يتقدّم لبنان في المرحلة الأولى من السّباق مع بكتيريا الكوليرا، مع "تثبيت عدّاد المصابين" وفق وزير الصحة فراس أبيض. أمّا عدّاد الإصابات فسجّل 3395 حالة حتى مساء أمس بمعدّل ارتفاع 5% منذ بداية الشهر الجاري، فيما ثبتت الوفيات على الرقم 18 منذ نحو أسبوعين، وذلك بسبب اكتمال الاستعدادات اللازمة للمكافحة، ووضوح صورة الوباء وطرق مكافحته لدى معظم الناس، بالإضافة إلى توجه الغالبية نحو الشّك بكلّ مصادر المياه، وهذا ما يساهم في التخفيف من حدّة الانتشار. ويضاف إلى كلّ هذه العوامل، جهوزيّة الفرق الطبية في المناطق الموبوءة مستفيدين من تجهيزات وخبرات سابقة خلال مكافحة جائحة كوفيد19.
أخبار اللقاحات
ويأتي اللقاح ليعزّز حالة الاطمئنان النسبي، مع استلام وزارة الصحة 600 ألف جرعة منه، وانطلاق حملة التلقيح يوم السّبت الماضي في المناطق السّاخنة التي تشمل 4 محافظات حتى الآن وهي الشمال، عكار، بعلبك الهرمل والبقاع. واللقاح المخصّص لمكافحة الكوليرا سهل الاستعمال وعملي، كونه يؤخذ عبر الفم، ما يجعل من حملات التلقيح يسيرة ولا تستلزم تجهيزات معقدة، كتلك التي استخدمت لمكافحة كوفيد19، من تبريد فائق وغيره. كما قامت اليونيسيف بدعم هذه الجهود عبر شراء العلاجات اللازمة لمعالجة 5 آلاف شخص وتوزيعها على المستشفيات الميدانية المستحدثة في المناطق.
إلا أنّ اللقاحات وحدها لن تشكل الحلّ الدائم للوباء، فالمستهدفون لن يحصلوا على أكثر من جرعة واحدة، وذلك بهدف زيادة أعدادهم من جهة، وتنويع شريحة الملقحين لتشمل كلّ المناطق السّاخنة من جهة ثانية. بالإضافة إلى أعداد اللقاحات المحدودة عالمياً، فوفق بعض الخبراء "وصول هذه الكميّات إلى لبنان إنجاز ضخم"، بسبب النقص العالمي، وعدم القدرة على مجاراة الطلب في البلدان الموبوءة. وبحسب طبيب الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري فـ "الجرعة الواحدة لن تقدّم الحماية لأكثر من ثلاثة أشهر على أبعد تقدير"، والحل لن يكون إلّا بـ"تفعيل التنسيق بين الإدارات المعنيّة، ومنها وزارة الطاقة، التي من واجبها تأمين الطاقة الكهربائية الأساسية لسحب المياه النظيفة وتشغيل محطات التكرير. والانتهاء من الكوليرا تماماً مرتبط بالبنية التحتية الفعالة".
والأرقام المقلقة
بالإضافة إلى ما سبق، يسجل دخول الكوليرا مناطق جديدة ما يعطي مؤشرات لا تبعث على الاطمئنان. وعليه، يمنع التراخي منعاً باتاً أمام أيّ "خبر جيّد"، فالبنية التحتية في لبنان لا زالت على اهترائها، ولم تجرِ أي معالجة حقيقية لأسباب انتشار الكوليرا الأولى حتى اليوم، فلا الكهرباء عادت بشكل حقيقي، ولا أُصلحت شبكات توزيع المياه والصرف الصحي. بالتالي، أيّ تقدّم لا يُحصّن بشكل حقيقي سيتحول إلى تراجعات مدمرة، سيّما مع "جسم طبي أنهكته الهجرة وفقد ما يقرب من "40% من الأطباء و30% من الممرضين" بحسب الأبيض.
كما تشير أرقام تفشي أمراض أخرى غير الكوليرا لهذا الاهتراء، فبحسب تقارير الترصد الوبائي في وزارة الصحة، سجّل عام 2022، حتى مطلع الشهر الجاري، 1596 حالة "يرقان"، أو ما يعرف بـ"فيروس الكبد الوبائي أ"، حظيت محافظة الشمال بحصة الأسد منها مع 1084 حالة، يليها البقاع بـ 380. ويضاف إليها تسجيل عودة أمراض كان قد قضي عليها سابقاً في لبنان مثل التيفوئيد مع تسجيل 182 إصابة، أما حالات التسمّم الغذائي فوصلت في الفترة نفسها إلى 500، وكلّ الأمراض السّابقة تعود لاستهلاك أغذية أو مياه ملوّثين بالبكتيريا المسبِّبة للأمراض.
استيطان البكتيريا
استمرار القلق وعدم التراخي حاجتان أساسيتان يغذيهما الارتفاع المستمر لحالات الكوليرا في سوريا المجاورة. فقد عبّرت منظمة الصحة العالمية عن هذا القلق برفع درجة الوباء إلى الدرجة الثانية في سوريا، على سلّم من ثلاث درجات، ويشير هذا الترفيع إلى وجود المشكلة ذاتها في عدد من البلدان ذات الحدود المشتركة.
وتتخوف مصادر صحية متابعة لتفشي الوباء في لبنان والمنطقة من استيطان البكتيريا في مياه المنطقة المتصلة ببعضها البعض، وتشير إلى أنّ "التأخير في المعالجة والمكافحة يسيران بالمنطقة لسيناريو مشابه للوضع الهندي"، هناك الموطن الأصلي للكوليرا، التي "تتأثر كثيراً بحرارة المياه وتعاقب الفصول، يخفّ نشاطها عند انخفاض الحرارة، ويزيد مع عودة الصيف، ما يساعدها على إحداث موجات وبائية محليّة مع كلّ تغيّر في الحرارة.
فؤاد بزي - الأخبار