يَمْضي الرئيس اللبناني العماد جوزف عون في استعداداته لإكمال جولته الخارجية على أن تشمل في محطتها الأقرب الإمارات العربية المتحدة، بالتوازي مع تحضيراتٍ بدأت لزيارة مصر، وذلك في إطار إعادة بلاد الأرز إلى الخريطة العربية والدولية بوجهها ومسارها الجديد الذي بدأ سياسياً ويترسّخ تباعاً مع استعادة الدولة حضورها واستردادها تدريجاً أدوات التحكّم بقراراتها ومرافقها بالتوازي مع محاولتها إدارة الملف الأصعب الذي يشكله سلاح حزب الله بما يُوازِنُ بين تحقيق هدفِ سَحْبه، الذي لن يتراجع عنه الخارج، وبين نزْع الفتائل التي يمكن أن تحوّله صاعقاً ينفجر بالجميع داخلياً، وبما يُراعي أيضاً إصرارَ إسرائيل على إستراتيجية عدم إنزال القدم عن دواسة البنزين في ما خص الضغط العسكري على الحزب وفق ما كان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو عبّر سابقاً.
وفي الوقت الذي نفّذتْ إسرائيل أمس اغتيالان، أحدهما جنوب بيروت قرب الدامور (منطقة بعورتا) – وذكرت إذاعة الجيش أنه هجوم غير اعتيادي على بُعد نحو 70 كيلومتراً من الأراضي الإسرائيلية – للقيادي في الجماعة الإسلامية (قوات الفجر) حسين عزت عطوي، والذي وصفه الناطق العسكري افيخاي ادرعي بأنه أحد أبرز عناصر الجماعة المرتبطة بحركة حماس في لبنان»، والثاني على طريق بلدة الحنية في قضاء صور، لأحد عناصر حزب الله، تَعاظمت المخاوف مما تعدّ له تل أبيب في غمرةِ اقترابِ المفاوضات الأميركية – الإيرانية من مرحلةِ إزالة أي غبارٍ عن أهداف واشنطن في ما خص نووي طهران، وهل إدارة دونالد ترامب في وارد ما اعتُبر في الصحافة الأميركية بمثابة نسخة 2.0 من اتفاق باراك أوباما أم أنها تسعى لتفكيك البرنامج النووي وليس مجرّد كبْح مسار السلاح النووي وفق ما ورد في "الراي" الكويتية.
وإذ ستترك مرتكزات المفاوضات وبطبيعة الحال مآلاتها، تأثيرات تلقائيةً على منسوب الحرب التي لم تتوقف في لبنان بل أخذت نَسَقاً تَراجُعياً في شموليتها، وسط تلويح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مجدَّداً بأن كل هجوم على إسرائيل سيُقابل بهجوم مضاد، وهذا يَسْري على لبنان كما بقية الجبهات، فإن عون يستمرّ في نهج الخطوة خطوة مع حزب الله في ما خص ملف سلاحه وآلية سحْبه عبر حوارٍ ثنائي، رغم رفْع الحزب بوجهه جدار صدّ بالصوت العالي، من خلال قفل النقاش حول أي سحْب أو نزْع للسلاح ومحاولته إغراق هذا البند وتثقيله بالبحث عن إستراتيجيةٍ دفاعيةٍ تكون (تبقى) ترسانته العسكرية جزءاً منها ولا تُفتتح طاولتها إلا بعد انسحاب إسرائيل من التلال الخمس وإعادة الأسرى ووقف الاعتداءات وبدء إعادة الإعمار.
دعم إماراتي
وقد أكد عون أمس أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لخمس تلال لا يساعد على استكمال تطبيق القرار 1701 وانتشار الجيش حتى الحدود ونحن نسعى لمعالجة الأمور بالطرق الدبلوماسية، معلناً أن أي موضوع خلافي يجب أن يحل بالتواصل والحوار مع الآخر.
وقال: مهما كانت المواضيع، أكانت تتعلق بسلاح حزب الله أو التحديات الداخلية أو هيكلة المصارف أو الوضع المالي والاقتصادي يجب أن تُعالج بالحوار الداخلي.
وجاء كلام رئيس الجمهورية خلال استقباله رئيس المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات صقر الغباش الذي زار بيروت وعقد سلسلة لقاءات بينها مع رئيس البرلمان نبيه بري، وسط توقف أوساط سياسية عند تأكيده أمام عون ثقته بأن لبنان مقبل على نقلة نوعية تحتاج إلى الوقت والحكمة والصبر في التعاطي مع الأمور، مضيفاً قدَركم اليوم أن تكونوا المسؤولين عن إعادة بناء الدولة وقدَر اللبنانيين أن يكونوا محظوظين بوجودكم وحكومتكم وكل الكفاءات التي هي إلى جانبكم ولا سيما أن خطاب قسمكم منسجم مع كل تصريحاتكم، ووضوح رسائلكم واضحة لشعبكم وللخارج.
وكان الغباش نقل في مستهل اللقاء مع رئيس الجمهورية تحيات رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وثقته وتقديره لشخصه وللبنان وحرصه على متابعة ما يتم من إعادة بناء الدولة كما ثقته بالحكومة اللبنانية. واعتبر أن ما أنجز خلال الفترة القصيرة قياساً بالزمن يمثل نقلة نوعية ويثلج صدورنا ويطمئننا على لبنان وأهله بما نملكه من محبة وتقدير له ولشعبه.
وأضاف :للبنان خصوصية في العالم العربي لجهة غناه وتنوعه الذي يميزه بين مختلف بلداننا العربية، ومحبة خاصة نظراً لطبيعته وقربه منا والجميع متشوق لهذا البلد. وصاحب السمو يؤكد دائماً على وقوفه إلى جانب لبنان وشعبه ووحدته وعودته إلى الحضن العربي، والى جانب بناء الدولة الوطنية الجامعة بكل أطياف الشعب اللبناني.
واعتبر ان خطاب القسَم يضاف إلى الوثائق الأساسية في لبنان ليكمل الدستور واتفاق الطائف، كذلك الأمر بالنسبة للبيان الوزاري.
وقال وضعتُم على أنفسكم عهوداً وأداؤكم وأداء الحكومة يؤكد أننا أمام عهد جديد. إن بناء الدولة ركيزته القانون وقد اشرتم في ذلك في أول تعهد لكم فالدول الناجحة هي دول القانون التي يطبق فيها على الجميع سواسية، مواطنين أو غير مواطنين.
وإذ لفت إلى تَمَيُّز لبنان بالكفاءات التي تشكل ثروته المستدامة، شدد على أهمية الاستقرار والأمن اللذين يعتبران أساس التنمية فإذا اطمئن رأس المال تتحقق التنمية.
وردّ عون مؤكداً تميّز العلاقات اللبنانية – الإماراتية وتجذرها في التاريخ، ومعبّراً عن اشتياق لبنان لعودة الإماراتيين إلى بوعه ومتمنياً وضع ما حصل في السابق وراء ظهرنا والنظر إلى الأمام.
وأعرب عن امتنانه لاحتضان الشيخ محمد بن زايد ودولة الإمارات اللبنانيين الذين يعيشون فيها.
وقال: أنجزت الحكومة في فترة زمنية قصيرة الكثير من الملفات رغم الصعوبات والتحديات إلا أننا مصممون على مواصلة المسيرة ليس فقط لوجود رغبة عربية ودولية في ذلك بل لأن الأمر يشكل حاجة لبنانية قبل أن يكون حاجة خارجية.
وأضاف: على لبنان في هذه المرحلة ومن خلال ما يقوم به إعادة الثقة مع الدول الشقيقة والصديقة. فالشعب اللبناني يريد ان يعيش بعدما ملّ الحروب على مدى خمسين عاماً، ونحن اليوم نقوم بالتأسيس لمرحلة جديدة فيها الكثير من التحديات ومنها إعادة الإعمار التي تتطلب مساعدة الدول العربية.
ونوّه بأنها ليست المرة الأولى تساعد فيها دولة الإمارات لبنان، معرباً عن أمله في أن تفتح الزيارة التي سيقوم بها إليها صفحة جديدة من العلاقات الثنائية.
وإذ أشار رئيس الجمهورية إلى ما تحقق حتى الآن على صعيد التعيينات الأمنية والقضائية وحاكم مصرف لبنان ولجهة إقرار مشروعي قانون السرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف، تحدث عن التحديات على الحدود الشرقية، مشيراً إلى ان الأمور في الملف السوري إلى تحسن بعد زيارة رئيس الحكومة إلى دمشق حيث ستكون هناك متابعة من قبل لجان ثنائية للعديد من القضايا، ومنها مكافحة التهريب وضبط وترسيم الحدود وإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين.
وعبّر عن تفاؤله بالمستقبل، مشيراً في المقابل إلى أنه لا يملك عصا سحرية بل كل التصميم والإرادة على تحقيق إلانجازات والانتقال بلبنان إلى ضفة الأمان والاستقرار.
تطبيق القرار 1701
في موازاة ذلك، دعا وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى تطبيق القرار 1701 والانسحاب الإسرائيلي الكامل من جنوب لبنان، لافتاً إلى أنه ينبغي تطبيق القرارات الدولية بشكل كامل ومن دون انتقائية من أجل تحقيق الاستقرار في لبنان، ومؤكداً أهمية الالتزام بالوقف الكامل لإطلاق النار فيه.
وأوضح عبدالعاطي في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللبناني يوسف رجي في القاهرة، أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي داعِمٌ لرئيس الجمهورية جوزف عون وحكومته لاستعادة الاستقرار للبلاد، وللجيش لفرْض الأمن في كل لبنان، مؤكداً التوافق لدفع العلاقات مع لبنان، كما على اقتراب عقد اللجنة العليا المشتركة مع لبنان، وموضحاً اننا نعمل لتحديد موعد زيارة الرئيس عون لمصر قريباً.
وثمّن رجي من جهته، الدعم المصري على المستويات كافة، مُشيداً بجهود السيسي الدبلوماسية لإنهاء العدوان الإسرائيلي.
وإذ أشار إلى أن خطاب قسَم رئيس الجمهورية والبيان الوزاري للحكومة واضحان لجهة حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها، شدد على أن حصر السلاح مطلب وطني وشعبي.
ودعا المجتمع الدولي إلى مقاربة جديدة لمسألة النازحين السوريين في لبنان، إذ لم نعد نحتمل وجود أكثر من مليون سوري على أراضينا.
وشكر القيادة المصرية لدعمها جهود الدولة اللبنانية في بسط سيادتها على أراضيها، مؤكداً أننا سنعيد تعزيز علاقاتنا مع كل البلدان الشقيقة.
استدعاء السفير الإيراني
في موازاة ذلك، أشارت تقارير في بيروت إلى أن رجي سيستدعي هذا الأسبوع السفير الإيراني لدى لبنان مجتبى اماني على خلفية ما دوّنه حول موضوع نزْع السلاح.
وكان أماني كتب على أكس، ان مشروع نزع السلاح هو مؤامرة واضحة ضد الدول. ففي الوقت الذي تواصل الولايات المتحدة تزويد الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة والصواريخ، تمنع دولاً من تسليح وتقوية جيوشها، وتضغط على دول أخرى لتقليص ترسانتها أو تدميرها تحت ذرائع مختلفة. وبمجرد أن تستسلم تلك الدول لمطالب نزع السلاح، تصبح عرضة للهجوم والاحتلال، كما حصل في العراق وليبيا وسورية. ونحن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية نعي خطورة هذه المؤامرة وخطرها على أمن شعوب المنطقة. ونحذر الآخرين من الوقوع في فخ الأعداء. ان حفظ القدرة الردعية هو خط الدفاع الأول عن السيادة والاستقلال ولا ينبغي المساومة عليه.
ورغم أن أماني لم يُشر في المنشور إلى سلاح حزب الله، فإن وكالة تسنيم للأنباء التابعة للحرس الثوري أوردت ما كتبه على أنه حول ما يقال عن نزع سلاح حزب الله بحسب "الراي" الكويتية.