شدد وزير المال ياسين جابر في حديث إلى "الراي" على "مسار الإصلاح الذي بدأ في لبنان مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة"، ورأى "ضرورة منح لبنان فرصة ليتنفس بعدما واجهته سلسلة أزمات ضخمة، بدءاً بالنزوح السوري مع بدايات الثورة في 2011، مروراً بالفراغ الرئاسي والأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي في العام 2024".
وإذ اعتبر ان "الإصلاح ضرورة قصوى ومطلب لبناني قبل أن يكون دولياً"، رأى أنه "من الأهمية بمكان فهم الواقع اللبناني وإعطاء فسحة للحكومة التي شكلت قبل أسابيع قليلة لكي تضع البلاد على سكة الإصلاح الشامل، اقتصادياً وسياسياً".
وسأل ردا على سؤال عن وصاية دولية: "هل يعقل أن يشتم المريض الطبيب إذا طلب منه تنفيذ بعض الأمور لكي يعالج من حالته التي يعانيها؟"، معتبرا ان "القرار السياسي اتخذ في شأن مسألة السلاح، وبات واضحاً سواء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، أو البيان الوزاري للحكومة برئاسة القاضي نواف سلام، لكن لبنان يجب أن يتنفّس، ولا يُعقل أن يقطع عنه الأوكسجين ويطلب منه التنفس".
وأعرب عن تقديره للأيادي البيضاء الكويتية في لبنان، مؤكدا ان " العلاقة بين لبنان والكويت كانت دائماً ممتازة، واللبنانيون يعتبرون الكويت من أهم الدول التي وقفت دائماً إلى جانب وطنهم، والعلاقة بين البلدين ليست فقط بين الحكومات، لكن بين الشعبين اللبناني والكويتي"، مشيراً إلى أن "كثرًا من الإخوة الكويتيين يملكون منازل في لبنان، خصوصاً في بيروت ومناطق جبل لبنان والمصايف اللبنانية، وهم يعرفون بيروت جيداً مثلي وأكثر، كما توجد علاقات عائلية بين الشعبين، فهناك أشخاص زوجاتهم لبنانيات، وأشخاص والدتهم لبنانية، فالعلاقات تاريخية وعميقة".
وإذ لفت إلى زيارات مرتقبة رسمية للكويت بعدما بدأ رئيسا الجمهورية والحكومة جولاتهما الخارجية بزيارة المملكة العربية السعودية، أكد ثقته بأن" الرئيس عون سيزور الكويت على أعلى مستوى، للتعبير عن اهتمام لبنان الكبير ليس فقط بالعلاقات السياسية وإنما أيضاً بتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين".
ورداً على سؤال عن لقاءاته مع المسؤولين الكويتيين أثناء زيارته إلى الكويت في 9 و10 أبريل الحالي للمشاركة في الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية والدورة الاعتيادية الـ16 لمجلس وزراء المالية العرب، لفت إلى أن "صندوق التنمية الكويتي له تاريخ عريق في لبنان، وطبعاً تواصلنا خلال وجودي بالكويت مع عدد من مسؤولي الصندوق، وسيكون لمسؤوليه الذين اجتمعنا معهم في الكويت زيارة قريبة إلى بيروت، ولدينا علاقة جيدة بالصندوق، هناك مشاريع قائمة ينفذها الصندوق في لبنان، وحالياً هناك خطط للمشاريع المقبلة، وبعد زيارة لبنان إن شاء الله ستأخذ هذه الأمور مجراها الطبيعي".
وإذ رفض نظرية فرض الخارج الإصلاحات على لبنان، اعتبر ان "موضوع الإصلاحات أمر صحيح ومطلوب، والحكومة موقفها صريح جداً، فمثلاً عندما يأتي أحد ويقول إن صندوق النقد الدولي يفرض على لبنان إصلاحات، برأيي نحن لسنا بحاجة لأن يوجهنا لهذه الإصلاحات، لأننا ندرك جيداً بأننا بحاجة ماسة للإصلاحات، مثلاً لو كانت هناك حال مرضية وطلب الطبيب من المريض تنفيذ بعض الأشياء مثل إنقاص الوزن وإيقاف التدخين وممارسة الرياضة لأجل العلاج، فهل يقوم المريض بشتم الطبيب؟".
أضاف:" لو طلب منا صندوق النقد مثلاً معالجة ملف الكهرباء الذي تسبب في هدر أموال كثيرة جداً في الماضي، الحكومة اللبنانية أصلاً تريد إصلاح هذا القطاع، وتحويله إلى قطاع رابح، والأهم من ذلك توفير الخدمة للمواطن الذي قضى سنوات من دون كهرباء. كذلك الأمر بالنسبة الى قطاع الاتصالات، نريد أن نقدم خدمة أفضل وأن يعود هذا القطاع لأرباحه السابقة".
وأسف الوزير جابر لأن لبنان تحمّل أكثر بكثير مما يحتمل، فمنذ أكثر من 15 سنة تقريباً يعاني من تداعيات الأزمة والحرب في سوريا التي أدت إلى نزوح أكثر من مليوني سوري للداخل اللبناني.
وكشف في هذا الصدد عن فرصة طرحها على وفد أميركي زاره أخيراً، قائلاً: "قلتُ لهم تصوّروا لو أتى للولايات المتحدة 120 مليون مكسيكي (بما نسبته 40 في المئة من سكان الولايات المتحدة)، هل تستطيعون تحمّلهم؟ لقد أتى إلينا نازحون يمثلون نحو 40 في المئة من نسبة عدد سكان لبنان، وعملياً تحمّلنا ذلك، ومن ثم أتت أزمة انخفاض أسعار النفط في 2014، وانخفضت تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، وتدهور على إثر ذلك ميزان المدفوعات. ونتذكر في تلك الفترة أيضاً حدثت تفجيرات لداعش، وسيارات مفخخة في بيروت ومناطق عدة في لبنان وكانوا على الحدود اللبنانية، هذا كله حصل. بعد ذلك جاءت أزمة فراغ الرئاسة اللبنانية بين 2014 و2016، ثم الازمة الاقتصادية في 2019، ثم انفجار مرفأ بيروت في 2022، وجاءت أيضاً أزمة كورونا".
وأشار إلى أن "الوضع السياسي بعد ذلك كان صعبا مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ووجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات لإدارة شؤون البلاد، ومجلس نيابي معطل. كل هذه الأمور تشابكت مع بعضها، عقب ذلك كله حدثت الحرب، ومرّت علينا أحداث جسام، تركت أثراً كبيراً على البلاد. لذلك فإن عملية الإصلاح اليوم أصبحت ضرورة قصوى، على الرغم من أنها تأخرت كثيراً، وكان لا بد أن تبدأ".
وبالنسبة الى ضرورة حصر السلاح بيد الدولة كشرط تقديم مساعدات مع الشرط الآخر بالمضي في الإصلاحات، قال:" في النهاية مطلوب من لبنان أن تكون هناك عودة إلى الأمن من دون سلاح، فالجيش هو السلاح والأمن، لذلك نريد أولاً تسليح الجيش وإعادة تجهيزه. لبنان بدو ياخد نَفَس، فهل يصح أن نقطع عنه الأوكسجين ونطلب منه أن يتنفس؟".
وإذ شكر الدول التي تساعد لبنان، شدد على أن "المهم أن القرار السياسي متخذ، ويتضح ذلك من خطاب القسم لرئيس الجمهورية والبيان الوزاري للحكومة. الأمور بحاجة الى العلاج ، فحينما يقول الرئيس سنعقد طاولة ونضع خطة دفاعية فالسلاح الموجود يجب إعطاؤه للجيش، لتعزيز قواه".
الوصاية
ورفض الوزير جابر اعتبار وجود وصاية أميركية على لبنان، بعد الإجراءات الأخيرة في مطار بيروت، وما تردد أيضاً عن مرفأ بيروت، وقال: "الأمر ليس قصة وصاية أميركية، لقد استقبلت وفداً أميركياً قبل قدومي للكويت بيوم واحد، وكان اجتماعهم مع قائد الجيش اللبناني جيداً جداً. لا ينبغي أن ننفذ أي شيء على عجل".
وعن المطار، يوضح وجهة النظر اللبنانية بالقول: "إن أمن مطار بيروت ضروري للبنانيين وغيرهم، فهل نريد مثلاً أن يكون لبنان مصدراً لتهريب المخدرات؟ بالتأكيد لا. لذلك يجب التشدد في المطار والمنافذ لأجل منع عمليات تهريب الممنوعات كالسلاح أو المخدرات والأموال وغيرها . لبنان سيكون دولة تحترم القوانين التي تصدرها، لديناً مثلاً القانون 44/ 2015، لمكافحة تبييض الأموال ونحن نتقيّد به. الأمر نفسه ينطبق على المرفأ، حيث يجب أن يكون هناك انتظام لأجل عائدات الجمارك، فلن نستطيع أن نحسن مداخيلنا إذا لم يكن هناك تنظيم لها".
في ما يتعلق بالعمل مع حاكم مصرف لبنان الجديد كريم سعيد، خصوصاً بعد تعيينه بالتصويت في مجلس الوزراء وإعلان رئيس الحكومة أنه لم يكن مرشحه، أوضح وزير المال أنه "تمت معالجة الموضوع، وعُقد اجتماع بين الجانبين. في النهاية تم تعيين حاكم للمصرف الذي عليه أن يقوم بما هو صحيح لخدمة البلد واقتصادها وسياستها النقدية، وطالما يقوم بعمله بشكل جيد فأعتقد أنه لن توجد خلافات بينه وبين الحكومة، وأنا كوزير مال لدي وصاية على المصرف المركزي، ولبنان من الدول الأولى التي طبقت استقلالية مصرفها المركزي، لكن رغم ذلك فإنه ينبغي ألا ينفرد المصرف بالقرارات المتعلقة باقتصاد البلد، ووزير المال له الحق أن يعترض ولديه (فيتو) على أي قرار غير مناسب قد يصدر عن اجتماع مجلس إدارة المصرف المركزي يضرّ مثلاً باقتصاد البلد وسياستها المالية والنقدية، وهذا الأمر سيكون موجوداً لديّ إذا حدث ذلك" بحسب "الراي".