أعلنت شركة "أوبن إيه آي"، الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، عن إطلاق نموذجها اللغوي الأحدث "جي بي تي-4.5"، في خطوة تهدف إلى تعزيز واقعية التفاعل بين البشر والأنظمة الذكية، وتقديم تجربة محادثة أكثر سلاسة وطبيعية من أي وقت مضى.

سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ"أوبن إيه آي"، أكد في تصريحات صحافية أن النموذج الجديد يتمتع بقدرات محسّنة على مستوى الفهم والاستجابة، مما يجعله قادراً على الكتابة بدقة، وفهم السياق بشكل أعمق، بل وحتى المشاركة في الحوارات بأسلوب أقرب للإنسان. ووفقاً لما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن "جي بي تي-4.5" يتخلى عن أسلوب الاستدلال التسلسلي المباشر، ويقدم بدلاً منه طريقة تفاعل مرنة تعتمد على الفهم التدريجي للسؤال أو الطلب.

من جانبها، قالت ميا جلايس، نائبة رئيس الأبحاث في "أوبن إيه آي"، إن ما يميز هذا النموذج تحديداً هو "قدرته على الدخول في محادثات دافئة وطبيعية، تعكس فهماً أعمق لما يقصده المستخدم، وليس فقط ما يقوله حرفياً". وأكدت أن هذا التطور يمنح "جي بي تي-4.5" ميزة نوعيّة في تقديم إجابات أكثر اتساقاً مع توقّعات المستخدمين.

وابتداءً من يوم الخميس، سيكون "جي بي تي-4.5" متاحاً لجميع مشتركي خدمة "شات جي بي تي برو"، التي تُقدم مقابل 200 دولار شهرياً، وتتيح الوصول إلى أحدث أدوات "أوبن إيه آي" المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي.

تطور ملحوظ في الذكاء الاصطناعي

الرحلة نحو "جي بي تي-4.5" بدأت قبل سنوات، عندما كشفت "أوبن إيه آي" عن تقنيات "جي بي تي-4" نهاية عام 2022، فأبهرت آنذاك حتى أكثر الخبراء خبرةً في هذا المجال، لما امتلكته من قدرات على كتابة الشعر، وتوليد الأكواد البرمجية، والإجابة عن الأسئلة المعقدة بأسلوب مبتكر.

لكن النقلة الجديدة مع "جي بي تي-4.5" تتمثل بمحاولته تبنّي نمط تفكير شبيه بالبشر، حيث يقضي النموذج وقتاً في "التفكير" قبل تقديم الإجابة، بدلاً من تقديم ردود فورية سريعة، وهو ما يعكس مقاربة جديدة في بناء نماذج الذكاء الاصطناعي.

ووفقاً لتأكيدات "أوبن إيه آي"، فإن الهدف من هذه الاستراتيجية هو تطوير أنظمة قادرة على تحليل المشكلات بشكل منطقي عبر خطوات متتالية، تعتمد كل واحدة منها على السابقة، على غرار التفكير البشري. وتُعتبر هذه الآلية مفيدة بشكل خاص للمطورين الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لكتابة الأكواد وحلّ المشكلات البرمجية المعقدة.

التعلم المعزز... رحلة مستمرة

لبناء هذه القدرات، اعتمدت "أوبن إيه آي" على تقنيات التعلّم المعزز، حيث يتم تدريب النموذج على التفكير التدريجيّ عبر عملية تعلم طويلة تمتدّ لأسابيع أو حتى لأشهر، ليتمكن من تطوير استراتيجياته من خلال التجربة والخطأ.

ومع أن نماذج "الاستدلال المنطقي" الجديدة تحقق نتائج متقدمة في بعض الاختبارات، فقد يختلف أداؤها الواقعي، خاصة أن الاختبارات المعيارية ليست دائماً هي المؤشّر الأمثل لقدرة النماذج على التعامل مع السيناريوهات الفعليّة.

هل يفكر الذكاء الاصطناعي مثل البشر؟

رغم هذه التطورات، يؤكّد خبراء أن "جي بي تي-4.5" لا يعني بالضرورة أن الذكاء الاصطناعي بات يفكّر تماماً كما يفعل البشر. فمثل جميع أنظمة "شات جي بي تي"، لا يزال النموذج عرضة لارتكاب الأخطاء أو حتى "اختلاق المعلومات"، وهي الظاهرة المعروفة بـ"الهلوسة" أو (hallucination).

وفي الوقن الذي قد لا يثير "جي بي تي-4.5" نفس الضجة التي أحدثها "جي بي تي-4"، فإنه يُقدم خطوة متقدّمة نحو تحسين واقعية المحادثة وقدرة الأنظمة على فهم البشر بشكل أكثر طبيعية، في وقت تتجه فيه أبحاث الذكاء الاصطناعي إلى آفاق جديدة، وتبحث عن نماذج أذكى وأقرب إلى العقل البشري الحقيقي.

وفي هذا السياق، كشفت "أوبن إيه آي" عن تقنية مساعدة جديدة تحمل اسم OpenAI o1، تمّ تطويرها بالخصوص لتحسين أداء النموذج في حلّ المسائل الرياضية والبرمجية والعلمية، وهي جزء من رؤية الشركة الأوسع لبناء ذكاء اصطناعي قادر على التعامل مع المهام المعقّدة بطريقة أكثر كفاءة.

يقرأون الآن