لم تحد عن التوقعات جلسة مجلس النواب الثالثة المخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فانتهت إلى ما انتهت إليه الجلسة الأولى (باعتبار أن الثانية لم تعقد بفعل غياب نصاب الـ٨٦ نائبا) من تعثر وغالبية بيضاء طاغية على الأصوات التي حصل عليها المرشحون، في مقدمهم رئيس حركة الإستقلال النائب ميشال معوض.
ولا يُنتظر أن تخرج جلسة بعد غد الإثنين بخلاف ما خرجت بها سابقاتها، وكذلك الجلسات اللاحقة (تردد أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يعتزم الدعوة الى جلستين الأسبوع المقبل، قبل الولوج الى الفراغ الرئاسي الآتي حتماً). إذ إن الحوار المقطوع بين الفريقين الرئيسيَّين المتنافسين، الى جانب القصور الذي ظهر عليه نواب التغيير بأداء أقرب الى الطفولية والعشوائية وقلة الإحتراف والخبرة، كل ذلك يؤشر الى أن الجهات الحاكمة لم تصل بعد الى الحتمية الرئاسية، إما لحسابات سياسية ضيقة وإما في إنتظار مؤشرات خارجية.
وقال مرجع سياسي إن الجلسات الانتخابية أبرزت قلة نضج سياسي عند عدد من النواب الذين تباروا في اللهو بما لا يتناسب ووقار المناسبة الإنتخابية، وتحوّلت محرقة للأسماء. إذ إنها، على سبيل المثال، ثبّتت الحد الأقصى الذي قد يصل اليه ترشيح معوض (٤٢ صوتا يضاف إليها صوتان تغيّبا)، مما يعني أن السيناريو نفسه سيتكرر في أي جلسات مقبلة، خصوصا مع رفض نواب التغيير، بكتلتيهما المنقسمتين حديثا، التصويت لمعوض (علم في هذا السياق أن كتلة النواب التغييريين تبنّت ترشيح كل من الوزيرين السابقين زياد بارود وناصيف حتي والنائب السابق صلاح حنين).
وأشار المرجع الى أن هذا الإنسداد الذي ظهّرته جلسات الإنتخاب كان متوقعا أن يحدث منذ ما قبل الاستحقاق النيابي في أيار الفائت، نتيجة التشظي في التركيبات النيابية لاسيما مع إنفراط عقد كتل وازنة، في مقدمها كتلة تيار المستقبل. وأكد ان هذا الواقع يحتّم مقاربة مختلفة للانتخابات الرئاسية، مع وضع نصب العينين البحث عن مرشح قادر على أن يوفّر على الأقلّ ثلثي أصوات النواب، بما يتيح له أن يعبر بسلاسة وثقة الجلسة الإنتخابية الأولى التي تحتاج نصاب الـ٨٦ نائبا للإنعقاد. بذلك يكون إنتخاب الرئيس قد حظي بغالبية توافقية وازنة تجنّب الانقسامات وما بات معروفاً بالرئيس- التحدّي.
لكن المرجع لفت في الوقت عينه الى أن أولوية إنتخاب رئيس للجمهورية لا تحجب مطلقا ضرورة معالجة الوضع الحكومي، إنطلاقا من أن الفراغ الرئاسي الزاحف لا تمكن مقاربته بحكومة ميتة دستوريا لا تستطيع مجرد عقد إجتماع، فكيف لها، والحال هذه، أن تشغل صلاحيات رئيس الجمهورية، وموقع الرئاسة التمثيلي والمعنوي.
وتبيّن في هذا الإطار، أن الخلافات لا تزال تحول دون ترتيب الوضع الحكومي، وأن الأمور من تعقيد الى آخر، فيما لم يفلح حزب الله بعد في تضييق شق التباعد.
ويُنقل في هذا السياق عن أن أحد العاملين على الوساطة الحكومية أن الهوة لا تزال عميقة، مستبعدا في ضوء ما تجمّع لديه من معطيات إمكان الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق قبل انتهاء الولاية الرئاسية.
وثمة إطباع مسيحي واسع أن الثنائي بري - رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي يعملان على تقطيع الوقت عبر اقتراحات حكومية خُلبية وصولاً الى اليوم الأخير من العهد، بحيث يضحي رئيس الجمهورية بين خيار التوقيع على حكومة الأمر الواقع أو تسليم حكومة ميتة دستورياً صلاحيات الرئاسة، وإستطراداً ترئيس ميقاتي الجمهورية. كما يرميان من ذلك الى حرمان رئيس الجمهورية من تحقيق كسب يضاف الى إنجاز الترسيم الحدودي، بل حتى منعه من ترؤس الاجتماع الأول للحكومة العتيدة.
الظاهر حتى الآن أن هذا الإتجاه مرصود رئاسياً وبطريركياً ولدى قيادة التيار الوطني الحر.
وسبق لرئيس الجمهورية أن نبّه رئيس الحكومة المكلف الى أن المماطلة في حسم التأليف سيقوده حتماً الى خيارات قد لا تكون مألوفة، لكنها لا تخرج عن صلاحياته الدستورية، ليس أقلها توقيع مرسوم استقالة ميقاتي وحكومته، بما يكرس فراغاً على فراغ.
بإختصار، من الواضح أن التعقيد الحكومي الذي يصرُّ عليه ذوو الشأن الحكومي جلّابٌ للكثير من المشاكل والتشققات. لكن الثابت أنه لن يكون تفصيلا أو من السهولة بمكان أن يتم التفريط بالمنصب المسيحي - الماروني الوحيد في محيط لبنان.
أنطوان الأسمر - اللواء