هو نفسه نجيب ميقاتي الذي سبق له أن تصدّى، بالتكافل والتضامن مع رؤساء الحكومات السابقين، لحسان دياب حين طُرحت فكرة عقد جلسة لمجلس الوزراء. وللمناسبة، فإنّ رئيس الجمهورية يومها، العماد ميشال عون، هو الذي كان متحمّساً لأن تعقد حكومة تصريف الأعمال جلسة حكومية.
وهو نفسه ميقاتي الذي واظب ليلاً ونهاراً على التأكيد العلني أنّه "لن يفعلها" وكاد يقسم اليمين على أنّه سيلتزم مقتضيات الدستور في فترة الشغور الرئاسي، ووعد "حزب الله" بأنه لا يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء إلّا في الحالات الطارئة واذا ما سدّت كل المنافذ أمامه واضطر إلى الدعوة لجلسة استثنائية لمجلس الوزراء.
وهو رئيس "التيار الوطنيّ الحرّ" جبران باسيل الذي يرصد يومياً حركة الوزراء المحسوبين عليه، يدخلون ويخرجون من السراي على نحو دائم، يشاركون في اجتماعات اللجان الوزارية، يداومون في وزاراتهم، ويسيّرون أعمالها بشكل لا يتناسب مع النطاق الضيّق لتصريف الأعمال، ويرافقون رئيس الحكومة في زياراته الخارجية (عبد الله بوحبيب ووليد فياض إلى الجزائر)... وكأنّ البلد ماشي والشغل ماشي.
اذاً، فعلياً، هي مشهدية الجلسة الحكومية، التي تثير غضب واستياء الفريق العوني. الصورة بحدّ ذاتها، لا أكثر ولا أقل. فيما الحجّة هي الجانب الدستوري من تلك الصورة بشكل يظهرها وكأنّها تعدٍّ على صلاحيات رئيس الجمهورية وتجاوز لها. ولو أنّ التبريرات التي يقدمها رئيس حكومة تصريف الأعمال، بضرورة صرف بعض الاعتمادات لتغطية الحاجات الاستشفائية قد تخفف من نقمة الرأي العام المسيحي، نسبياً.
ولكن، بعيداً عن تلك الاعتبارات ثمة جانب سياسي آخر لا يقلّ أهمية عن الاعتراض العوني على خطوة رئيس الحكومة، والجالسين معه الى طاولة مجلس الوزراء، ويتصل بعلاقة ركنيّ تفاهم مار مخايل في خضم الاستحقاق الرئاسي والذي يشكّل بدوره محطة خلافية بين "التيار الوطنيّ الحر" و"حزب الله".
في الواقع، لا تزال العلاقة على المستوى الاستراتيجي، متينة. "حزب الله" لن يتخلى عن الحليف المسيحي طالما أنّه يمثل شريحة كبيرة من المسيحيين. وهنا بيت القصيد. أمّا اذا وقع ما يعتقده البعض أنّه مسار حتمي، بمعنى تشظّي "التيار الوطني الحرّ" ومعه "تكتل لبنان القوي" ليصير مجموعة "تكتلات"، فعندها لكل حادث حديث. كما أنّ باسيل ليس بوارد الخروج من هذا التحالف، لسبب بديهي وهو أنّه نسف كلّ جسر عبور قد يحمله إلى ضفّة بديلة. علاقاته السيئة بمختلف القوى السياسية تجعله أسير هذا التحالف حتى لو صار حلقته الأضعف. وهذا ما يجعل من العلاقة، مصلحة مشتركة في الحفاظ عليها حتى لو وقعت بعض الخلافات "على الدرب".
بهذا المعنى يرى بعض المواكبين أنّ التمايز بين الحليفين ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، من دون أن يعني ذلك أنّ العلاقة مرشّحة لخضات كبيرة. بالأساس، في تسمية ميقاتي رئيساً للحكومة، كان الفريقان على ضفّتين نقيضتين. وها هما ينفصلان عن بعضهما في ما خصّ المشاركة في الجلسة الاشكالية لمجلس الوزراء.
وفق هؤلاء، فإنّ الحزب ليس مرتاحاً لقرار ميقاتي بالدعوة للجلسة، خصوصاً وأنّه حصل منه على وعود وتطمينات بأن لا يفعلها إلّا اذا كانت الحاجة ملحّة. وفي الوقت عينه يعرف الحزب أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال يمسك الجميع من اليد التي تؤلمهم، وهي حاجات الناس الضرورية ولهذا سارع إلى زركهم في خانة المشاركة وإلّا تحمّلوا الانتقادات من الرأي العام.
ولكن مع ذلك، لا يجوز التقليل من أهمية الفصل الحاصل في مساريّ الحليفين، في هذا التوقيت بالذات، المرتبط بعاملين اثنين: بداية، هي أولى المعارك التي يخوضها "التيار الوطنيّ الحر" بعد خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا وبالتالي خسارة باسيل الكثير من مفاتيح نفوذه وسلطته وسطوته. والعامل الثاني هو التوقيت حيث تخاض هذه المعركة في خضمّ الشغور الرئاسي ومحاولة باسيل تعزيز أوراقه مقابل سعي "حزب الله" إلى تحسين وضعية مرشحه الأساس، أي رئيس "تيار المردة" سليمان فرنحية.
وفق بعض المتابعين، فإنّ أهمية قرار "الحزب" بالمشاركة، لا الاعتكاف، أسوة ببعض الوزراء المسيحيين الذين استطاع باسيل أن يمون عليهم، على خلاف ما كان يروّج له بأنّ هؤلاء خارج عباءته، تأتي لتكرّس مساراً جديداً في العلاقة الثنائية بين "الحزب" و"التيار"، يبدو أنّه سيحكم المرحلة المقبلة، بشكل هو نقيض لطبيعة المرحلة الماضية.
اذ ومنذ نشوء التفاهم بين الفريقين، تعامل "الحزب" مع باسيل بكثير من الاهتمام والعناية والدلال والغنج فيما مارس هو كل أنواع الابتزاز السياسي لتحقيق أهدافه ومطالبه التي كانت دوماً في سلّم الأولويات ولو على حساب تعطيل البلد. ويبدو أنّ هذا النمّط معرّض لتغيير جذري.
وفق المتابعين، "الحزب" لن يكسر التفاهم ولن يتخلى عن باسيل، لكنها قد تكون محاولة لتقليص حجم الغنج الذي كان يخصصه به. الأرجح أنّها أشبه بـ"التكويعة" في العلاقة ستحكم المرحلة المقبلة، والتي قد تضطر "الحزب" إلى ترك باسيل وحيداً اذا ما تمكّن من تأمين أغلبية تجعل من سليمان فرنجية رئيساً.
يقولون إنّ رفض "الحزب مجاراة "التيار الوطنيّ الحرّ" بشأن موقفه من جلسة ميقاتي المثيرة للجدل، قد تكون مؤشراً أولياً الى كيفية تصرّفه إزاء الاستحقاق الرئاسي اذا ما حسّن من ظروف فرنجية، ولو من دون مشاركة باسيل. وبالتالي، قد تكون الخلفية وراء هذا القرار نوعاً من الضغط غير المباشر على خطّين:
الخطّ الأول، من باب كسب الوقت من خلال الترقيع الحكومي ذلك لأنّ الشغور الكليّ لن يعطي "الحزب" متّسعاً من الوقت لكي يحسّن ظروف معركة فرنجية.
الخطّ الثاني، الضغط على القوى المسيحية لتسريع عجلة الرئاسة بحجة رفضهم السماح لحكومة منقوصة الصلاحيات بأن ترث موقع الرئاسة الاولى.
كلير شكر - نداء الوطن