«جيب قطع السيارة، وتعا»، هذه نصيحة المعلم الميكانيكي في كل من المدينة الصناعية في جسر الباشا، الزوق، ووادي حنتوش (جونية). لكن لمَ هذه النصيحة؟ فما الذي يجري في الكاراجات، وما هي معاناة المواطن مع تصليح السيارات؟
لتصليح سيارته يحاول أحد الزبائن تجميع خمسين دولاراً، وهي ثمن قطعة صغيرة في سيارته، منذ 7 اشهر وهو على دراية بالعطل، وان لم يصلحه ستبقى تكلفة البنزين على ارتفاعها، لان هذه القطعة تدوزن المصروف. جميل، وهو اسم هذا الزبون، تنقّل بين عدة كاراجات، فصل القطعة، واختار النوعية الأرخص. هذه ليست القصة الوحيدة في المدن الصناعية، فهناك عشرات مثل هذا الزبون غير القادرين عن الاستغناء عن سياراتهم، ويتأثرون بـ»دولرة» قطع الغيار، حتى بات الموظف يطلب سلفة على الراتب لتصليح السيارة.
ما أحوال الكاراجات؟
يعترف داني (صاحب كاراج في منطقة يسوع الملك) ان العمل تغيرت وتيرته، فلم يعد هناك «فائض»، لا عبر بيع قطع السيارات ولا عبر التصليحات، فقد يمر أسبوع دون أي ضربة (أي تصليحة). حتى ان هناك زبائن على حد وصفه، يفضلون هم تأمين أغراض السيارة، ونحن فقط نعيد وصلها، لاعتقاد الزبون بذلك انه فقط سيدفع «اجرة يد» العامل، ويفاوض على العشرة دولارات التي تعادل 300 الف ليرة. يطلب بعض الزبائن القطع القديمة، التي فككناها على حد تعبيره، لبيعها بالحديد الكسر، فيعوض بعضاً مما دفعه. داني، خفف عدد الموظفين لديه لتأمين مصروف محله الا ان طوني (جسر الباشا) سرح الجميع واكتفى هو بعملية التصليح للتوفير، وان استمر الوضع كما هو عليه سيقفل.
قلة التصليح وزيارات الزبائن تعتمد على الدولار، حتى ان العمال يتناقلون خبريات انخفاض أسعار الرانج وكل أنواع السيارات التي تستهلك بنزيناً، ليصل سعر الواحدة الى الخمسة آلاف دولار، وهو رقم صادم نسبة الى عام تصنيعها.
هكذا تغير كل شيء على ريان (عامل في كاراج في جسر الباشا) فالعمل تغيرت وتيرته، فلم يعد هناك «فائض»، لا عبر بيع قطع السيارات ولا عبر التصليحات، اذ اقل قطعة سعرها 30 دولاراً فيأتي جواب الزبون «ما معي». ومع وتيرة العمل المنخفضة أي سيارة يومياً انخفض الراتب، فالذي كان يتقاضى 300 دولار من العمال، اليوم لا يصل راتبه الى المئة. ويسرد حبيب كيف تقلص عدد زملائه في الكاراج، ينام الرجل في المحل نفسه مع زميله فلا قدرة مادية لديه ليذهب يومياً لا الى عكار، ولا الى أي مكان آخر، فحتى لا رفاهية لديه ليشتري سندويشاً الا بـ 35 الف ليرة، وأحيانًأ ينتظر طبخة الوالدة التي ترسلها مع جيران يحملون نمط حياة التضحية، اي الذين «يقطنون» في كاراجات تقفل أبوابها عليهم، عند نهاية الدوام خوفًا من سرقة السيارات.
مع نمط العمل البطيء، اصبح الخريجون الجدد يكتسبون خبرة من شركات السيارات الكبرى، وبعدها ينتقلون الى افتتاح «كاراجات» صغيرة، آخذين معهم زبائن الشركات بأسعار أقل، مع قطع غيار اما مستعملة او تقليد. هذا هو المنفذ الوحيد للذين يدرسون أي تخصص قريب من تصليح السيارات والذي يدرس في المعاهد لا الجامعات. كـ إيلي الذي عمل في شركة مرسيدس والذي يصف نفسه بـ»محب» المخاطرة، متكلًا على استقدام «جديد» من أساليب التصليح. يخبر قصصاً وروايات وكيف انه لم يعد في السوق أي قطعة غيار اصلية.
وبين كل هذه المصاعب وحده فريد حجيلي (ميكانيكي) من سكان صربا ويتخذ من الشارع «كاراجاً» له، صامد على الرغم من عمره المتقدم. إستاجر منذ زمن كاراجاً في وادي حنتوش (جونية)، وهو فعلا يشبه الوادي، يفصل بين شقيه نفق، آخره سلسلة محلات لتصليح السيارات والموتوسيكلات. ولأنه مريض ربو، والروائح هناك تؤلمه، انتقل الى تصليح السيارات قرب منزله في صربا. هنا يتجمهر يوميا من يريد ان يصلح سيارته، تسأل الزبون لِمَ؟ يخبرك عن قصة «الثقة» هذه التي تجمعه بالعمّ المتقدم في العمر، الذي يأخذ نصف أجرة يد، باعتباره يوفر سعر الايجار وتكاليف اخرى. اما في وادي حنتوش فتكثر الشكاوى من السوريين الذين يتعدون على المهنة، خصوصاً لتصليح الموتوسيكلات، ويروي احد أصحاب محال الحدادة كيف ان الزبون اليوم يرضى «بالمعجون» لان العمل بالحديد اغلى.
كيف اصبح سعر قطع الغيار؟
ننتقل الى محل لبيع قطع السيارات لسؤاله عن الأسعار، يوضح غابي ان التقليد (لفظة متداولة لكل ما هو غير أوروبي أو مزور باسم الشركات الاصلية) ارخص من الاصلي بـ 80% ويكون بلد المنشأ اما الصين او تايوان او الهند، وحتى تلك فيها أنواع تتدرج من الاغلى الى الارخص مخفضا بكل الأحوال من هامش الربح. يستورد غابي القطع هذه ولكن يتوقع مع رفع الدولار الجمركي ان «يخبز بالافراح»، مقننا بما يستورده فلا يستقدم الا ما يطلبه المواطن من دون أن يخزِّن. يشرح ان عمله تراجع 70% عن السابق، فشركات التأمين تقلص عملها وتلك كانت الزبون الأكبر لديه، فاصبح يعتمد على المواطن فقط والذي قدرته محدودة، وارخص قطعة لديه بدولارين، وهي برغي الدولاب.
امام هذا الواقع، عدد كبير من المواطنين نقلوا الينا اقاصيص بيع سياراتهم، او اعتمادهم على النقل العام، الذي ما زالت الدولة، لا تعرف كيف تنظمه، ولم تنصف العمال ببدل النقل اليومي، فكيف مفترض بالمواطن ان يصل الى عمله؟
ريتا بولس شهوان - نداء الوطن