العراق

"وحدة الساحات" في العراق... التباس بين الحكومة والفصائل

تسير الحكومة العراقية منذ أشهر في خط متقاطع مع الفصائل المسلحة المنخرطة في "محور المقاومة"، لجهة الموقف من الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، فالموقف الرسمي الحكومي يرفض بشكل علني ومكرر تورط البلاد في الحرب، في حين يجري شعار "وحدة الساحات" على ألسن قادة الفصائل ليل نهار.

مع ذلك، لا يبدو التقاطع حاداً وحاسماً بين الجانبين، وفقاً لمراقبين، ذلك أن فصائل منخرطة في الحرب لها نفوذ واسع داخل حكومة السوداني وهي من أوصلته إلى السلطة، وقد وردت منظمتا؛ "بدر" التي يقودها هادي العامري، و"عصائب أهل الحق" التي يقودها قيس الخزعلي، ضمن لائحة الجماعات المتهمة بمهاجمة إسرائيل بعد الشكوى التي وجهتها الأخيرة إلى مجلس الأمن قبل أيام.

التباس بين الحكومة والفصائل

غير أن "الالتباس" في الصلة بين الحكومة والفصائل، سواء على مستوى الموقف من الحرب الدائرة، وعلى مستوى شراكتهم في إدارة السلطة، لم يمنع حكومة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، من تأكيد "حيادها" النسبي وتأكيدها الدائم على احتكار الدولة، وليس الفصائل، قرار الحرب والسلم.

ويميل مراقبون إلى أن حكومة السوداني تستند في مسعاها نحو النأي بالبلاد عن شرور الحرب، إلى حلفاء وشخصيات أساسية داخل "الإطار التنسيقي" ترفض توريط البلاد في الحرب، في مقابل قوى أخرى داخل "الإطار" تدفع باتجاه تكريس العراق جزءاً من معادلة الحرب، وحشره في "وحدة الساحات".

وقبل نحو أسبوعين، قدم رئيس "تيار الحكمة" القيادي في "الإطار التنسيقي"، عمار الحكيم، دعماً واضحاً لحكومة السوداني في إطار سعيها لتجنب الحرب ضمن شعار "وحدة الساحات"، حين قال إن "بلاده غير مهيّأة لخوض حربٍ إقليمية شاملة".

واكتفى بالإشارة إلى أن "العراق قادر على تقديم الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية واللبنانية عبر 3 اتجاهات: الدعم السياسي، والإدانة والاستنكار، والوساطات". وفي ذلك إشارة صريحة وواضحة إلى عدم القبول بانخراط "العراق الرسمي" ضمن شعار "وحدة الساحات".

وقبل ايام، شدد رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، على عدم توريط العراق في الحرب، مما يمثل دعماً "إطارياً" آخر لموقف البلاد الرسمي، حين شدد، في تدوينه عبر منصة "إكس"، على عدم "السماح للمغامرين بقيادة السياسات والقرارات الوطنية".

وفهم بعض المراقبين أن المقصود بهذه الإشارة هي الفصائل المسلحة التي لطالما وجّه لها العبادي انتقادات لاذعة في مناسبات سابقة.

وحذر العبادي، أيضاً، من "الانحياز الجبهوي في السياسات والقرارات الوطنية لمصلحة أحد المحاور المتصارعة بالضد من المصلحة الوطنية العراقية".

الموقف الحكومي

تؤكد مصادر مقربة من الحكومة أن "لدى الحكومة موقفاً ثابتاً ضد شعار (وحدة الساحات) رغم الضغوط الكثيرة التي تعرضت لها من جانب بعض الفصائل والراعي الإيراني".

ويستبعد المصدر، في حديث لـ"الشرق الأوسط"، بقاء شعار "وحدة الساحات" قائماً في حال توصلت إسرائيل و"حزب الله" إلى اتفاق لوقف الحرب.

وتوقع أن تلجأ "الفصائل العراقية إلى فك الارتباط بجبهة غزة في حال وافق (حزب الله) على الهدنة، لكن الأمر المثير للقلق هو أن إمكانية استهداف إسرائيل إيران قد تؤدي إلى استعادة الفصائل شعارها".

وفي الأسبوع الماضي، تحدث الأمين العام لـ"كتائب حزب الله" بصراحة عن أن "حزب الله" اللبناني بيده قرار الالتزام بشعار "وحدة الساحات".

وقال نزار الحيدر، وهو باحث وأكاديمي عراقي، إن "(وحدة الساحات) هو شعار طهران الحصري لحماية نفسها، لذا؛ فهي تتحكم فيه، فترجئه متى أرادت، وتعيد تنشيطه متى ما رغبت، وفق مصالح أمنها القومي".

وأوضح الحيدر أن "الفصائل المسلحة في العراق التي ترى نفسها جزءاً من هذه النظرية لا تشذ عن هذه القاعدة".

ضغوط أميركية

وإلى جانب ذلك، يعتقد مراقبون محليون أن الضغوط الأميركية، والتهديدات الإسرائيلية باستهداف العراق، بجانب إمكانية وقف الحرب في لبنان، عوامل مهمة "قد تساهم في تراجع الفصائل عن شعارها، وربما تمنحها بطاقة عبور لتمرير موقفها المهادن لاحقاً، أمام جمهورها".

وقالت السفيرة الأميركية لدى العراق، ألينا رومانوسكي، خلال طاولة مستديرة لعدد من وسائل الإعلام: "أود أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، في أن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، والتي تعتدي على إسرائيل".

وأضافت أن "هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذروا حكومة العراق بأن يوقفوا هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل".

وتابعت أن "رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. وإسرائيل أمة لها سيادتها، وهم سيردون على أي اعتداء من أي مكان ضدهم".

وكانت مصادر تحدثت عن رسائل بعثت بها إسرائيل إلى بغداد عبر السفير الأذربيجاني، لكن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي نفى ذلك.

يقرأون الآن