناك الآن ما لا يقل عن 36 ألف مريض في لبنان هذا إذا شفي من شفي في عامين».

هل خطة تتبع الدواءالموعودة ستفيد؟ هل ستزيل بعض العبء عن كاهل مرضى السرطان؟ يجيب نصار: «وزير الصحة فراس أبيض يطالب لكن البطء في إنجاز المعاملات يؤثر سلباً. كلهم يعملون slow motion في حين أن مريض السرطان لا ينتظر. البارحة رفع أحدهم رشاشا في وجه مدير مصرف ليعالج على ما قال والده وأتوقع أن يفعل العشرات من أهالي مرضى السرطان ذلك. أحد هؤلاء الذين يتألمون لمصاب والدته بالسرطان وأصله من طرابلس قال لي البارحة: كلما رأيت والدتي تتألم أصعد الى سطح المبنى وأبدأ بإطلاق الرصاص في الهواء. أكاد أجن. لا تتخيلي الظروف التي يعيش فيها ذلك الشاب وغيره كثيرون. وزير الصحة وعدنا أن خطة التتبع ستنطلق في أول أسبوعين من أيلول. ننتظر. هو قال إنه سيبدأ العمل في ستة مستشفيات وتسعة أدوية في البداية كاختبار أوّل. ثم يعمم العمل بالخطة في سائر المستشفيات التي عليها أن تدخل في الـ»سيستام». ويستطرد نصار هنا قائلا: «سألتُ وزير الصحة ماذا إذا أتى بعدك وزير وأوقف العمل بهذه الخطة وعاد لاعتماد الخطة التقليدية؟ لذا عملنا الآن يجب أن يكون في مجلس النواب لحثّه على إقرار قانون يمنع العمل إلا بهذه الخطة. هذا القانون هو الأهم اليوم. ويجب أن يقرّ حتى نحفظ حقوق مرضى السرطان».

ماذا عن توقعاته حول التحقيق في الأدوية المفقودة من مستودعات الكرنتينا؟ يجيب نصار: «سأخبركم عن النتيجة منذ الآن: سيقال أنه في وقت إضراب الموظفين «سيسرنا» أمور بعض المرضى وأصدرنا إستثناءات والكمية ما كانت كبيرة ونقطة على السطر. هذه هي الطريقة التي سيجيبون عليها عن نهب الأدوية. ونحن، لسنا مضطرين لأن نرى مرضانا يموتون لاستهتار في التعامل». ويستطرد: «هناك أدوية وصلت تكفي مرضى السرطان مدة شهرين على الأقل لكن ما حصل أن المريض الذي أخذ أول علبة عاد ليأخذ الثانية فقيل له: لا يوجد. ومستوردو الأدوية يقولون هذا الدواء وذاك: out of stock. والسبب وجود وصفات مزورة كثيرة. وهناك من يبيع الأدوية في السوق السوداء. هناك دواء موجود في السوق السوداء بألف دولار في حين أن قيمته في الوزارة أربعة ملايين و500 ألف ليرة أي 150 دولاراً. يا عمي يا ناس كل مرضانا باتوا في الدرجة الرابعة من مراحل السرطان بسبب عدم أخذهم الدواء. وتطبيق المكننة وخطة التتبع هي آخر رهان في الموضوع. فإذا لم تطبق على الآلاف السلام».

وزير الصحة «يعمل»؟ سنسلّم جدلاً. آليات التتبع موجودة قائمة منذ العام 2018 أيام وزير الصحة آنذاك غسان حاصباني. والأمر لن يحتاج إلا الى كبسة زر إلا إذا كانت مافيات التهريب أكبر. أيلول على الأبواب. مرضى السرطان في مراحلهم الأخيرة. واللبنانيون الذين يصمدون في العتمة وبلا خبز ولا دواء ولا مياه قد يصمدون بعد لكن هؤلاء، مرضى السرطان، لن يفعلوا. وحينها سيصحّ من جديد وصف الدولة الموجودة بالقاتلة! وحينها من «يفش خلقه» في إطلاق الرصاص على سطح منزله غضباً سيوجه رشاشه في اتجاه آخر. فهل من يسمع؟ هل من يتعامل بجدية مع مسألة حياة أو موت؟

نوال نصر - نداء الوطن

يقرأون الآن