يعود ترامب في العشرين من يناير/كانون الثاني إلى البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية لا شكّ في أنها ستكون زاخرة بالمفاجآت، واعداً بـ«عصر ذهبي» جديد لبلاده وبملاحقة معارضيه وواقفاً بالمرصاد لمن يسمّيه «العدوّ الداخلي».
وإذا كان ترامب قد نجح في تحقيق عودة ظافرة غير متوقعة إلى المعترك السياسي، فليس لأنّه بدّل أسلوبه بل بالعكس هو حافظ على أفكار بسيطة أعاد طرحها باستمرار من دون التقيّد بالأعراف السائدة.
ويقول ديفيد غرينبرغ الأستاذ المحاضر في تاريخ الصحافة في جامعة راتغرز: «بقيت أطباع ترامب هي نفسها» كما في ولايته الأولى، واصفاً الرئيس الأمريكي المنتخب بأنه «متقلّب وعنيد».
ويؤكّد الأستاذ الجامعي «ما يمكننا توقّعه هو المزيد من الصعوبة في توقع ما سيحدث».
ويعتبر بيتر لودج الأستاذ المحاضر في جامعة جورج واشنطن أنه «إذا ما أحببتم ترامب بولايته الأولى، فستحبونه بولايته الثانية».
وتأتي الولاية الثانية، في وقت يحظى الحزب الجمهوري بالغالبية في الكونغرس والإعلام يشهد أزمة اقتصادية وأزمة هويّة والشريحة المحافظة في البلد تعتنق أفكار الرئيس المنتخب.
ويلفت جون روغوفسكي إلى أن «ترامب أعاد هيكلة الحزب الجمهوري على صورته».
اختلال التوازن
وقد نجح قطب الأعمال بعد حوالى 10 سنوات من خوضه المعترك السياسي في حشد مؤيّدين يكنّون له الولاء وكمّم الأصوات المعارضة له في المعسكر المحافظ.
وقد تمكن ترامب من التخلص من صورة الزعيم المنبوذ، وبات مديرو شركات التكنولوجيا وزعماء أجانب يتقاطرون إلى دارته الفخمة في مارالاغو لخطب ودّه.
وجعل فوز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني مقارنة بخسارته في العام 2020، منه «شخصاً أكثر قبولاً في نظر مظلة سياسية أوسع».
وفي ظلّ تراجع الثقة في مؤسسات الحكم، يخشى ديفيد غرينبرغ اختلال التوازن بين السلطات في السنوات الأربع المقبلة في سياق «حرب على البيروقراطية» توعّد بها ترامب وحلفاؤه من أمثال إيلون ماسك.
وحتّى قبل عودته إلى المكتب البيضاوي، كشف الرئيس المنتخب عن ملامح سياسته.
فقد صرح أنه ينوي طرد أكثر من 10 ملايين مهاجر غير نظامي وتوسيع نطاق الرسوم الجمركية والسعي لضم قناة بنما وغرينلاند.
لكن ما من تأكيدات بعد على نيّته تطبيق هذا البرنامج بحذافيره.
غير أن ديفيد غرينبرغ يقول: «إنه لا بدّ من أخذ ترامب على محمل الجدّ بدرجة كبيرة حتّى لو كان يصعب أحياناً التمييز بين ما ينبغي التعامل معه بجدّية وما لا يستدعي ذلك».
ولا شكّ في أن بعض التصريحات هي مجرّد «استفزاز كلامي»، لكن أخرى هي «مؤشّرات فعلية إلى خواطر سياسية».
تبدّل قواعد اللعب
وبالإضافة إلى هذه التصريحات الطنّانة في مجال السياسة العامة، يركّز ترامب على مسألة شخصية أكثر، تقضي بالانتقام من خصومه.
وقد ندّد الملياردير الجمهوري ببعض المعارضين، معتبراً أنه «ينبغي زجّهم في السجن». واستنكر «عدوّاً داخلياً» لم يحدّد معالمه بوضوح ينبغي للجيش أن يتولّى أمره، كذلك هدّد بملاحقة صحفيين ووسائل إعلام أمام القضاء.
فالرئيس السابق لم يتقبّل يوماً هزيمته في انتخابات 2020 وما انفكّ يردّد بلا أيّ أساس أن ذاك الاستحقاق سُرق منه.
والثلاثاء، صدر تقرير عن المدعي الخاص جاك سميث جاء فيه أن ترامب كان سيدان على خلفية سعيه المفترض لتغيير نتيجة انتخابات العام 2020، لو أنه لم يُنتخب رئيساً العام الماضي.
وأثار التقرير سخط ترامب الذي نعت المدّعي الخاص بأنه «مختل عقلياً».
ويشير بيتر لودج «ما زلنا في المرحلة التي تسبق انطلاق الموسم، وعندما ينطلق الموسم فعلاً، ستتبدّل قواعد اللعبة».
والأمر الوحيد الأكيد هو أن دونالد ترامب سيكون في الثامنة والسبعين من العمر الرئيس الأكبر سنّاً الذي يؤدّي اليمين، متقدّماً على جو بايدن ببضعة أشهر.
وبموجب الدستور، ينبغي أن تكون هذه الولاية الثانية الأخيرة للرئيس للجمهوري، إلا في حال حدوث مفاجئة مدويّة. وينبغي للمعسكر الجمهوري أن يجد خلفاً له، وهي ليست بالمهمّة اليسيرة.