لم يعد خافياً على أحد تصاعد الخلافات داخل حكومة طالبان في أفغانستان.
فقد وصلت التصدعات إلى أوجها مؤخرا، وسط تنازع فريقين ضمن الحركة التي تسلمت الحكم في آب/ أغسطس 2021، فرسق قندهار وعلى رأسه زعيم الحركة ملا هبة الله آخوند زاده، وفريق ثان في العاصمة، يرأسه وزير الداخلية سراج الدين حقاني.
فالخلافات التي بدأت حول تقاسم السلطة والمحاصصة في المناصب، تحوّلت لتصبح خلافات عميقة على سياسة طالبان خارجياً وداخلياً.
فيما اختار معظم القادة في كابل النأي بأنفسهم عن هذا الخلاف خوفاً من زعيمهم، ليبقى صوت يسعى لمواجهة الزعيم، ألا وهو حقاني، الذي يتهمه هبة الله بإشعال الخلافات المناطقية والوظيفية والتعامل السري مع الغرب.
فعلى مدى العامين الماضيين وتحديداً منذ فرض زعيم طالبان قيوداً صارمة على الأفغانيين، بدءاً من منع الفتيات من التعليم والتضييق عليهن، وصولاً إلى إصدار قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإغلاق القنوات التلفزيونية، سعى البعض من قادة طالبان ومن بينهم نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ملا عبد الغني برادر -وهو أحد مؤسسي الحركة- ووزير الداخلية ووزير الدفاع مولوي يعقوب -ابن مؤسس طالبان الملا عمر-، إلى تخفيف بعض القرارات المتشددة لاسيما في ما يتعلق بتعليم الفتيات. إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل.
" لن تدرس فتاة واحدة"
وفي السياق، كشفت مصادر للعربية.نت أن عودة الفتيات في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعات، إلى مقاعد الدراسة مجددا "أمر أشبه بالمستحيل".
بل أعربت عن مخاوفها من صدور قرار جدي يمنع الصغيرات من الذهاب إلى المدارس في المرحلة الابتدائية حتى، لتُطوى بذلك صفحة تعليم الفتيات في أفغانستان، ويتكرر سيناريو التسعينيات خلال فترة حكم طالبان الأولى.
كما كشفت أن زعيم طالبان نادم على سماحه بفتح المدارس الابتدائية أمام الفتيات، متمنياً لو كان أغلقها إلى جانب المدارس المتوسطة والثانوية.
في المقابل، دعا قادة بارزون حقاني إلى اتخاذ موقف أكثر جدية، مشيرين إلى أنه لا يمكن لحكومتهم أن تستمر على هذا الحال، محذرين من أنهم قد يواجهون خطر السقوط مرة أخرى، وفق ما أفادت مصادر من داخل حكومة طالبان.
رسالة ثانية
كما أكدت المصادر أن وزير الداخلية كتب رسالة ثانية أكثر صرامة إلى زعيم الحركة، هدد فيها بالاستقالة من منصبه في حال لم ينفذ هبة الله بعض الإصلاحات داخل الحكومة.
وفيما شدد حقاني على أنه يطيع الزعيم طالبه بإجراء إصلاحات داخلية ملتفتاً لمطالب الشعب ومجلس الوزراء، أو أقلها إعادة تفعيل مجلس شورى القيادة"، الذي كانت القرارات تصدر عنه قبل السيطرة على كابل في 2021.
كذلك دعا حقاني، الذي يحظى بنفوذ واسع داخل طالبان، إلى حل قضية تعليم الفتيات، وإلا لا مفر من استقالته من منصبه. وقال "أريد حلاً جذرياً لمسألة تعليم الفتيات، وأطالب بتنفيذ الإصلاحات، وفي حال لم توافقوا عليها، سأضطر إلى التنحي حتى لا أُلام أمام الشعب".
وكان حقاني أرسل مع مجموعة من قادة طالبان وعلمائها رسالة إلى زعيم الحركة هبة الله آخوندزاده، قبل حوالي عام ونصف محاولين ثنيه عن السياسات المتشددة تجاه تعليم الفتيات، وإعادة النظر في قراراته.
إلا أنه رفض ذلك، وطالبهم بتقديم فتوى تجيز خروج الفتاة البالغة من منزلها دون محرم. ولم يتوقف القادة عن ضغوطهم حتى هدد هبة الله بالاستقالة من مصبه وترك قيادة الحركة إلى غيره، "إن لم يتوقفوا عن فرض الأفكار الغربية على البلاد".
وخلال العام الجاري تحدث زعيم طالبان عدة مرات في خطبه عن وجوب الطاعة وعدم الاختلاف، وشدد على "اتباع أوامر الأمراء وعدم مخالفتهم"، في إشارة رأى بعض المراقبين أنه يقصد بها قادة الحركة الساخطين.
كما تحدث في تجمع عام بولاية خوست شرق البلاد، في فبراير العام الماضي عن "احتكار السلطة وتشويه سمعة النظام"، ما اعتبرها البعض إشارة إلى زعيم طالبان.
بين الجنوب والشرق
وعلى الرغم من أن قادة بارزين في طالبان على غرار الملا عبد الغني برادر، ومولوي يعقوب ابن مؤسس الحركة الملا عمر، يتفقان مع حقاني على أن السبب الرئيسي لعزلة حكومة طالبان وعدم الاعتراف بهم دولياً هو السياسات المتشددة الصادرة عن قندهار أي عن آخوند زاده، إلا أنهما فضّلا عدم الدخول في صدام مباشر مع زعيمهما، خوفاً من خسارة منصبهما، على الرغم من أنهما يحظيان بشعبية واسعة داخل الحركة وينتميان إلى قندهار.
مع ذلك، وبسبب انتمائهما وزعيم طالبان إلى قبيلة "دُرّاني" في ولاية قندهار جنوب أفغانستان ومعقل الحركة، فلم يوليا هذه المسألة الأهمية الكافية.
فيما حاول حقاني، الذي ينتمي إلى قبيلة "غُلْزَيْ" بولاية خوست شرق البلاد، -المنافسة التاريخية لحكام قندهار- عدة مرات أن يقنع برادر، ويعقوب بمرافقته إلى لقاء هبة الله ومناقشة قضيتي عمل النساء وتعليم الفتيات، إلا أن القياديين القندهاريين تجنّبا ذلك، متحججين بأعذار مختلفة.
تشجيع دولي
إلا أن وزير الداخلية الذي التقى خلال العامين الماضيين عدة مسؤولين من مختلف الدول، وصل إلى يقين بأن التفسيرات المتشددة للدين من قبل هبة الله وفريقه، وضعت الحركة في اختبار صعب أمام المجتمع الدولي.
فيما سعى الغرب عبر بعض الدول الإسلامية إلى نشجيع حقاني على تغيير سلوك هبة الله أو الوصول إلى حل يرضي الشعب الأفغاني والعالم، ويكسر جمود العلاقات مع المجتمع الدولي.