يقف النواب الأعضاء في تكتل «قوى التغيير» أمام خيارات صعبة بعد أن خرج التأزُّم السياسي الذي يتخبّط فيه التكتل إلى العلن في الجلسة النيابية الأخيرة التي خُصّصت لانتخاب أعضاء هيئة مكتب المجلس واللجان النيابية ولم يعد من مجال لرأب الصّدع واستيعاب التأزُّم إلا الاستجابة للمساعي التي يقوم بها زميلاهما بولا يعقوبيان وملحم خلف، في محاولة قد تكون الأخيرة للحفاظ على وحدة التكتل، برغم أن مهمتهما لن تكون سهلة لتنعيم بعض الرؤوس الحامية التي إذا استمرت على موقفها لن يكون من خيار أمامه سوى الإعلان عن حالة الطلاق.
فالنائبان يعقوبيان وخلف أخذا على عاتقهما القيام بدور لإصلاح ذات البين بين زملائهما النواب وباشرا تحرّكهما لعلهما يقطعان الطريق على الانشقاق الذي يتهددهم وأن يكون البديل، في حال تعذّر عليهما إعادة الأمور إلى نصابها، التوصل إلى إنجاز معاملات «الطلاق الودي» برغبة متبادلة منهما للإبقاء على حد أدنى من التنسيق والتشاور حول القضايا الكبرى وأبرزها استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية.
ويخطئ من يعتقد، كما تقول مصادر في التكتل لـ«الشرق الأوسط»، أن سبب الخلاف يعود إلى التباين الذي برز بين نوابه على هامش انعقاد الجلسة النيابية الأخيرة، وإنما إلى جملة من العناوين السياسية والتنظيمية التي أخذت تتفاعل وتتراكم بغياب الحلول لها.
وتلفت المصادر إلى أن التكتل لم يدخل إلى قاعة الجلسات بموقف موحّد حيال انتخاب أعضاء اللجان النيابية وهيئة مكتب المجلس، مع أن بعض النواب المنتمين إليه استبقوا انعقاد الجلسة بإجراء اتصالات أدت إلى إبرام تفاهم يقضي بعدم وجود ممانعة نيابية لانضمام نواب التكتّل إلى اللجان النيابية شرط عدم الترشّح لعضوية هيئة مكتب المجلس، وتؤكد أن سقوط التفاهم كان وراء إبعادهم عن اللجان، وبالتالي ليس صحيحاً القول إن ترشّح مارك ضو للجنة المال إلى جانب زميله إبراهيم منيمنة كان وراء تظهير الخلاف بداخل التكتل إلى العلن لأن الاتفاق يقضي بأن يترشّحا معاً لهذه اللجنة.
وتقول المصادر نفسها إن التكتل بدأ يعاني منذ اليوم الأول لإجراء الانتخابات النيابية من عطل يعوق تفعيل دوره على المستويين البرلماني والسياسي العام، ويعود إلى عدم الاتفاق على آلية لاتخاذ القرارات برغم أن التكتل كان قد عقد خلوة انتهت إلى لا شيء بالنسبة لهذه الآلية.
وتضيف أن الرأي الغالب في التكتل وإن كان يدعو للتوافق على اتخاذ القرارات فإنه في المقابل يطالب باللجوء إلى التصويت في حال تعذّر التوافق، فيما الرأي الآخر يصر على اعتماد مبدأ التوافق، وهذا ما أدى إلى إقحام التكتل في مراوحة حالت دون حضوره الفاعل برلمانياً وسياسياً.
وتتوقف أمام الدور الذي لعبه ويلعبه خلف بالتعاون مع يعقوبيان بغية ترحيل الخلاف حول آلية اتخاذ القرارات لعل الفريق المعترض على التصويت، وهو أقلية، يبادر إلى إعادة النظر في موقفه لإخراج التكتل من لعبة التعطيل الذاتي، وتقول إن الخلاف بداخل الجلسة لم يكن السبب وكان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وفي هذا السياق، تؤكد المصادر نفسها أن إصرار فريق محدود بداخل التكتل على شيطنة قوى «14 آذار» سابقاً قوبل بمعارضة شديدة من قبل الأكثرية، ليس دفاعاً عن الأحزاب التي تشكّلت منه وإنما احتراماً للسواد الأعظم من جماهير ثورة الأرز ولدماء الشهداء الذين سقطوا من بين صفوفها.
وتكشف أن إحدى جلسات التكتل شهدت اشتباكاً سياسياً بين النائب ميشال الدويهي وزميلته حليمة القعقور على خلفية عدم تمييزها في حملتها بين مسؤولية الأحزاب وبين من استشهدوا وعلى رأسهم سمير قصير وجبران تويني وآخرون، وتقول إن الخلاف تكرّر في الموقف من اتفاق الطائف.
وتؤكد المصادر نفسها أن بعض النواب في التكتل أصروا على التمسك بموقفهم وصولاً إلى عدم الاحتكاك مع كتل نيابية تلتقي والتكتل على مجموعة من القواسم المشتركة، إضافة إلى مقاربتهم للاستحقاق الرئاسي من موقع الاختلاف، برغم أنهم توافقوا لدى مباشرتهم بتسويق مبادرتهم الرئاسية لدى الكتل النيابية على إعداد لائحة بعدد من المرشحين أبرزهم النائب السابق صلاح حنين والوزيران السابقان ناصيف حتي وزياد بارود. لكن المفاجأة كانت بمبادرة عدد من نواب التكتل هم أقلية إلى معارضة ترشيح حنين، مع أن هؤلاء كانوا وافقوا على إدراج اسمه في عداد لائحة المرشحين، ومن بينهم منيمنة الذي فاجأ زملاءه بتبنّيه موقف القعقور، بذريعة أنه من المنظومة، وكان انتخب نائباً عام 2005 بتحالفه مع الحزب «التقدمي الاشتراكي».
وتتابع: «لم يكن أمام التكتل لمنع الانقسام بداخله سوى ترشيح سليم ميشال إده بمبادرة من خلف الذي اتصل به لهذه الغاية، برغم أنه لم يكن متحمساً لترشّحه، ومن ثم اضطراره لاتخاذ قراره بالتصويت بورقة مرمّزة في جلسة الانتخاب الثانية التي لم تُعقد بسبب عدم تأمين النصاب.
وعليه، لا بد من مواكبة مهمة يعقوبيان مع خلف لتنقية الأجواء بداخل التكتل قبل انعقاد جلسة انتخاب الرئيس قبل ظهر اليوم، لعلهما يتمكنان من تطويق الخلاف قبل أن يتفاعل في ضوء انسحاب الدويهي من التكتل، مبدياً كل استعداد للتشاور مع زملائه.
فهل تنجح يعقوبيان في مهمتها بالتكافل مع خلف في منع الانشقاق على الأقل في المدى المنظور الذي يتيح لزملائهما الدخول إلى جلسة الانتخاب في حال انعقادها بموقف موحد؟ وماذا عن «الكيمياء السياسية» المفقودة بين أكثرية في التكتل وبين أقلية يقف على رأسها منيمنة والقعقور، إضافة إلى سنتيا زرازير وفراس حمدان؟ وماذا عن تبادل الاتهامات حول لجوء البعض إلى فتح قنوات خاصة بهم بمنأى عن التكتل وتحديداً مع «حزب الله»؟
محمد شقير - الشرق الأوسط