عام دراسي رابع يعود بلا أي رؤية لمواجهة عدد لا يحصى من التحديات التعليمية. "الاستراتيجية" شبه الوحيدة التي تعتمدها وزارة التربية في التعامل مع الأزمة هي مساومة المعلمين على مساعدات مالية "خجولة" مقابل انخفاض قيمة رواتبهم، ومن ثم تهديدهم باتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم إذا تخلّفوا عن الحضور إلى المدرسة بسبب ارتفاع تكاليف النقل.
أكثر من 39,000 معلم في المدارس الرسمية، وأكثر من 50,000 في المدارس الخاصة مدفوعون إلى مواجهة مزيدٍ من العقبات. أكثر من مليون طالب مهددون بخسارة التعليم مجدداً بعدما خسروا بالفعل جزءاً كبيراً منه منذ انتفاضة 17 تشرين، والإغلاق التام الناتج من جائحة كورونا، والأزمة المالية والاقتصادية، وإضرابات المعلمين.
المانحون مسؤولون
تقييم أداء الحكومة ووزارة التربية والضغط عليهما باتجاه وضع خطة لمواجهة الأزمة كانا هدف المسح الذي أجرته هذا الصيف الباحثة مهى شعيب والباحث محمد حمود في مركز الدراسات اللبنانية على 1512 معلماً، و2700 وليّ أمر، موزعين على المحافظات الثماني. وتضمّن المسح مقابلات مع ممثلين عن المعلمين واتحادات أولياء الأمور والجهات الفاعلة في مجال التعليم والمجتمع المدني لمناقشة النتائج.
المشكلة بالنسبة إلى الباحثين التربويين ليست في التمويل المقدم من الجهات المانحة للقطاع التعليمي في لبنان والذي هو متاح منذ أكثر من 15 عاماً، بل في فشل وسوء إدارة وزارة التربية وتقاعس المانحين عن مساءلتها ومطالبتها بالشفافية في صرف الأموال. يتوجّب على المجتمع المحلي والدولي، كما قال معدّا المسح، الضغط اليوم أكثر من أي وقت مضى على السلطات اللبنانية للتحضير لعام دراسي ناجح.
وفي اللقاء الدي عقده مركز الدراسات اللبنانية، أخيراً، لمناقشة نتائج المسح، تقرر تشكيل نواة مجموعة ضغط تربوية من المعلمين والأهالي والباحثين والفاعلين في المجال التربوي والصحافيين، ناشطة محلياً ودولياً وتدفع من أجل الإصلاح الهيكلي في وزارة التربية وتعزيز آليات الشفافية والمساءلة في تعيين الموظفين واتخاذ القرارات.
أثر الأزمة على المعلمين
وكان تهاوي سعر صرف الليرة اللبنانية قد أدى إلى انخفاض قيمة رواتب المعلمين بنسبة تجاوزت 90٪. وبينما استفاد البعض من مساعدات مالية إضافية، بقيت الرواتب منخفضة. ووفقاً للمشاركين في المسح، يبلغ متوسط الدخل الشهري للمعلم 131 دولاراً، في حين أنّ تكاليف النقل الشهرية تبلغ 128 دولاراً، وهذا ما دفع 66٪ منهم إلى العمل في وظيفة ثانية لتغطية نفقات معيشتهم.
وأفاد ثلثا هؤلاء أيضاً بأنهم يُضطرّون إلى اقتراض الأموال وتوفير الاحتياجات الأساسية، فيما أفاد 73٪ بأنهم يواجهون صعوبات في دفع فواتيرهم، وهو رقم ليس مفاجئاً، بحسب المسح، بالنظر إلى أنّ معدل تكاليف الكهرباء والإنترنت الشهري يمثّل 139٪ من متوسط الدخل الشهري الذي يتقاضاه المعلمون. كذلك أشار 99٪ من الممسوحين إلى أنّ الأزمة حرمتهم من الوصول إلى الخدمات الطبية.
إلى ذلك، أجبرت تكاليف النقل المرتفعة 60٪ من المعلمين على التغيب عن أيام التدريس في المدرسة. ونتيجة لذلك، واجه 20٪ منهم إجراءات تأديبية بسبب التغيب عن العمل وحُرموا من التعويض الإضافي البالغ 90 دولاراً. بالمناسبة، لم يتقاض جميع المعلمين هذا التعويض، ولم تصل كل الدفعات إلى البعض، وقيمتها الفعلية هي 66 دولاراً لكونها تدفع وفق سعر صيرفة. أما بدل النقل اليومي فلم يدفع لا على الـ 95 ألف ليرة لبنانية ولا على الـ 65 ألفاً ولا حتى على الـ 24 ألفاً. وقد أثّرت هذه الصعوبات سلباً على حماسة هؤلاء للعمل وعلى سلامتهم النفسية، كما أدّت إلى تدهور علاقتهم بإدارة مدرستهم. على خط آخر، رأى أكثر من نصف المشاركين أن أداء ممثلي المعلمين من روابط ونقابات في المدارس الخاصة والرسمية كان غير مرضٍ.
هذا الوضع المزري وفشل الجهات المعنية في الاستجابة للأزمة بشكل مناسب قادا إلى يأس الكثير من المعلمين، إذ يخطط 73٪ منهم لمغادرة القطاع التعليمي، بينما أفاد 3 من كل 4 معلمين بأنّهم يخططون لمغادرة لبنان.
الأثر على الطلاب
لقد فوّت الأطفال في لبنان بمن فيهم السوريون، جزءاً كبيراً من دراستهم على مدى السنوات الثلاث الماضية، ما قد يدمّر مستقبلهم الأكاديمي. ووفقاً لثلث أولياء الأمور والمعلمين الذين شملهم المسح، أدت الأزمة إلى تراجع أداء الأطفال الأكاديمي وسلامتهم النفسية بشكل عام، بينما ترك 10٪ مدارسهم، وأعاد 15٪ صفهم الدراسي.
الأثر على الأهالي
يبلغ معدل الأقساط المدرسية السنوية 1,037 دولاراً أميركياً ورسوم النقل 1,318 دولاراً أميركياً التي يدفعها أولياء الأمور أي 2,355 دولاراً أميركياً لكل طفل. وأفاد 7 من أصل كل 10 من أولياء الأمور بأنّ مدرسة أطفالهم تطالب بدفع جزء من الأقساط المدرسية بالدولار الأميركي، إضافة إلى الكلفة بالليرة اللبنانية التي لا تنفك تزداد. ومقابل هذه الزيادة في الأقساط المدرسية، يبلغ معدل دخل الأسرة الشهري الذي تحدث عنه أولياء الأمور 462 دولاراً، ما يعني أنّهم ينفقون 42٪ من دخلهم السنوي على تعليم طفل واحد. ولا تشمل هذه الأرقام تكاليف التعليم الإضافية مثل الكتب والقرطاسية.
ومع ارتفاع الأقساط المدرسية، أعلن نصف الأهالي أنّهم نقلوا أولادهم أخيراً من مدرسة خاصة إلى مدرسة رسمية، بحيث أشار 87٪ منهم إلى أنّهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف المدارس الخاصة. إضافة إلى ذلك، تمثّل تكاليف النقل عبئاً آخر يتكبده أولياء الأمور، إذ يبلغ معدل إنفاق أولياء الأمور المخصصة لتغطية تكاليف نقل أطفالهم إلى المدرسة 110 دولارات. كل هذه التحدّيات تهدّد مستقبل الأطفال الأكاديمي، إذ أكد 72٪ من أولياء الأمور أنهم قد لا يستطيعون تحمل تكاليف تعليم أطفالهم، فيما أشار 10٪ منهم إلى أنّ أطفالهم قد يضطرّون إلى دخول سوق العمل باكراً.
جاهزية المدارس
أثّرت الأزمة الاقتصادية أيضاً على قدرة المدارس على فتح أبوابها، إذ أفاد ثلاثة أرباع المعلمين المشاركين بأنّ مدارسهم ليست جاهزة تماماً لاستقبال عام دراسي جديد وسط أزمة الوقود ونقص عدد الموظفين، ما قد يؤثر في جودة التدريس للسنة الرابعة على التوالي.