بخلاف التعثر المسيطر على ملفي الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة، يخطو لبنان خطوات كبيرة طال انتظارها في مجال ترسيم حدوده. فبينما تؤكد المعلومات أن توقيع الاتفاق غير المباشر مع إسرائيل بخصوص حدوده البحرية الجنوبية سيتم منتصف الأسبوع الحالي، بانتظار وصول الوسيط الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت الثلاثاء أو الأربعاء، يستعد نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب بعده للمغادرة على رأس وفد وزاري إلى سوريا، لبت ملف الحدود البحرية الشمالية للبنان.
ومن المرجح أن يشهد هذا الأسبوع أيضاً لقاء بين وفدين تقنيين: لبناني، وقبرصي، لبحث ملف الحدود البحرية مع قبرص.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون، قد أجرى اتصالاً، السبت الماضي، بالرئيس السوري بشار الأسد، أبلغه فيه حرص لبنان على بدء مفاوضات مع سوريا لترسيم حدودهما البحرية في شمال لبنان. وهي مفاوضات لطالما دفع لبنان باتجاهها في ظل عدم تجاوب سوري.
وقالت مصادر رسمية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إن «بو صعب والوفد المرافق سيطلقان مسار المفاوضات، على أن يتولى وفدان تقنيان: لبناني وسوري، صياغة اتفاق بين البلدين على ترسيم الحدود البحرية الشمالية للبنان. وفي حال استلزم تدخل الوفد السياسي في مرحلة لاحقة لتأمين غطاء سياسي فسيكون جاهزاً لذلك».
من جهته، رجح عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون، أن يكون التفاوض مع قبرص «سهلاً وسريعاً»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تعديل الخط مع قبرص سيتم على أساس الترسيم الجديد للحدود الجنوبية، بما أن الترسيم السابق كان على أساس الخط 1». وأضاف: «حسم الأمور مع قبرص سيكون سريعاً؛ لأنها هي أصلاً بادرت بإرسال كتاب لتصحيح الحدود، أما بخصوص الترسيم مع سوريا، فقد فتح الرئيس عون الباب باتصاله بالرئيس السوري، والاتفاق معه على بدء المفاوضات لتصحيح الحدود. هذا المسار سيبدأ هذا الأسبوع، ولكن المؤكد أنه لن ينتهي بجولة واحدة. ما سيحصل هذا الأسبوع زيارة وفد لبناني والاتفاق على الآلية وإطار التفاوض، وعلى الأرجح تشكيل لجنة من الجهتين للتفاوض».
وكان إعلان الحكومة السورية في آذار 2021، توقيع عقد مع شركة «كابيتال» الروسية للمسح والتنقيب عن النفط، قد أثار استياءً لبنانياً كبيراً، بعدما تبين أن الحدود البحرية التي رسمها الجانب السوري متداخلة بشكل كبير مع البلوك رقم 2 من الجانب اللبناني.
وارتفعت في الساعات الماضية أصوات لبنانية طالبت بحسم ملف الحدود البرية مع سوريا، بالتوازي مع ملف الحدود البحرية، باعتبار أن دمشق حتى الأمس القريب كانت ترفض الاعتراف بلبنانية مزارع شبعا لدى الأمم المتحدة.
وقالت مصادر حزب «القوات اللبنانية» لـ«الشرق الأوسط»: «ترسيم الحدود مع سوريا كان يجب أن يحصل مطلع العهد وليس في الأسبوع الأخير منه، ولكن بمطلق الحالات فإن ترسيم الحدود بأي وقت يشكل مطلباً وطنياً- سيادياً»، مشددة على أن «الترسيم مع سوريا يجب أن يبدأ من مزارع شبعا اللبنانية، من خلال اعتراف دمشق رسمياً بذلك أمام الأمم المتحدة، لعلمنا بأن النظام السوري لا يعترف بسيادة لبنان وبالكيان اللبناني، ويعتبره من الخلفية البعثية ملحقاً بسوريا، لذلك نأمل ألا يكون ما يحصل خطوة استعراضية- إعلامية فقط».
ولا يبدو مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، متفائلاً «بوصول ملف ترسيم الحدود مع سوريا إلى خطوات تنفيذية؛ لاعتبارات عدة: أبرزها وضع الدولة في سوريا التي لا تزال معزولة وخاضعة لعقوبات، ما يجعل تمكنها من استخراج النفط عبر شركات عالمية أمراً معقداً، أضف أنه في ملف الترسيم مع إسرائيل دخل وسيط أميركي على الخط، فأي وسيط قد يدخل الآن في الترسيم مع سوريا؟ علماً بأن العلاقة مأزومة بين البلدين، وهم غير قادرين على الترسيم البري وبت مصير ملف النازحين في لبنان».
ويضيف نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كما لا نتوقع أن يسهل الروس الذين لديهم نفوذ كبير في سوريا خطوة من هذا النوع؛ لأنها تضر بمصالحهم».
بولا أسطيح - الشرق الأوسط