كان العام 2022 من أخطر الأعوام التي مرّت على لبنان منذ قيامه بحدوده الحالية في العام 1920 ومنذ اعلان الاستقلال في العام 1943.
بل يمكن اعتبار العام 2022 أخطر ما مرّ فيه لبنان على الإطلاق بعدما تبيّن أن لا مجال لإي اصلاح من أي نوع وان النزيف البشري مستمرّ عن سابق تصور وتصميم بهدف تغيير طبيعة المجتمع اللبناني تغييرا نهائيّا وكلّيا.
مثلما حصل تغيير لطبيعة المجتمع الشيعي في لبنان، بات مطلوبا الآن أن يشمل هذا التغيير المجتمع كلّه بكل طوائفه ومناطقه في ظلّ لامبالاة دولية وعربيّة في الوقت ذاته.
ينظر العرب، بشكل عام إلى لبنان كدولة ساقطة عسكرياً وسياسياً في يد «حزب الله»، أي ايران. تعوّد العرب العيش من دون لبنان الذي لم يعد لديه ما يصدره غير حبوب «كبتاغون» والمخدرات.
استغنوا عن لبنان، القاعدة الإيرانيّة، ولم يستغنوا عن العقول اللبنانيّة المرحب بها في معظم دول الخليج العربي في ضوء الخبرات التي تمتلكها. لم تعد من حاجة عربيّة إلى لبنان، من زاوية الجغرافيا، ما دامت العقول اللبنانية تأتي إلى دول الخليج التي صارت احد الملاجئ الأخيرة لهذه العقول ولذوي الخبرات.
استطاع الحزب الإيراني بواسطة ما يمتلكه من سلاح وإمكانات مختلفة تحويل لبنان إلى قاعدة معادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة.
يبقى الدليل الأبرز على ذلك أن بيروت باتت، بعد صنعاء، أهمّ ثاني مدينة للحوثيين (جماعة انصار الله) في اليمن.
لدى هؤلاء حريّة التحرك إلى بيروت ومنها. لدى «جماعة انصار الله» ايضا محطة فضائية تبث من العاصمة اللبنانيّة بحماية «حزب الله» وبعلم الدولة اللبنانيّة التي لا تستطيع شيئا حيال هذا الواقع.
كلّ ما تستطيعه الدولة التفرّج على تحوّل لبنان إلى مجرد «ساحة» تستخدمها ايران في خدمة اهداف خاصة بها على صعيد افراغ البلد من كل مقومات الحياة وعزله عن العالم العربي، خصوصا الخليج، وعن العالم المتحضر عموما على الصعيد الخارجي.
لا يفوّت حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله» فرصة إلّا ويستغلها لتذكير اهل الخليج بأن لبنان طرف في الحملة الإيرانيّة التي يتعرّضون لها وأنّه مجرّد ورقة من الأوراق التي تمتلكها «الجمهوريّة الإسلاميّة» الإيرانيّة.
لا مشكلة لديه إذا كان ذلك يسيء إلى أبناء العائلات اللبنانيّة الذين يعملون في هذه الدولة العربيّة أو تلك. كلّ ما في الأمر أن اجندة «الجمهوريّة الإسلاميّة» ومتطلبات مشروعها التوسّعي، ببعده المذهبي، فوق كلّ اعتبار آخر.
دوليا، لم يعد لبنان مهمّا سوى من ناحية واحدة هي حماية إسرائيل. كان العام 2022 مفصليا إذا أخذنا في الاعتبار أنّه كان عام اغلاق آخر جبهة عربيّة مفتوحة مع إسرائيل، أي جبهة جنوب لبنان.
اختارت الولايات المتحدة في نهاية المطاف عقد اتفاق مع ايران في شأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. لم يكن ذلك ممكنا لولا موافقة «حزب الله» على الاتفاق وتقديمه كل الضمانات المطلوبة إسرائيليا.
ستستغل إسرائيل حقل قاديش، فيما ليس ما يضمن وجود الغاز في حقل قانا اللبناني الذي ستحصل إسرائيل على نسبة معيّنة من عائداته بموجب اتفاق بينها وبين شركة «توتال انيرجي» الفرنسيّة.
المخيف في ما يخصّ ترسيم الحدود البحريّة أنّه بات هناك اعتراف اميركيّ بأن «حزب الله» يمثل السلطة الحقيقيّة في لبنان.
ليس معروفا بعد هل ستتعامل الإدارة الأميركية مع الأمر الواقع اللبناني الجديد، أي الاحتلال الإيراني، مثلما تعاملت في الماضي مع امر واقع يتمثل في الاحتلال السوري الكامل للأراضي اللبنانية بعد 13 أكتوبر 1990؟
لم يكن الرئيس السابق ميشال عون وصهره جبران باسيل، اللذان وُقّع الاتفاق في عهدهما، سوى واجهة استخدمت بطريقة جيّدة لتمرير الاتفاق.
لا يمكن الجزم بعد هل وافقت اميركا على الوصاية الإيرانية على لبنان. ثمّة شكوك في ذلك، إذ يبدو أن «حزب الله» لم يتمكن، أقلّه إلى الآن، من الحصول نهائيا على العائد السياسي الذي كان يتوقعه من اتفاق، هو الأوّل من نوعه، يضمن الأمن الإسرائيلي من جهة ويؤمن وصول الغاز من حقل قاديش إلى أوروبا من جهة أخرى.
فعدم حصوله على العائد سبب الاعتداء الأخير على الوحدة الإيرلنديّة العاملة في جنوب لبنان ومقتل احد عناصرها...
يوجد فصل أخير في المأساة اللبنانية التي معروف متى بدأت وليس معروفا متى يمكن أن تنتهي. بدأت مع توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 ولن تنتهي سوى في تغيير كبير على الصعيد الأقليمي. مثل هذا التغيير مرجح مع تدهور الوضع الداخلي في ايران. سيحصل التغيير عاجلاً أم آجلاً في ايران، خصوصا أنّه بات واضحا أن النظام القائم مرفوض من الشعب الإيراني باكثريته الساحقة. لم تعد الثورة الشعبيّة التي تشهدها ايران، منذ وفاة الفتاة الكرديّة سمها اميني قبل ثلاثة أشهر، مقتصرة على قوميّة معيّنة، مثل الأكراد. باتت تشمل كلّ القوميات، بمن في ذلك الفرس والآذريون، إضافة إلى العرب والبلوش.
لم يعد النظام الإيراني في وضع يسمح له بالاستمرار من دون ممارسة القمع بابشع صوره. لكن من بين الأسئلة المطروحة تلك المرتبطة بالمدة التي سيحتاج إليها الإيرانيون للتخلص من الكابوس الذي زاد عمره على أربعة عقود.
أمّا بالنسبة إلى لبنان، هل سيبقى شيء منه عندما ينتهي حكم رجال الدين و«الحرس الثوري» في ايران؟ هل سيبقى شيء من لبنان بما يسمح بإعادة ترميمه؟
الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان. هذا ما كشفه العام 2022 الذي بيّن قبل كلّ شيء أن «حزب الله» هو اختزال للثنائي الشيعي، فيما السنّة في حال تشرذم في وقت لا يعاني فيه المسيحيون من فقدان دورهم على الصعيد اللبناني فحسب، بل من نزيف الهجرة الذي سيجعل منهم في المستقبل القريب مجرّد اقلّية لا تشبه، في أحسن الأحوال، سوى وضع سنّة العراق.
خيرالله خيرالله - الراي الكويتية