"يبلغ متوسط الدخل الشهري للمعلم 131 دولارًا، في حين أنّ تكاليف النقل الشهرية تبلغ 128 دولارًا، فلا يتبقى لهم سوى 3 دولارات لتلبية احتياجاتهم طوال الشهر"... هذه واحدة من الخلاصات المقلقة التي وصل اليها مركز الدراسات اللبنانية التابع لجامعة LAU في مسح يقوم به للعام الثاني على التوالي حول تأثير الأزمة على القطاع التعليمي في لبنان.
العام الدراسي ليس بخير. 66 في المئة من المعلمين والمعلمات (39 ألفاً في المدارس الرسمية و50 ألفاً في المدارس الخاصة) يعملون في وظيفة ثانية من أجل تغطية نفقات معيشتهم بعدما أدى انهيار قيمة الليرة إلى انخفاض قيمة رواتبهم بنسبة تجاوزت 90 في المئة، ونتيجة لليأس يخطط 73 في المئة منهم لمغادرة القطاع التعليمي، بينما أفاد ثلاثة من أصل كل أربعة معلمين بأنّهم يخططون لمغادرة لبنان.
تتحدّث الأرقام عمّا هو أكثر من ذلك أيضاً. 73 في المئة من المعلمين يواجهون صعوبات في دفع فواتيرهم، وهو رقم ليس مفاجئًا نظرًا إلى أنّ معدل تكاليف الكهرباء والإنترنت الشهري يمثّل 139 في المئة من متوسط الدخل الشهري الذي يتقاضاه المعلّم، في حين أفاد 99 في المئة من المعلمين بأنّ الأزمة قد حرمتهم من الوصول إلى الخدمات الطبية. وأما مَن أجبرته تكاليف النقل المرتفعة على التغيّب عن أيام التدريس فكان عرضة للاجراءات التأديبية والحرمان من التعويض الإضافي البالغ 90 دولارًا.
لا تقف المشكلة عند المعلمين فقط، فالأزمة أدّت إلى تراجع أداء الأطفال الأكاديمي وسلامتهم النفسية بشكل عام، بينما ترك 10 في المئة مدارسهم، وأعاد 15 في المئة صفهم الدراسي. وأثرت الأزمة الاقتصادية أيضًا على قدرة المدارس على فتح أبوابها، إذ أفاد ثلاثة أرباع المعلمين بأنّ مدارسهم ليست جاهزة تمامًا لاستقبال عام دراسي جديد وسط أزمة الوقود ونقص عدد الموظفين، ما قد يؤثر بشكل كبير على جودة التدريس والتعلم للسنة الرابعة على التوالي.
ولكن ماذا عن أولياء الامور؟
يشير المسح الى ان معدل الأقساط المدرسية السنوية التي يدفعها أولياء الأمور عن كل طفل يبلغ (1,037$) ورسوم النقل (1,318$) ما يساوي 2,355 دولارًا أميركيًا. وعلى الرغم من القيود التي تفرضها وزارة التربية على زيادة الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة، فإنّ 7 من أصل كل 10 أولياء الأمور أفادوا بأنّ مدرسة أطفالهم تطالب بدفع جزء من الأقساط المدرسية بالدولار الأمريكي بالإضافة إلى الكلفة بالليرة التي لا تنفك تزداد. ومقابل هذه الزيادة في الأقساط المدرسية، يبلغ معدل دخل الأسرة الشهري الذي أبلغ عنه أولياء الأمور 462 دولارًا، ما يعني أنّهم ينفقون 42 في المئة من دخلهم السنوي على تعليم طفل واحد. ولا تشمل هذه الأرقام تكاليف التعليم الإضافية مثل الكتب والقرطاسية. ومع ارتفاع الأقساط المدرسية، أفاد نصف أولياء الأمور بأنّهم نقلوا أولادهم من مدرسة خاصة إلى مدرسة رسمية، حيث أشار 87 في المئة منهم إلى أنّهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف المدارس الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، تمثّل تكاليف النقل عبئًا آخر يتكبده أولياء الأمور، إذ يبلغ معدل إنفاق أولياء الأمور المخصصة لتغطية تكاليف نقل أطفالهم إلى المدرسة 110 دولارات.
وأمام هذا الواقع المخيف والذي يؤشر الى صعوبة كبيرة في انطلاق العام الدراسي، أو إطلاقه في ظل عجز كبير من قبل المعلمين كما التلاميذ وأهاليهم والمدارس، لا بد من حلول عملية تكون كفيلة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
وشدّدت رئيسة مركز الدراسات اللبنانية الدكتورة مهى شعيب، في حديث لموقع mtv، على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لتطوير خطة العودة للمدرسة في القطاعين العام والخاص في بداية العطلة المدرسية وعدم ترك الحلول للحظة الأخيرة، ومعالجة المشاكل التقنية التي تعيق حصول المعلمين على التعويضات الإضافية ودفع الرواتب والحوافز المستحقة.
وأعلنت عن سلسلة توصيات للمعنيين وأهمها تعديل رواتب المعلمين والمعلمات بما يتناسب مع معدلات التضخم وزيادة تكاليف المعيشة، تعديل بدل النقل بما يتناسب مع زيادة تكاليف الوقود والنقل، ضمان حصول المعلمين والمعلمات على الخدمات الطبية والأدوية اللازمة، مراقبة المدارس الخاصة ووضع سقف لزيادة الأقساط والتأكد من انعكاس أي ارتفاع في الأقساط على رواتب الأساتذة، تزويد الأسر الأكثر حرمانًا بمنح دراسية لتغطية تكاليف التعليم والنقل، مراجعة المنهج الدراسي الحالي لتخفيف حجم تراكم صعوبات التعلم والحد من معدلات التسرب المدرسي وصرف الهبات والمنح من الممولين للمستفيدين بقيمتها الاصلية واتخاذ الترتيبات اللازمة لعدم فقدان هذه الهبات لقيمتها بسبب السياسات المصرفية، مشددة على الشفافية في موضوع المساعدات والهبات من قبل وزارة التربية.
فهل تحفّز هذه الصورة السوداوية لواقع التعليم في لبنان المعنيين على إعلان حالة طوارئ تربوية لإنقاذ العام الدراسي المقبل؟
نادر حجاز - موقع mtv