استعدادات لـ

تستعد البلاد لدخول مرحلة جديدة يبدأ احتسابها من الاول من تشرين الثاني المقبل تخلو فيه سدة الرئاسة من شاغلها، وتحيط الاجتهادات الدستورية بالسرايا حول حجم الصلاحيات التي يمكن ان تمارسها الحكومة التي ستؤول اليها بعض من صلاحيات رئيس الجمهورية غير اللصيقة بشخصه ودوره وسيتحول مجلس النواب الى مسرح لمجموعة من المحاولات الهادفة الى التوافق حول هوية الشخص الذي يمكن ان يختصر فترة خلو السدة الرئاسية بما يضمن اعادة انتظام الحياة السياسية في البلاد واكتمال عقد المؤسسات الدستورية المهددة بمظاهر الشلل الذي يزيد من حجم الأزمات التي تعصف بالبلاد والعباد.

انطلاقا من هذه المعادلة، توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية عبر "المركزية" عند مجموعة من السيناريوهات المتوقعة في المرحلة المقبلة على علاتها و بوجوهها السلبية المتقدمة على اي خطوة ايجابية كان يمكن تحقيقها لو نجحت اتصالات الوسطاء بعبور اي من المحطات الدستورية التي كان يجب ان تنجز بدءا من انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية التي عبرت باستخفاف منقطع النظير، منعا لتنامي الأزمات وتناسلها. أو على الاقل تشكيل حكومة بكامل مواصفاتها الدستورية لتجنب الجدل الدستوري البيزنطي الذي سخرت لها القامات القانونية والدستورية المتخفية وراء بعض المواقع الدستورية، على الرغم من ضعف احجية البعض منهم الذي يحاولون تسويق بعض الخطوات وتلبيسها الأوصاف القانونية والدستورية المفقودة والتي لا يمكن امرارها سوى بفرضها بقوة "الأمر الواقع" وابتداع أعراف و سوابق خطيرة عرفتها البلاد في محطات كان يعتقد البعض انها لن تتكرر مرة أخرى فإذا بها تتجدد عن سابق تصور وتصميم ولأسباب وظروف لم تتضح مراميها بعد لما يخفي اصحابها من نوايا مخفية ورهانات قد تكون خاطئة.

على هذه الخلفيات، حذرت المراجع الديبلوماسية والسياسية من مغبة التمادي في بعض الرهانات التي لا يمكن الوصول اليها ارضاء لما في بعض النفوس من اماني ورغبات يمكن تحقيقها بالوسائل المعتمدة لما تخفيه من مخاوف على اكثر من مستوى، ولعل اخطرها تمادي الشلل في السلطات والمؤسسات الدستورية ما يهدد ما تبقى من مظاهرها الخارجية في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي وضعت البلاد على شفير إعلانها دولة مارقة ومفلسة.

وانطلاقا من هذه المؤشرات، لا تخفي المراجع المراقبة عن كثب للعديد من الخطوات المرتقبة مخاوفها ان تصل البلاد الى محطات تفتقد فيها الآليات الدستورية لاعادة انتظام الحياة الدستورية في البلاد. ولذلك طرح السؤال ان نفذ رئيس الجمهورية تهديده بإصدار المرسوم الخاص بقبول استقالة الحكومة قبل نهاية ولايته بساعات قليلة من دون ان يكون مترافقا مع المرسومين المتلازمين معه لجهة تسمية رئيس الحكومة الجديدة وتسمية الوزراء الجدد وتوزيع الحقائب على أصحابها فإن اكثر من سيناريو يجري التداول به. وبعيدا من اي مفاجآت قد تنشأ يمكن الإشارة الى البعض منها وهي:

-عدم اعتراف اي من السلطتين التشريعية والتنفيذية بمضمون المرسوم المزمع صدوره، وهو ما يؤدي الى استمرار المجلس النيابي القيام بالمهام المنوطة به لانتخاب الرئيس قبل القيام بأي عمل آخر، واستمرار رئيس الحكومة في موقعه يدير الأعمال ويرأس اللجان الوزارية التي شكلت بديلا من ممارسة مجلس الوزراء مجتمعا لمهامه الدستورية.

- ان يخضع بعض الوزراء لمضمون مرسوم رئيس الجمهورية ومقاطعة اعمال مجلس الوزراء ان وجه رئيس الحكومة الدعوة إلى اي اجتماع والاستمرار بمهامه الوزارية على رأس وزارته بطريقة عادية وهو ما يفتح الجدل على مجموعة من الخيارات الصعبة التي تقود الى مجموعة من الأسئلة التي لا اجوبة على العديد منها.

- ان تخلو سدة رئاسة الجمهورية من شاغلها، فيلتزم رئيس الحكومة بما انتهى إليه مرسوم رئيس الجمهورية. فهل يتوقع احد كيف ستدار البلاد بلا رئيس في بعبدا ولا رئيس حكومة في السرايا ولمن ستؤول إليه مهمة إدارة البلاد والعباد؟

والى هذه الخيارات الثلاثة يمكن الاسترسال بالكثير الاضافي منها، وهي مجموعة من السيناريوهات التي لم يشر اليها القانون ولا الدستور وتعجز المراجع المعنية من تفسيرها باعتبارها غير ملحوظة في اي زاوية منهما. فالجميع يدرك ان الدستور لا يقر بما يسمى شغورا في اي من المواقع الدستورية وكما يحل نائب رئيس مجلس النواب مكان رئيسه عند غيابه، والحكومة هي من تنتقل اليها صلاحيات الرئيس ان خلت سدة الرئاسة من شاغلها وهو أمر ينسحب على مختلف المؤسسات الحكومية في جميع القطاعات.

وعليه، ان تعطلت كل هذه المواقع، فهل هناك من يستطيع ان يصل الى توصيف لما ستكون عليه حال البلاد في اي من هذه الخيارات المتوقعة. وعلى من تؤول المسؤولية ليتحملها بكل النتائج المترتبة عليه؟ وهل هناك من يملك الكلمة الفصل في ما يمكن القيام به للخروج من المآزق العميقة الناجمة عن المناكفات السياسية التي جرت البلاد الى ما نحن فيه. ولمن ستكون عندها الكلمة الفصل وهل ستنشأ سلطات محلية تملأ الفراغ الذي تسبب به غياب المؤسسات الدستورية؟ وهل سيولد من يدير شؤون المجموعات الحزبية والمناطقية والطائفية ان نجحت مساعي تلبيس ما يجري خلفياتها المذهبية والطائفية كما يحاول البعض جر البلاد اليها؟

والى ان تاتي التطورات بجواب على اي من هذه الاسئلة سيكون من المنطق الخوف على مستقبل البلاد ومؤسساتها لتطال الكيان بما يتهدده. وعندها يضاف إلى مجموعة هذه الأسئلة آخر إضافي وقد يكون الأكثر حساسية وخطورة، كيف ستتصرف المراجع المالية والنقدية والقضائية. ولمن ستكون الامرة في إدارة المؤسسات العسكرية والأمنية؟ وهل بقدرة اي "سوبرمان" سياسي او حزبي، دستوري او قانوني ان يقدم توصيفا للمشهد الذي ستكون عليه البلاد؟!

المركزية

يقرأون الآن