إقتصاد

بيروت من عاصمة عالمية للموضة إلى سوق مفتوحة للـ... Outlet

بيروت من عاصمة عالمية للموضة إلى سوق مفتوحة للـ... Outlet

بيروت الموضة والأناقة صارت بيروت "Outlet"، واللبنانيات واللبنانيون المشهورون بحُسن ذوقهم وملاحقتهم الموضة وشراء الماركات العالمية، صاروا من بين ضحايا الأزمة الإقتصادية التي تضرب لبنان منذ ثلاث سنوات.

تحت جسر فؤاد شهاب، الذي يربط مناطق من العاصمة بأحيائها الفاخرة كان هناك محلّ صغير مشلَّع الأبواب يعلَق الثياب المستعمَلة على منصات خارجية وفوق الأبواب. كان منظر المحل الصغير واللافتة الكبيرة المعلّقة عليه متنافراً مع الـ downtown والمحال التجارية الفخمة في شوارع قريبة في الأحياء الراقية التي نشأت بعد الحرب في وسط العاصمة وعلى مقربة من المجمّعات التجارية التي أعادت إلى «ست الدنيا» أناقتها وأضواء الموضة وألوانها البرّاقة.

كان المحل الصغير مقصد عمّال الورش الكبيرة وفقراء المدينة التي صارت بعد الحرب مقصد السياح ومدينة الموضة وعيادات التجميل. ولم يكن في ذهن أحد من الطبقة المتوسطة يوماً ان تتغيّر وجهتهم التسوّقية من المجمعات التجارية والماركات المعروفة الى محال "Outlet" أو التجزئة بعدما بدأت تنتشر كالفطر في لبنان.

في الأعوام التي سبقت الإنهيار المالي، عَرف بعض تجار الألبسة سوقاً جديدة للثياب، اذ يقصدون الولايات المتحدة تحديداً من أجل شراء الألبسة الجديدة من محال التصفية. فأميركا مشهورة بهذا النوع من البضائع وبيعها بأسعار متدنية جداً قياساً إلى نوعيتها وماركاتها التي صارت متوافرة في لبنان بأسعار بخسة. وإنتشرت بذلك محال تجارية في مناطق بيروت والجنوب وطرابلس، تتبع مجموعة محددة من التجار كانوا معروفين باستيرادهم هذا النوع من الثياب الأميركية. وعَرفت هذه المتاجر رواجاً كبيراً بسبب الكلفة المقبولة للثياب ذات النوعية الجيدة والأسماء المعروفة. وفي موازاة هؤلاء كانت مجموعات أخرى بدأت تعمل على إستيراد ألبسة مستعمَلة، لكنها ظلت أقلية ولم تلقَ رواجاً.

منذ الإنهيار المالي، إنفلش سوق محال التجزئة في شكل كبير، وبدأت متاجر معروفة تتوسع في نوعية وكمية إستيرادها ألبسة التصفية، وتفتح فروعاً جديدة لها في مناطق كانت معروفة عادةً بمحالها ومتاجرها المرموقة. وكلما إنخفض سعر الليرة، تَضاعف عدد هذه المحلات عبر أبنية كاملة ومتاجر تفتح فروعاً لها في مناطق عدة.

ينقسم سوق الألبسة – التجزئة ثلاثة أنواع: الأول محال ألبسة التصفية، أي كما في كل دولٍ تباع الثياب الجديدة بتصفية عامة أو في لبنان ما يُعرف بتصفية أسعار أو حسومات أو "Sale«بأسعار مخفّضة جداً تُشحن إلى»بلاد الأرز" وتباع بأسعار متدنية قياساً إلى أسعار الماركات المعروفة في لبنان. وهذه المحال تختار بعناية ماركات أميركية ولمختلف المناسبات، وهي تشحن معها كل ما هو متوافر من حاجات منزلية.

ويشهد هذا النوع من المحال فورةً إستثنائية وعجقة زبائن، قياساً إلى المحال التجارية العادية، رغم ان أسعارها بالدولار الأميركي، لكنها تبقى أقل كلفة من أسعار المتاجر الأخرى. ومصدر إستيراد هذه المحال كان من الولايات المتحدة ومن ثم أوروبا وحالياً يعمد بعض التجار إلى شحن بضائع غربية من دول عربية صارت مقصداً للسياح بسبب ماركاتها العالمية في مجمّعاتها التجارية.

النوع الثاني ثياب مستوردة ولكن «مستعمَلة» أو من «البالة» لكن بحالة جيدة وبأسعار منخفضة أيضاً. هذا النوع إنتشر أكثر فأكثر في العاميْن الماضييْن، لأن ماركات الثياب المستورَدة معروفة أيضاً، لكنها بدأت تتوسع من الولايات المتحدة إلى اوروبا وتحديداً من لندن وألمانيا وبعض دول غير معروفة عادة في السوق اللبناني.

القسم الثالث الآخذ في النمو أكثر فأكثر، هو ما يسمى "Second Hand " وهو أيضاً ثياب مستعمَلة سابقاً، لكنها من ماركات عالمية فاخرة، فرنسية أو إيطالية في غالبيتها وغيرها من ماركات معروفة وتشمل ألبسة وحقائب وأحذية. وهذه النوعية تفتح شهية اللبنانيات إجمالاً على إقتناء ماركات عالمية ولكن سبق ان استُخدمت سابقاً، ولكنها من نوعية جيدة. وأصحاب هذه المحال غالبيتهن من النساء اللواتي يعملن في الموضة ويحاولن تجديد وخياطة وترتيب ما تحتاجه الثياب، وفتْح فروع في مناطق غير شعبية، وخصوصاً أن زبائنهن يفضّلن إختيار هذا النوع من الألبسة أو الحقائب بأسعار مقبولة قياساً إلى ثياب أو حقائب جديدة مستوردة من الصين أو تركيا بالأسعار نفسها. فبعدما إرتفع سعر الثياب الأوروبية، إنتشرت موضة إستيراد الألبسة من تركيا أو الصين بأسعار مقبولة تلاقي رواجاً لدى الزبائن ذوي المدخول المتدني، وإلا أنها إجمالاً لا تتمتع بنوعية وجودة كافية.

بين هذه النماذج هناك مجموعات من «كارتيل» تجار متخصصين في شراء هذه البضائع وشحْنها بحراً، وهم يتوزعون في مناطق معروفة، ويشكلون عالماً قائماً في ذاته يؤمّنون الشحن البحري بأسعار مقبولة والأكيد انهم يحظون برعاية تؤمن لهم إستمرار وصول بضائعهم. في المقابل فإن نوعاً جديداً من عملية الشراء يتم على «الكيلو»، أي ان الزبون يشتري مثلاً عشرة كيلوغرامات ثياب بسعر خمسين دولاراً، في رزمة واحدة من دون تحديد ما فيها، ويختار لاحقاً ما يريده منها.

إضافة إلى هذه الأنواع من التجارة، راجت أخيراً تجارة بيع ألبسة التجزئة أونلاين. وتجار هذه الفئة هم من الذين يريدون زيادة مدخولهم الشهري، ويتعاملون مع تجار كبار يشترون منهم قطعاً محدَّدة لبيعها عبر صفحات الكترونية. وهذه الصفحات أقل كلفة للزبون إذ انه يوفّر عملية التنقل وثمن البنزين لسيارته وموقف السيارة، فيما خدمة الاونلاين توافر له بضائعه عبر «ديليفري» إلى منزله، وبسعر مقبول. وصارت هذه التجارة متوافرة بكثرة عبر صفحات الكترونية معروفة. علماً ان محال التجزئة تعمد هي الأخرى إلى إستخدام التجارة الإلكترونية لمزيد من التوسع إلى أسواق جديدة من الزبائن. وفي الآونة الأخيرة بدأت أعمال البيع بالتجزئة تتوسع من الألبسة إلى الأدوات المنزلية والكهربائية من دول أوروبية كألمانيا وبلدان اوروبا الشمالية حيث تباع قطع كهربائية منزلية شبه جديدة بأسعار مقبولة قياساً إلى الأسعار المتداولة حالياً ولا سيما مع إرتفاع سعر الدولار.

في مثل هذه الأيام ومع إقتراب عيديْ الميلاد ورأس السنة وما يواكبهما من شراء هدايا وثياب جديدة، يتضاعف عمل هذه المحال التجارية. واللبنانيون يحبون الموضة ويحاولون قتل الإنهيار الإقتصادي بشراء ما هو متوافر للحفاظ على أدنى مقومات العيش بأناقة. لكنه حتماً مشهد جديد على اللبنانيين غير المعتادين على هذا النمط، ويبدو انه سيستمر طويلاً كلما إزداد إنهيار سعر الليرة.

الراي الكويتية

يقرأون الآن