عربي

من هو العربي بن مهيدي الذي اعترفت فرنسا بقتله؟

من هو العربي بن مهيدي الذي اعترفت فرنسا بقتله؟

ارتبطت ابتسامته الساخرة لجلاديه قبل قتله بمعنى النضال والتضحية من أجل الوطن، فأضحى أيقونة في الكفاح وبطلا أعطى درسا في البسالة والكاريزما التي أرعبت المستعمر، هو البطل الجزائري الشهيد العربي بن مهيدي الذي رد على جلاديه الذين تفننوا في تعذيبه كي ينتزعوا منه أسرار الثورة التحريرية الجزائرية بصمت مطبق وابتسامة ساخرة، فشنقوه ثم أعلنوا أنه انتحر، فظل شبحه يلاحقهم إلى أن أجبرهم على الاعتراف.

فقد اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، بأن القيادي في جبهة التحرير الوطني التي قادت حرب التحرير في الجزائر العربي بن مهيدي "قتله عسكريون فرنسيون"، وذلك بمناسبة الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية.

وأعلن قصر الإليزيه في بيان أن رئيس الجمهورية "يعترف اليوم بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر وأحد قادة جبهة التحرير الوطني الستة الذين أطلقوا ثورة الأول من نوفمبر 1954، قتله عسكريون فرنسيون كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوساريس".

وكانت الرواية الفرنسية تقول، منذ عقود، إن "حكيم الثورة" انتحر في زنزانته، رغم أن السفاح أوساريس، الآمر بالجريمة، اعترف في مذكراته التي أثارت جدلا واسعا، بداية الألفية الماضية، بقتله العربي بن مهيدي.

واحتفلت الجزائر، الجمعة، بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير.

وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن "هذه المناسبة الوطنية الخالدة الزاخرة بكل آيات المجد والعز والفخر، تبقى نفحاتها الطيبة تثبت أن الجزائر التي انتصرت بالأمس على الاستعمار تواصل بكل ثقة درب انتصاراتها".

وتوجه تبون، أثناء حضوره استعراضا عسكريا بهذه المناسبة، بالتهاني إلى الشعب الجزائري، وقال: "بمناسبة هذا اليوم المجيد حرصنا أشد الحرص على أن يكون الاستعراض العسكري في مستوى أبعاد ورمزية الذكرى السبعين، وفي مستوى تضحيات صانعيها".

من هو العربي بن مهيدي؟

يعد العربي بن مهيدي أحد قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية المؤسسين الكبار، وُلد في عام 1923، وقتل شنقا في 4 مارس عام 1957، وهو لم يتجاوز من العمر الرابعة والثلاثين.

قُدرة الإنسان على التحمل محدودة ولكنها نسبية، وأحيانا تصبح مذهلة وأسطورية، وهذا ما حدث مع العربي بن مهيدي الذي بلغ به إيمانه بقضية بلاده العادلة أن يبتسم فيما كان الجلادون ينتزعون أظافره وأسنانه بل ويسلخون جلده.

لم يفرط بن مهيدي في حياته ولم يتخل عنها بلا سبب. كان موته تضحية كبرى من أجل مثل عليا آمن بها. اختار الموت من أجل الآخرين، من أجل من قادهم إلى المعارك مع المحتلين الفرنسيين كي يعيش أهلهم وأحفادهم فيما بعد أحرارا في بلادهم المستقلة.

هذا البطل كان يحب الحياة، شغوفا بكرة القدم ويهوى المسرح والتمثيل، وكان عطوفا وحنونا ورقيقا مثل الموشحات الأندلسية التي كان يعشقها.

كان أيضا في نفس الوقت متدينا لا يتأخر عن أداء الفروض الدينية، ولا هم له إلا التفكير في مصير بلاده. لم تكن للعربي بن مهيدي قضية شخصية مع المستعمرين الفرنسيين، كان يحمل قضية شعب بأكمله، وكانت روحه دائما على كفيه وهو يتقدم الصفوف ويبدع في التنظيم وينفخ في نار الثورة، يرهق المستعمرين في نهارهم ويؤرقهم في ليلهم.

كان العربي بن مهيدي يمشي على قدميه، وتمتد جذوره في أعماق التاريخ. كان يعرف جيدا أن الاستعمار الفرنسي إلى زوال مهما طال الزمن، وأن 132 عاما من الهيمنة الاستعمارية الفرنسية لن تغير هوية الجزائر ولن تنتزعها من منابتها.

بن مهيدي كان يعرف جيدا الطريق إلى الحرية، وقد صاغها في عبارة شهيرة تقول: "ألقوا بالثورة للشارع يحتضنها الشعب".

ظل شبح العربي بن مهيدي يطارد طويلا الجنرال الفرنسي بول أوساريس، وقد روى في كتاب صدر عام 2001 ما حدث، وكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل استشهاد بن مهيدي، ثم ردد ذلك في مقابلة مع صحيفة "لوموند" في 6 اذار/ مارس عام 2007.

بدأت جريمة الاغتيال باعتقال قوة من المظليين الفرنسيين للعربي بن مهيدي في منتصف فبراير عام 1957. ويبدو أن العقيد في ذلك الوقت مارسيل بيجيرد فضل في 3 أذار/ مارس من نفس العام أن تبقى يداه نظيفتين فسلم الضحية إلى الجنرال بول أوساريس، المكلف بالمهمات القذرة.

بعد تعذيبه بوحشية، وضع العربي بن مهيدي معصوب العينين ليلة 3 – 4 مارس 1957 في سيارة جيب انطلقت بسرعة عالية إلى مزرعة مهجورة يملكها مستوطن فرنسي متطرف بالقرب من العاصمة الجزائر.

نفذ عملية الإعدام شنقا الجنرال وخمسة آخرون، وضع على الكرسي وتدلى مرتين. في المرة الأولى انقطع الحبل، كما لو أنه يغيظ جلاديه حتى وهو يلفظ أنفاسه. في المرة الثانية همد الجسد، وانتقلت الروح إلى بارئها.

بعد الانتهاء من العملية القذرة، أعاد الجلاد الفرنسي جسد الضحية إلى الزنزانة ورتب الأمر كي يبدو أن بن مهيدي شنق نفسه هناك.

ظريفة بن مهيدي شقيقة الشهيد العربي بن مهيدي كانت أعلنت في مقابلة مع قناة "فرانس 24" في 17 أذار/ مارس عام 2021، أن الجنرال الفرنسي مارسيل بيجيرد الذي تولى عملية اعتقال بن مهيدي، قد اعترف لها بأن "فرنسا هي من قتلت العربي بن مهيدي"، وأنه لم ينتحر كما زُعم في الرواية الرسمية.

شقيقة العربي بن مهيدي دعت في تلك المناسبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الاعتراف باغتيال العربي بن مهيدي، مشددة في هذا السياق على أن اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية هو وحده الذي سيجعل من الممكن طي صفحة الحرب المؤلمة.

شقيقة الشهيد أكدت في نفس الوقت أنها ترفض الأسف الذي أعرب عنه الجنرال مارسيل بيجيرد، وأن الجنرال بول أوساريس الذي اعترف علنا بشنقه بن مهيدي لا يمكن مسامحته على ما فعل.

سلسلة اعترافات

وكان إيمانويل ماكرون قدم في 13 أيلول/ سبتمبر 2018، اعترافا يخص اختطاف وقتل، تحت التعذيب، الناشط الفرنسي اليساري من أجل استقلال الجزائر، موريس أودان عام 1957.

وفي 3 مارس 2021، قدم اعترافا بمسؤولية الجيش الاستعماري الفرنسي عن تعذيب وقتل المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل عام 1957، في حين كانت الرواية الفرنسية السائدة منذ عشرات السنين، هي أن بومنجل "مات بعد أن قفز من طابق مرتفع"، حيث كان البوليس الفرنسي يستجوبه في مكاتبه بالعاصمة.

وضمن سلسلة "الاعترافات"، ندد ماكرون في 16 تشرين الأول/ أكتوبر2021 بالقمع الدموي لمظاهرات 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1961، ووصفها بأنها "جريمة لا تُغتفر بالنسبة للجمهورية".

وصرّح بن جامان ستورا، رئيس فريق المؤرخين الفرنسيين الخمسة، لمجلة "لوبوان" الأسبوعية، نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، بأنه سأل ماكرون، خلال اجتماع له بأعضاء الفريق، يوم 19 سبتمبر، إن كان لديه استعداد للاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اغتيال العربي بن مهيدي.

ونُقل عن الرئيس قوله: "سنرى كيف سنتقدم".

وقال الباحث في التاريخ، المولود بالجزائر لعائلة يهودية: "لم يقل لا، وشعوري هو أنه ينتظر اللحظة المناسبة ليقدم على ذلك.. شعرت أن الرئيس كان مصمما للغاية، بغض النظر عن رد فعل الجزائريين".

يقرأون الآن