اخترقت صورة السيدة التي تحمل العلم اللبناني، المشهد من وسط ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، فشعر كل لبناني أنّه يشارك في وداع البابا فرنسيس، الذي أحبّ لبنان وشاركه همومه وأزماته، وذكره مراراً في صلواته طوال فترة حبريته.
على المستوى الشعبي، تقاطر أبناء الجالية اللبنانية من داخل إيطاليا وخارجها، للمشاركة في مراسم الوداع الأخير للحبر الأعظم الراحل، بينهم وفد لبناني كبير من أستراليا.
وعلى المستوى السياسي، سُجّل حضور لافت لرئيس الجمهورية جوزاف عون والسيدة الأولى نعمت عون، اللذين ألقيا نظرة الوداع على جثمان البابا فرنسيس في نعشه يوم الجمعة، ومثّلا لبنان في مراسم الدفن، يوم السبت.
وعلى هامش الجنازة، كانت مصافحات وتبادل لأطراف الحديث بين الرئيس عون وعدد من قادة وزعماء الدول، أبرزهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، رئيس مجلس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، وغيرهم.
سفير لبنان لدى الفاتيكان غدي خوري أكد لـ"نداء الوطن" أنّ هذه اللقاءات لم تكن مجرّد أحاديث جانبية هامشية، بل تناولت، ولو سريعاً، ملفات لبنان الاقتصادية والسياسية، وكشف أنّ الزيارة تخلّلها اتّصالين أو ثلاثة على قدر كبير من الأهمية، لكن لا يمكنه الإفصاح عن تفاصيلها ومضمونها، كون هذا الأمر يعود لرئاسة الجمهورية.
وأضاف السفير خوري أن الرئيس عون حظي باستقبال لافت من قبل رئيس حكومة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، الذي رحّب به بحماسة لافتة وعاطفة كبيرة، وبحث معه شؤون لبنان بشكل مفصّل وعميق.
هذا ما يجمع البابا الراحل بلبنان
لم تسمح الظروف للبابا فرنسيس بزيارة لبنان، طوال 12 عاماً من حبريته، ولكن هذا البلد الصغير بمساحته والكبير بأهميته، كانت له مكانة خاصّة في قلبه، ولطالما أراد ضمّه إلى لائحة الدول التي جال فيها.
ويقول سفير لبنان لدى الفاتيكان، إنّه ليس من باب الصدفة، أن يسلّم البابا الراحل أعلى مركز كنسي في الفاتيكان لشخصية لبنانية، هي المونسنيور ميشال جلخ الذي يتولّى مهام السكرتير العام للكنائس الشرقية، إلى جانب الكثير من اللبنانيين الذين يتولّون مراكز مرموقة في الفاتيكان.
بحسب السفير خوري، فإنّ الحبر الأعظم، الذي كان شديد التعلّق بالقديس شربل منذ مرحلة شبابه، جمعته علاقة متعدّدة الأوجه مع بلاد الأرز، الذي كان يعتبره رسالة سلام في المنطقة وتجربة تعايش بين الأديان والحضارات.
تابع: النقطة الأخرى، أنّ لبنان يملك النسبة الأكبر من المسيحيين بين دول الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي تشهد انخفاضاً ملحوظاً بأعداد المسيحيين فيها، خلافاً لكل دول العالم. كما أنّه البلد الوحيد في المنطقة الذي يلعب فيه المسيحيون دوراً قيّماً وفعّالاً في النظام السياسي، عدا عن أنّ الكنيسة الكاثوليكية، مقتنعة بأنّه إذا كان مسيحيو لبنان بخير يكون مسيحيو المنطقة بخير.
حرص البابا فرنسيس على مسيحيي لبنان، بحسب السفير خوري، يشبه حرصه على مسيحيي الأرجنتين وأستراليا وروسيا وغيرها من الدول، من دون أن ننسى اهتمامه بأبناء الطوائف كافة في كل بقعة من هذه الأرض، وخصوصاً من الفقراء والمرضى والمستضعفين والمهمّشين، وهذا ما يفسّر زياراته إلى دول لا وجود للمسيحيين فيها بحسب "نداء الوطن".