اختتمت الجولة الثانية من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في روما باتفاق على تفعيل المسار الفني عبر اجتماعات خبراء، على أن تتواصل المحادثات في جولة ثالثة بالعاصمة العُمانية مسقط، وذلك بعد أيام من تحذيرات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من عمل عسكري محتمل.
وفي اجتماعهما غير المباشر الثاني في غضون أسبوع، أجرى وزير الخارجية عباس عراقجي مفاوضات لمدة أربع ساعات تقريباً في روما مع مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، من خلال وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي نقل الرسائل بينهما.
وقالت الخارجية العمانية في بيان إن الطرفين وافقا "على الانتقال إلى المرحلة التالية من المحادثات التي تهدف إلى التوصل إلى اتفاق عادل ودائم وملزم".
وأشار البيان إلى أن الاتفاق المحتمل يضمن أن "تكون إيران خالية تماماً من الأسلحة النووية والعقوبات"، فضلاً عن "الحفاظ على قدرتها في تطوير الطاقة النووية السلمية".
وأضاف: "قد تم التأكيد على أن الحوار والتواصل الواضح هما السبيل لتحقيق اتفاق وفهم متبادل موثوق به يصب في مصلحة جميع الأطراف المعنية على الصعيدين الإقليمي والدولي".
وأشار البيان إلى الاتفاق على أن الجولة المقبلة، ستُعقد في مسقط خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأعرب البوسعيدي عن شكره لكل من ويتكوف وعراقجي: "على تعاملهما البناء والمثمر في المحادثات اليوم"، مشيراً إلى أن "هذه المفاوضات تحقق تقدماً ملحوظاً وأن ما كان مستحيلاً في السابق أصبح الآن أقرب إلى التحقق".
تفاهم أفضل
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني، للتلفزيون الرسمي: "المحادثات تتقدَّم في الاتجاه الصحيح"، مشيراً إلى التوصُّل إلى تفاهم بشأن عقد "الجلسات الفنية على مستوى الخبراء في سلطنة عمان، يليها اجتماع لكبار المفاوضين يوم السبت المقبل".
وقال عراقجي: "عقدنا اليوم جلسةً استمرّت نحو 4 ساعات. كانت جلسةً مثمرةً، والمفاوضات تسير في مسار إيجابي".
وأضاف: "هذه المرة تَمكنَّا من التوصُّل إلى تفاهم أفضل حول مجموعة من المبادئ والأهداف، واتفقنا على استئناف المحادثات والانتقال إلى المرحلة التالية، حيث ستبدأ الجلسات الفنية"، مضيفاً أن "المفاوضات الفنية على مستوى الخبراء ستنطلق في عُمان يوم الأربعاء".
وزاد في السياق نفسه: "سيتمكَّن الخبراء من مناقشة التفاصيل ووضع إطار للتوافق، ثم نلتقي (مع ويتكوف) يوم السبت المقبل في عمان؛ لمراجعة نتائج عمل الخبراء، وتقييم مدى تقدُّمنا في تحقيق المبادئ الأساسية للاتفاق".
وتحفَّظ عراقجي على التسريبات الإعلامية بشأن المفاوضات. وقال: "التكهنات والتحليلات دائماً ما تكون جزءاً من أي عملية تفاوضية، وقد يسعى البعض إلى تقديم تفسيرات لأغراض معينة، لكنني لا أؤيد هذه التكهنات".
ولفت عراقجي إلى أن: "المعيار الحقيقي هو ما يحدث خلف طاولة المفاوضات". ودعا إلى "عدم الانشغال بالتكهنات، وتركنا نواصل هذا المسار في إطار عقلاني حتى نتمكَّن من الوصول إلى نتيجة". وتابع قائلًا: "المفاوضات من مهام وزارة الخارجية، ولا ينبغي أن تُحدث أي ضجة أو توتر في المجتمع. نحن نعمل بهدوء ودقة".
وبشأن النتائج المحتملة، أشار عراقجي إلى تصريحات سابقة للمرشد الإيراني قائلاً: "كما أشار المرشد، لا يوجد سبب للتشاؤم أو التفاؤل المفرطين، ويجب أن نسير في هذا المسار بشكل متوازن وعقلاني".
وأضاف: "نأمل أن نكون في وضع أفضل الأسبوع المقبل بعد المحادثات الفنية، لكننا ما زلنا نتعامل بحذر في تقييم إمكانية التوصل إلى تفاهم".
ونوه عراقجي بأنه "من وجهة نظرنا، لا يوجد أي موضوع قابل للمفاوضة سوى بناء الثقة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات"، مضيفاً: "الأميركيون التزموا بهذا المبدأ حتى الآن". لكنه قال: "نحن لا نزال نتعامل بحذر، ونأمل أن نكون في وضع أفضل الأسبوع المقبل لتقييم إمكانية التوصل إلى اتفاق".
في السياق نفسه، قال عراقجي في تصريح لوكالة "تسنيم" التابعة لـ"الحرس الثوري" إن "الأميركيين لم يثيروا حتى الآن أي نقاش خارج إطار الملف النووي". وأضاف: "أكدنا أن مفاوضاتنا تقتصر بشكل حصري على القضية النووية ولن نقبل التطرق إلى أي موضوع آخر".
وتصر إيران على أن تقتصر المحادثات على ملفها النووي ورفع العقوبات، معتبرة أنشطتها الإقليمية وقدراتها الصاروخية ووقف نشاطاتها النووية "خطوطاً حمراء".
وكان "الحرس الثوري" الإيراني أعلن في وقت سابق أن قدرات إيران العسكرية والدفاعية غير مطروحة للنقاش في المحادثات، ومن ضمنها برنامج الصواريخ الباليستية وبرنامج الطائرات المسيَّرة اللذان يثيران مخاوف في العالم.
ولم يصدر بعد تعليق من الولايات المتحدة على المحادثات. وقال ترامب للصحفيين أمس الجمعة "أنا مع منع إيران، بكل تأكيد، من امتلاك سلاح نووي. لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي. أريد أن تكون إيران عظيمة ومزدهرة ورائعة".
في غضون ذلك، قال مسؤول إسرائيلي ومصدران مطلعان إن إسرائيل، التي عارضت الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، لم تستبعد شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية في الأشهر المقبلة.
وانتهكت طهران منذ عام 2019 قيود اتفاق عام 2015 المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بل وتجاوزتها بشكل كبير، إذ أنتجت مخزونات تفوق بكثير ما يقول الغرب إنه ضروري لبرنامج طاقة مدني.
وقال مسؤول إيراني كبير إن الخطوط الحمراء لإيران تعني أنها لن توافق أبدا على تفكيك أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم أو وقف التخصيب تماما أو خفض مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى ما دون المستويات المتفق عليها في اتفاق عام 2015.
وعرض التلفزيون الرسمي لقطات تُظهر مغادرة الوفد الإيراني مقر السفارة العُمانية، حيث جرت المفاوضات غير المباشرة.
ونفى التلفزيون الرسمي الإيراني في وقت سابق، تعثراً "مؤقتاً"، وذلك بعدما ذكرت وسائل إعلام إيرانية، بعد نحو ساعة من المحادثات، أن عراقجي "أوقف المفاوضات لمدة 15 دقيقة؛ بسبب طرح الطرف الأميركي قضايا غير نووية، وأعلن أن استئناف المحادثات مشروط بالتركيز على القضايا النووية فقط".
جاء ذلك، بعدما طالبت طهران الوفد الأميركي بـ"تجنب طرح مطالب غير واقعية وغير معقولة تحت تأثير إسرائيل".
ونفى مصدر مطلع في تصريح للتلفزيون الرسمي صحة الأنباء التي أوردتها وسائل إعلامية بشأن تعليق المفاوضات لمدة 15 دقيقة. ووصف التقارير بـ"الزائفة"، وأضاف: "تبيَّن عدم صحتها".
ورغم نفي التوقف، فإن صحافيين مرافقين للوفد الإيراني أكدوا صحة التوقف، لكنهم قالوا إن الوفد الإيراني طلب "التوقف من أجل الصلاة".
وأثناء المحادثات، ظهر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، مرتين على شاشة التلفزيون الرسمي، وقال بقائي: "إن المفاوضات بدأت نحو الساعة 12 بتوقيت روما".
وأوضح أن "سير إجراءات المفاوضات مماثل للجولة الأولى، حيث يجلس الوفدان في قاعتين منفصلتين، ويتنقل وزير الخارجية العُماني بين الوفدين، وقبل بدء المفاوضات، أجرينا محادثات مع الوزير العُماني. تُدار المفاوضات بالكامل من قبل عُمان كما كانت الحال في الجولة السابقة".
وقال بقائي: "على وسائل الإعلام عدم الترويج للأخبار الزائفة بشأن المفاوضات، ومتابعة الأخبار الدقيقة عبر وزارة الخارجية". وأضاف: "الأخبار الكاذبة جزء من محاولات خلق التشويش حول المفاوضات. تركيزنا ينصب على تحقيق مصالح إيران دون الالتفات إلى هذه الجوانب الهامشية".
وأفاد الإعلام الرسمي، نقلاً عن بقائي بعد وصول الوفد الإيراني إلى روما، "في ظل التصريحات المتناقضة التي صدرت عن عدد من المسؤولين الأميركيين خلال الأيام القليلة الماضية، نتوقَّع من الجانب الأميركي أن يقدِّم في المرحلة الأولى توضيحاً يزيل الغموض الخطير الذي أُثير حول نيّته وجديته".
وأضاف: "إن مواقف ومطالب الجمهورية الإسلامية، سواء فيما يخصُّ رفع العقوبات غير القانونية أو الملف النووي، واضحة تماماً، وقد تم إبلاغ الطرف المقابل بها خلال الجولة الأولى من المفاوضات".
وتابع بقائي: "إن العودة إلى الأساليب السابقة لن تفضي إلى نتيجة، ولا يمكن تحقيق أي تقدم فعلي ما لم يتعامل الطرف الآخر بواقعية، ويتجنب طرح مطالب غير واقعية وغير معقولة تحت تأثير إسرائيل".
وفي طهران، قال علي شمخاني المستشار السياسي للمرشد الإيراني والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، يوم السبت، إن مفاوضات الوفد الإيراني مع الطرف الأميركي تهدف إلى التوصّل إلى "اتفاق متوازن، لا من منطلق الاستسلام". وأضاف شمخاني، في رسالة نشرها عبر منصة "القول": "توجّه المفاوضون الإيرانيون إلى روما وهم يتمتعون بكامل الصلاحيات، سعياً للتوصل إلى اتفاق شامل يستند إلى 9 مبادئ أساسية، منها الجدية، وتقديم الضمانات، ورفع العقوبات، ورفض النموذج الليبي (...) وتجنب التهديدات، والسرعة في التفاوض، وكبح المعترضين (مثل إسرائيل)، وتسهيل الاستثمار".
وكان عباس عراقجي قد أجرى مشاورات مع نظيره العماني قبيل انطلاق المحادثات، كما التقى وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني لبحث تطورات المفاوضات والدور الأوروبي في تسهيل المسار.
يُذكر أن ويتكوف وعراقجي باشرا المحادثات بشأن الملف النووي الإيراني، الذي يمثل محور التوتر بين طهران وبلدان غربية، في العاصمة العمانية مسقط يوم 12 أبريل (نيسان). وتُعد هذه المفاوضات لحظةً تاريخيةً بالنظر إلى العداء المستمر بين واشنطن وطهران منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وأزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية.
وكان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد انسحب من الاتفاق النووي في مايو 2018، مما أدخل العلاقات بين البلدين في دوامة من التصعيد والعقوبات المتبادلة، إضافة إلى الهجمات والتهديدات العسكرية، في الوقت الذي فشلت فيه عدة محاولات لإحياء الاتفاق.
على الصعيد الداخلي الإيراني، لا تزال الاحتجاجات مستمرة في عدد من المدن على خلفية الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة، وسط تسريبات عن نية الحكومة رفع الدعم عن الوقود، الأمر الذي قد يؤجج الأوضاع أكثر.
وفي الجانب الاقتصادي، شهد الريال الإيراني تحسناً طفيفاً مع بدء جولة المفاوضات، بعدما كان قد تجاوز حاجز المليون ريال مقابل الدولار في وقت سابق من الشهر. وتأمل طهران أن تسهم المحادثات الجارية في كبح التدهور الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً مع المؤشرات الإيجابية حول إمكانية تخفيف العقوبات.
وفي تطور اقتصادي مرتبط، أفادت مصادر رسمية بوصول طائرتين من طراز "إيرباص A330 - 200" إلى طهران يوم الخميس، كانت إيران تسعى منذ فترة طويلة للحصول عليهما. الطائرتان كانتا مملوكتين سابقاً لشركة "هاينان" الصينية وتمت إعادة تسجيلهما باسم "إيران للطيران". وتستلزم الصفقة موافقة وزارة الخزانة الأميركية، في ظل العقوبات المفروضة على قطاع الطيران الإيراني، غير أن واشنطن لم تُصدر أي تعليق رسمي حتى الآن.
ختاماً، تبقى الجولة القادمة من المفاوضات في سلطنة عُمان حاسمة في تحديد ملامح الاتفاق المرتقب، وسط ضغوط داخلية وخارجية على الجانبين، ومراقبة دقيقة من قبل المجتمع الدولي، خصوصاً إسرائيل التي لا تزال تلوّح بالخيار العسكري في حال لم تُسفر المفاوضات عن اتفاق يضمن وقف الأنشطة النووية الإيرانية بشكل كامل.