رغم كل المظاهر التفاؤلية التي شاعت في الساعات الأخيرة، لا شيء يؤكد بعد إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار. فبعد يومين أمضاهما الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في لبنان، التقى خلالهما رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الرئيس وليد جنبلاط، قائد الجيش العماد جوزف عون، الرئيس السابق ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، غادر إلى تل أبيب حاملاً تفاؤله الذي بناه استناداً إلى ما قال عنها "محادثات بناءة وإيجابية" مع الرئيسين بري وميقاتي، ليبدأ جولة مفاوضاته مع حكومة العدو، وليس واضحاً بعد ما إذا كانت الأجوبة التي حملها من لبنان ستقنع بنيامين نتنياهو بالقبول بوقف إطلاق النار.
هوكشتاين الذي وصل إلى إسرائيل، حيث من المقرّر أن يلتقي نتنياهو اليوم، في حين وصفت وسائل إعلام إسرائيلية، مساء أمس، الاجتماع بين هوكشتاين ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي بالبنّاء.
وكان هوكشتاين قد التقى بري مرّتين، الأولى صباح الثلثاء فور وصوله الى بيروت والثانية بعد ظهر أمس الاربعاء. وقد وصف اللقاء الأول بالجيد جداً، فيما اختُصر الثاني بعبارة "تقدم ايجابي" من دون الإفصاح عن النقاط العالقة وكيف سيكون الرد الاسرائيلي عليها. هذه التصريحات المقتضبة والتفاؤلية في آن للموفد الأميركي تؤشر الى أمرين لا ثالث لهما، إما انه يحمل في جعبته حلاً ولا يريد أن يكشف عنه إلا بعد موافقة الطرفين اللبناني والإسرائيلي عليه، أو أن هناك استحالة لإمكانية التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار فيما تبقّى من ولاية الرئيس جو بايدن، ولذلك كان تأكيده الاستمرار في مهامه الدبلوماسية مع الإدارة الاميركية الجديدة وانه سيضعها في أجواء ما توصّل اليه الطرفان اللبناني والاسرائيلي.
هذا في الشكل، أما في المضمون فإن هوكشتاين الذي بدا عليه الارتياح في كل اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين لدرجة إصراره على تناول القهوة الأميركية في مقهى في منطقة فردان، والتقاط الصور التذكارية مع بعض الزبائن، رأت فيها مصادر متابعة للزيارة بأنها كانت مشجعة جداً وان الرئيسين بري وميقاتي أعربا له عن موافقتهما على مسوّدة المقترحات الأميركية التي كُتبت بخط يده، مع التأكيد على اعتراض الجانب اللبناني على منح اسرائيل حرية الحركة والتدخل ضمن الاراضي اللبنانية لانه يمسّ بالسيادة اللبنانية. وهذا يعتبر من البديهيات في حال التوافق على تنفيذ القرار 1701 الذي لا يسمح لاسرائيل بتجاوز الخط الأزرق، وقد أقامت اسرائيل جدار العزل على أساسه، وبالتالي من غير المسموح لها بتجاوز الحدود مع لبنان تحت اية أعذار.
المصادر لفتت عبر الأنباء الالكترونية إلى أن قبول حزب الله بالمفاوضات تحت سقف وقف العدوان بشكل كامل وحفظ السيادة اللبنانية، كما أشار الى ذلك أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في كلمته عصر أمس، هو أمر في منتهى الايجابية. وكان قاسم قد حدّد في كلمته أربعة عناوين لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، مفادها أن حزب الله مصمّم على إعادة بناء ما تهدّم بالتعاون مع الدولة اللبنانية وكل الشرفاء والدول الصديقة التي تساعد لبنان. الأمر الثاني أن حزب الله سيقدم المساهمة الفعّالة لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال المجلس النيابي وبالطريق الدستورية. الثالت التأكيد على مرجعية الطائف أما الرابع التشديد على الحضور السياسي بقوته التمثيلية والشعبية لمصلحة الوطن.
وعليه، أشارت المصادر إلى أن الكرة الآن هي في الملعب الإسرائيلي، وأن لبنان الرسمي وحزب الله قدّما للموفد الأميركي كل التسهيلات لتحقيق الهدنة ووقف الحرب بانتظار معرفة رد الجانب الاسرائيلي، الذي تشير المصادر الى أنه لن يكون مسهّلاً لمهمة هوكشتاين، لان هناك تسريبات في الإعلام العبري تفيد بأن الكابينت ليس موافقأ على الاتفاق ويشترط ضمان عدم عودة حزب الله الى الأماكن التي انسحب منها وضمان عدم قدرته على التسلّح من جديد وهذا ما قد تكشفه الساعات المقبلة.
ما يعزّز هذا الاعتقاد التشاؤمي هو استهداف العدو الإسرائيلي للجيش اللبناني مرة جديدة، ما أدى إلى سقوط شهداء، ما طرح مجدداً الأسئلة المشروعة حول سبب هذا الاستهداف وعمّا إذا كان يخفي نيّات خبيثة من قِبل إسرائيل، لا سيما أن هذا الاستهداف يتزامن مع ضغط ميداني كبير على محوري شمع والخيام، وشهد يوم أمس معارك وغارات عنيفة سقطت نتيجتها شهيدة من بلدة إبل السقي.
فالمواجهات العسكرية لا زالت على وتيرتها التصاعدية على مختلف المحاور من القطاع الساحلي غرباً، الى مرتفعات كفرشوبا في القطاع الشرقي وقد سُجِّلت بالأمس عدة محاولات توغّل للعدو على هذا المحور بهدف السيطرة على التلال المشرفة على الخيام بعد أن فشل باقتحامها. وكذلك الامر بالنسبة لمحور العديسة مارون الراس وعلما الشعب والظهيرة وصولاً الى شمع بهدف السيطرة على الطريق الساحلي الذي يربط صور بالناقورة.
سباق محموم تشهده الأيام المقبلة، بين الميدان ومساعي الدبلوماسية، والنتائج ستكون كبيرة لمسار الأمور إن كانت سلباً أو إيجابياً.