ما بين الكويتي والسعودي.. صُنعُ المعروف وردُّ الجميل

نستعرض في السطور القادمة موقفاً مؤثراً، يحمل العديد من القيم والأخلاق النبيلة، ما بين تقديم المعروف والفزعة للغريب بأفضل صورها، وبين رد المعروف وكرم الضيافة بأحسن ما يكون، وذلك من خلال هذا الموقف الواقعي، الذي دارت أحداثه بين المواطن الكويتي عبدالله مبخوت العجمي (بومبخوت)، وأحد الإخوة السعوديين (بوفهد)، برواية القصاص السعودي الأستاذ عبدالله المخيلد (بوعبدالعزيز)، قائلاً: «دارت أحداث هذا الموقف في مدينة الرياض في عام 1434هـ (2012م)، وهي لأحد الإخوة السعوديين ويكنى»بوفهد«، وهو متزوج من امرأة والدتها أجنبية، وقد رزقه الله تعالى منها الذرية، وبناءً على ذلك أصبحت هي وأبناؤها يحملون الجنسية السعودية، وكانت لهذه الزوجة خالة في بريطانيا، لم ترها هي ووالدتها منذ أكثر من سبعة عشر عاماً، وعندما قررت هذه الخالة زيارة دولة الكويت لمدة خمسة أيام، أخبرت أقاربها بالمملكة العربية السعودية، أنها تأمل أن تراهم في الكويت عند مجيئها، فطلبت الزوجة «أم فهد» من زوجها أن يصحبها هي ووالدتها لرؤية خالتها في الكويت، وكان ذلك قبيل انتهاء شهر رمضان المبارك بأيام عدة، وافق هذا الرجل الطيب (بو فهد) على طلب الزوجة واصطحبها هي ووالدتها وأبناءهما معه في سيارته متجهاً إلى دولة الكويت، وعندما وصل الحدود البرية مع دولة الكويت، اكتشف أن من حقه هو وزوجته وأبنائه فقط المرور، وذلك كونهم يحملون الجنسية السعودية، أما والدة زوجته فغير مسموح لها بالدخول، نظراً لعدم توفر سمة زيارة رسمية (فيزا) معها، حاول بوفهد مع كل المسؤولين على المنافذ الحدودية مرات عدة، وشرح لهم ظروف قدومهم إلى الكويت، ولكن قوبل طلبه بالرفض، وأنه ليس من سلطتهم إدخال الأجانب إلى دولة الكويت من غير الحصول على سمات زيارة مسبقة، بل إنهم أخبروه أيضاً بأن الأمر سوف يستغرق أياماً عدة، نظراً لموافقة عطلة عيد الفطر المبارك في تلك الأثناء، وبعد فشل جميع المحاولات قرر بوفهد أن يستريح بعض الوقت في المصلى الموجود على الحدود، بعد هذه الرحلة الشاقة، إلى أن يهيّئ المولى سبحانه وتعالى لهم من أمرهم رشداً، وفي تلك الأثناء خطر ببال بوفهد ذلك الرجل الكويتي، الذي قدّر الله تعالى أن يلتقيه في أحد الأيام في طريقه إلى الرياض، ويسمى عبدالله مبخوت العجمي، حيث شاهد هذا الرجل الكويتي في صباح أحد الأيام، وكان واقفاً على أحد جانبي الطريق السريع، وليس معه أحد، وشعر بأنه غريب ويحتاج إلى المساعدة، ولم تكن حوله سيارات نقل خاصة (التاكسي)، وبالفعل أوقف بوفهد سيارته، وسأله عن سبب وقوفه على قارعة الطريق في هذا الوقت المبكر، فأخبره بأنه من أهل الكويت، ويسكن في هذه المنطقة، وقد وقف في انتظار البحث عن سيارة تنقله إلى المستشفى التخصصي لزيارة أحد أقربائه، الذي تم نقله من الكويت للعلاج في ذلك المستشفى، فما كان من بوفهد إلا أن فزع لهذا الشخص الكويتي، وتحركت بداخله صفات الشهامة والمروءة، وبالفعل أخذه معه في سيارته، وذهب به إلى المستشفى التخصصي، رغم بعده عن المنطقة التي كان فيها، وقام بزيارة المريض معه، ودعا له بالسلامة والشفاء العاجل، وسأله إن كان يريد أي مساعدة أخرى يستطيع القيام بها، فشكر له عبدالله مبخوت العجمي جميل صنيعه ومعروفه الطيب، وأعطاه رقم هاتفه، وطلب منه ضرورة الاتصال به عند قدومه إلى الكويت.

وعوداً على بوفهد، الذي مازال في المصلى على حدود دولة الكويت، ويتذكر هذا الموقف، الذي مرّ عليه قرابة أربع سنوات مع أخيه الكويتي عبدالله مبخوت العجمي، وإذا به لا يتردد في الاتصال به، وذكّره بنفسه، وعلى الفور تذكر عبدالله مبخوت العجمي الرجل، الذي ساعده في يوم من الأيام، وسأله عن مكانه، وهل يريد مساعدته، فحكى له بوفهد قصة قدومه إلى الكويت، وعدم استطاعته الدخول، فما كان من عبدالله مبخوت العجمي إلا أن فزع لنجدة صاحب المعروف، الذي ساعده ووقف إلى جواره في يوم من الأيام، رغم أنه كان مجرّد مشوار توصيل من منطقة إلى أخرى، متذكراً قول الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: «هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ» (الرحمن: 60)، وطلب منه ألا يتحرك من مكانه، وأنه متجه إليه على الفور، وطمأنه بأن الأمور يسيرة بإذن الله تعالى، وأنه لن يتركه في هذه المحنة حتى يقضي الله سبحانه وتعالى له حاجته، وبالفعل تواصل عبدالله مبخوت العجمي مع صديقه بوفهد مرة أخرى، وطلب التوجه إلى الضابط المسؤول على الحدود، وتحدّث معه عن آلية إدخال ضيفه ورفاقه، وبعد محاولات عدة مع إدارة الهجرة، رغم إجازة العيد، استطاع عبدالله مبخوت العجمي أن ييسر استخراج سمة الدخول لوالدة زوجة بوفهد من خلال معارفه من زملاء العمل العاملين بنظام المناوبة في إدارة الهجرة، وأخبره بأنه ينتظره بعد مركز السالمي مباشرة، وبالفعل التقيا معاً، وبعد التحية والسلام رافق عبدالله مبخوت العجمي صديقه بوفهد إلى أحد الفنادق الفاخرة المعروفة في الكويت، وأخبره بأنه ضيفه في هذا الفندق طوال مدة الإقامة، وأن حساب الفندق قد تم دفعه مسبقاً، وأنه سوف يتركه ليأخذ قسطاً من الراحة، على أن يلتقيا في المساء، وبالفعل بعد قسط من الراحة التقى الصديقان في المساء، وقام مضيفه الكويتي بواجب الضيافة على أكمل وجه، وذهب بصديقه إلى السوق واشترى له ولأهله وأولاده الهدايا القيمة ترحيباً بهم، وبوفهد يعجز عن شكر صاحبه، متعجباً من حفاوة صاحبه وبالغ كرمه، وعبدالله مبخوت العجمي لا يكف عن كرمه وجوده ومروءته مع ضيفه بكل صنوف الترحاب والكرم، وفي صباح اليوم التالي ذهب بوفهد لزيارة صديقه عبدالله مبخوت العجمي، وكانت المفاجأة أنه كان أحد المسؤولين الكبار في أمن مطار الكويت الدولي، وهذا ما يفسر تواصله مع مسؤولي الحدود وإصراره على استخراج سمة الزيارة على وجه السرعة من الموظفين المناوبين المعنيين آنذاك، وقد كان له ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى، وحاول بوفهد بأكثر من وسيلة الحصول على رقم الحساب البنكي لصديقه عبدالله مبخوت العجمي، ليعوضه عن مصروفاته الكثيرة، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل، بالإضافة إلى أن مضيفه الكويتي، عندما علم بتلك المحاولات، أقسم عليه أنه لن يقبل أية مبالغ منه، وأنه ضيفه، وما يقوم به هو شيء بسيط مع موقفه الشهم، الذي كان معه في الرياض قبل أربع سنوات».

وهكذا هي أخلاق أصحاب المروءات والفزعات، يقدمون الخير، ويصنعون المعروف مع الغريب والقريب، وفي المقابل عندما تسمح لهم الظروف برد المعروف لا يتوانون لحظة عن رده على أفضل وجه ممكن، فلله در هؤلاء الكرماء الأنقياء، الذين ضربوا أروع الأمثلة في الفزعة والشهامة والمروءة والكرم.

القبس

يقرأون الآن