الى نقطة البداية، عاد ملف اعادة النازحين السوريين الى بلادهم، بعدما تنقل بين قصر بعبدا وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي والتهب داخلها بين وزيري المهجرين عصام شرف الدين والشؤون الاجتماعية هيكتور حجار متسببا باشتباك سياسي علني على خلفية الصراع على الصلاحيات، كاد ينفجر، لو لم يدخل سعاة الخير مباشرة على خطه، فيما وجه الرئيس ميقاتي رسالة عالية السقف،هي الاولى من نوعها، الى الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس تؤكد ان لبنان، الواقع تحت ازمة غير مسبوقة لم يعد قادرا على تحمل عبء النازحين،وتدعو الى اجتراح معالجات مختلفة تتعدى النمط المألوف، لان التدابير المعمول بها راهنا لا تفي بالمطلوب، وتطالب بوضع خطة لعودة السوريين ورعاية تنفيذها.
نقطة البداية هذه، مركزها جهاز الامن العام، صاحب الخبرة في المضمار، وقد تولى مهمة اعادة اعداد لا بأس بها من النازحين طوعياً، ولو انها بقيت قليلة مقارنة مع حجم وجودهم في لبنان الذي لا يقل عن المليون ومئتي الف نازح ، في غياب الرقم الرسمي لأعداد المسجلين لدى الجهات الاممية المختصة، المفترض ان تعلنه للسلطات اللبنانية، الا انها لا تفعل على رغم مطالبة والحاح لبنان. المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم تلقف كرة النار هذه وقبل التكليف، على رغم ادراكه ان حجم القضية اكبر وابعد من قرار رسمي لبناني، اذ يرتبط بقرار دولي وبدعم مادي عربي، ادى عدم توافرهما في حقبة سابقة الى تخلي روسيا عن مبادرة كانت اطلقتها لاعادة النازحين، فذهبت ادراج الرياح. الا ان حراجة الظرف الامني قبل الاقتصادي والاجتماعي، في ضوء تطورات الايام الاخيرة والخطر الجاسم على ابواب التحركات المتنامية في مختلف المناطق وموجة التفلت الامني المتعاظمة من جرائم قتل وسرقاتوالحديث عن تحريك خلايا نائمة، مجمل هذه العوامل فرضواقعا لا بد منه يتمثل بالعمل على الملف على قاعدة "من الموجود جود" الى حين انتفاء عناصر المنع الدولية وصدور قرار العودة، ان كُتب له الصدور، في ظل حديث عن محاولات لدمج هؤلاء في المجتمعات المضيفة.
وفي موازاة تحرك اللواء ابراهيم وتسميته لجنة فنية لادارة ملف العودة والشروع في اجراءات وتدابير امنية لتخفيف اعباء هذا الوجود عن لبنان واللبنانيين، بعدما بات قسم كبير من هؤلاء منخرطا في الاعمال المُخلة بالامن ، فيما يهاجر آخرون بطرق غير شرعية على متن قوارب الموت، وقد انعدمت امامهم سبل العيش في لبنان، وتقلصت عوامل الجذب للبقاء تحت وطأة الانهيار المالي، تحركت الدبلوماسية اللبنانية، فاستدعى وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وزميله هكتور حجّار منذ ثلاثة ايام، ممثّل مكتب المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان(UNHCR) أياكي إيتو، وبحثا معه آلية تطوير التعاون في مسألة النزوح.
ومع ان المعلومات تحدثت عن اجواء ايجابية سادت اللقاء، الا ان مصدرا سياسيا قريبا من السراي يؤكد لـ"المركزية" استمرار فتور العلاقات بين لبنان والمنظمة الاممية وقد نشأ اثر رسالة ميقاتي الى غوتيريس وبفعل رفض مدّ لبنان بالاعداد الرسمية للنازحين وهي تناهز الـ900 الف، بحجة ان لا دولة في لبنان ولا حكومة، والا لكانت وضعت خطة متكاملة للعودة وعالجت الموضوع بمسؤولية على غرارالاردن وتركيا اللتين اقامتا مخيمات للنازحين في مناطق قريبة من الحدود ووضعتاها تحت مراقبة الدولة والمواكبة اليومية، وطالبتا الدولة بتعويض مؤسساتها بصورة عادلة كما يحصل في الاردن حيث تقدم مفوضية النازحين للدولة ملفات النازحين وتساعدهم من ضمن آلية تعاون وتنسيق متفق عليها معها. ويقول المصدر ان لبنان سيّس الملففأقحم نفسه في اتون النار، الا ان ثمة خطوات ما زالت متاحة لاستدراك الامر وضبط حركة النازحين من خلال اقامة مخافر للدرك في المخيمات المنتشرة عشوائيا على الاراضي اللبنانية وضبط الحدود لمنع المسجلين بصفة لاجئين من العودة الى لبنان اثر انتقالهم الى سوريا واسقاط صفة اللجوء عنهم ووقف مساعدتهم، والقبول بإقامة الجهات الاممية المعنية نقطة مراقبة على الحدود لضبط الامر.
وفق الرئيس ميشال عون، كبد النازحون خزينة لبنان ما يزيد على 30 مليار دولار، فهل تكفي جرعات المخدر الموسمية والمواقف من دون خطوات عملانية لوقف النزيف اللبناني وتلافي انفجار اجتماعي بات وشيكا ان لم تضبط صواعقه؟
نجوى أبي حيدر - المركزية