انتهت أمس زيارة وفد صندوق النقد الدولي للبنان بإشارة سلبية جداً منه تجاه التأخر في تنفيذ الشروط المسبقة التي يطلبها الصندوق لاستكمال الاتفاق على مستوى الموظفين وتحيله إلى اتفاق نهائي. فالصندوق رأى في بيان صدر عنه، إثر انتهاء الزيارة، أن الإصلاحات بطيئة جداً، لكنه في الاجتماعات المغلقة انتقد تقصير مجلس النواب، وتعددية الجهات العاملة على خط برنامج الإصلاح وإعادة الهيكلة، وأوضح أن هذا المسار يضع لبنان على طريق يزداد سوءاً وكلفة كل يوم.
وكان وفد الصندوق قد أنهى جولته في لبنان بزيارة لرئيس الجمهورية ميشال عون. خلال اللقاء، أعرب رئيس الوفد أرنستو راميريز عن استيائه «من الغموض الذي يلف برنامج الإصلاح المالي الحكومي، ولا سيما في ما يتعلق بالاعتراف بالخسائر وحماية ودائع صغار المودعين». ورأى الصندوق أن خطّة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تخضع للتعديلات باستمرار، لكنه يعتقد أن «أداء الحكومة ومجلس النواب مخيّب للآمال وصادم»، إذ كان يتوقع أن يكون عملهما «أكثر ديناميكية ويحمل إصلاحاً فعلياً وخصوصاً في ما يتعلق بقانونَي السرية المصرفية وإعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف الزومبي لاستعادة الثقة بالقطاع المصرفي»، بحسب ما قالت مصادر مطّلعة.
وقد ركّز الوفد على ضرورة الاعتراف بالخسائر - الأمر الذي لم يحصل حتى الساعة. وأشار إلى وجوب «مصارحة الناس بالخسائر المالية، وبأن قسماً من الودائع طار وشطبها هو المدخل لأيّ إصلاح ويجب أن يسبق أي خطة وأي قانون». أما المماطلة والانتظار لإطفاء الخسائر مع الوقت «فلن يحلّ المشكلة بل سيفاقمها ويزيد مآسي اللبنانيين عبر المزيد من الإفقار». وأبلغ الوفد، عون، بأن الصندوق سيواصل الضغط على هذه الجهات «التي نحمّلها مسؤولية التمييع والتباطؤ المتعمّد». ووفقاً للمصادر، فإن وفد الصندوق أثنى على قيام عون بردّ قانون تعديل السرية المصرفية الذي أقرّه مجلس النواب، مشدداً على ضرورة «تصحيح النواقص فيه».
وسبق أن اجتمع وفد الصندوق مع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، ومع رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان. سألهما وفد الصندوق عن التأخير في إقرار القوانين الإصلاحية، فردّ الاثنان رابطين التأخير بخطّة الحكومة الإصلاحية التي يجب أن تكون واضحة وشاملة. وهو ما قاله عدوان في المؤتمر الذي عقده بعد الاجتماع، إذ أكد عدم الرغبة في إقرار «قوانين شكلية وصورية مطلوبة من صندوق النقد الدولي أو من غيره (...) ولا موازنة أرقامها خطأ ولفترة 3 أشهر متبقية فقط من هذا العام (...) فيما تغيب التفاصيل الأهم ومنها هو كيف سندخل في الكابيتال كونترول وكيف سنخرج منه، بأيّ طريقة وخلال أيّ مدة زمنية، ومتى سنردّ أموال المودعين صغاراً كانوا أو كباراً». وبحسب المصادر، فإن الوفد شدّد على ضرورة توحيد سعر الصرف وربطه بمنصّة صيرفة، وأبدوا تعجبهم من استمرار تعدّدية أسعار الصرف، الأمر الذي لم يحصل في أي دولة في العالم مهما بلغت أزماتها.
وفي بيانه الختامي، قال الصندوق إن الاقتصاد اللبناني يعاني ركوداً، وسط انخفاض احتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، وارتفاع في سعر الصرف في السوق الموازية إلى 38 ألف ليرة مقابل الدولار، وانكماش الناتج المحلي بنسبة 40% مقارنة مع ما كان عليه في عام 2018. يحصل ذلك في موازاة «عدم تطبيق لبنان الإصلاحات المتفق عليها في المذكرة الموقعة بين الحكومة وصندوق النقد، بحيث لم تقرّ معظم القوانين بما فيها قانون موازنة 2022». وطالب الصندوق بأن تقرّ موازنة 2022 و2023 بسعر صرف يعتمد منصة صيرفة كقاعدة له لتحسين الإيرادات. فتعدد أسعار الصرف يسيء إلى الاقتصاد ويعزز الفساد والريع، كما يضغط على الاحتياطي الإلزامي. لذا، من الضروري المضيّ قدماً في إقرار قانون الكابيتال كونترول. أما في ما خص قانون السرية المصرفية، فرأى البيان أن الصيغة التي وافق عليها البرلمان تضمّنت خطوات إيجابية، لكنها لم ترق إلى التعديلات الضرورية لتتواءم مع أفضل المعايير العالمية. ورحّب بمراجعة البرلمان لبعض النواقص الجذرية لمكافحة الفساد. وطلب تطبيق البرنامج المالي الحكومي والاعتراف بالخسائر المالية الكبيرة ومعالجتها مسبقاً مع احترام هرمية توزيع المسؤوليات وضرورة تأمين حماية كلية لصغار المودعين، وأن يكون استخدام أصول الدولة في هذا السياق «محدوداً». فمجلس إدارة صندوق النقد ينتظر إكمال كل هذه المتطلبات لينظر في طلب لبنان الدخول معه في برنامج مالي.
مطلوب تعديلات إضافية على «السرية المصرفية»
تبلّغ رئيس الجمهورية ميشال عون، من وفد صندوق النقد الدولي أن الأخير «تقدّم بمجموعة مقترحات لأعضاء البرلمان حتى يأخذها بالحسبان عند إعادة صياغة التعديلات على قانون السرية المصرفية»، إلا أن مصادر نيابية، قالت إن ملاحظات الوفد تمثّلت في «الإتاحة للإدارة المالية الاطلاع على الحسابات المصرفية»، لافتة إلى أن هذه الملاحظة يفترض مناقشتها تفصيلياً في منتصف الأسبوع المقبل مع القسم القانوني في الصندوق، ولا سيما أن بعض النواب يعتقدون أن تعديلاً كهذا يمسّ بخصوصية المودعين ويمنح أيّ موظف في الإدارة المالية سلطة لابتزاز العميل، في حين أن الوفد يراه ضرورة وأمراً طبيعياً مطبقاً في كل البلدان ولا يخرق أي خصوصية بل يسهم في الإصلاح ومكافحة الفساد.
رلى ابراهيم - الأخبار