على هامش أكثر من زيارة لموفد أوروبي قصد بيروت ما بين عطلتي عيد الميلاد ورأس السنة فتح نقاش كان لا بد منه للمفاضلة بين الأسماء المطروحة للرئاسة وما تمثله كرمز من الرموز وما نسب إلى أي منهم من انتماء الى هذا الفريق او ذاك، والمواصفات المطلوبة للرئيس العتيد للجمهورية بغية التوصل الى اي صيغة تفتح الحديث عمن هو مطلوب للمهمة التي تحتاجها الأزمة اللبنانية.
وتعترف مراجع سياسية وديبلوماسية عبر "المركزية" بأنها اطلعت على جانب من المناقشات التي شهدتها بعض الزيارات بان المقارنة انطلقت مما يمكن ان تنتجه التحالفات اللبنانية المتكافئة دون قدرة أي من الأطراف للحصول على الاكثريتين المتحكمتين بالاستحقاق الرئاسي بالثلثين المطلوبة لانعقاد الجلسات والنصف زائد واحدا ان انتقل المجلس الى اولى الدورات التي تلي الجلسة الانتخابية الاولى بعدما فشل المطالبون بتغيير قواعد اللعبة التي يديرها رئيس مجلس النواب وفق الأسس المعتمدة استنادا الى الاعراف والسوابق التي يمكنه أن يتحدث عنها بإسهاب.
ومرد هذه المعادلة الى ان الرئيس بري هو من يدير اللعبة الرئاسية منذ العام 1992 وهناك تجارب عدة متناقضة سجلت خلالها أكثر من عملية خرق للدستور الذي استبيح في أكثر من محطة. فقد بنيت قرارات مختلفة وخطوات على أساس وجود القوة القاهرة او قوة الأمر الواقع ان عادت تلك القوة أكثر من مرة الى "الوصاية السورية" او الى تلك التي عبرت في ظل تفاهمات سياسية وضع فيها الدستور على الرف العالي ولم يطلبه أحد للبحث في مواده على الرغم من ثبوت ومعرفة حجم الخرق المرتكب ونتائجه الكارثية ان القيت الأضواء عليه.
لم يكن الموضوع الرئاسي الوحيد الذي شغل الموفدين الاجانب، فالى جانب هذا الملف الذي بقي على هامشيا حضرت ملفات أكثر شمولية وصفت بأنها تناولت امكان احياء دور الدولة واستعادة مقوماتها البديهية. وان عاد المراقبون الى الزيارات التي التي قام بها اولا وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي نائب رئيسة الحكومة الإيطالية أنطونيو تاياني عشية العيد على المسؤولين اللبنانيين في أول زيارة له للبنان بعد تشكيل الحكومة الإيطالية الجديدة برئاسة جورجيا ميلوني. قبل ان يزورنا ما بين العيدين وتحديدا في الثامن والعشرين من الشهر الحالي رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في زيارة رسمية وثالثهم كان وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو عشية رأس السنة. وان التقت هذه الزيارات الثلاثة على مهمة تفقد قوات بلادهم في "اليونيفيل" فان ملف رئاسة الجمهورية لم يغب عن الزيارات المتتالية حيث ناقشوا مع كل من رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي المعوقات التي تحول دون انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية في تطور قاد إليه البحث في جريمة الاعتداء على دورية القوة الايرلندية وانتهى الى مقتل احد جنودها في سياق البحث عن حال السلطات والتسيب الامني وانتشار السلاح غير الشرعي والشلل الذي اصاب المؤسسات وما آل اليه وضع القضاء.
وانطلاقا من هذه المناقشات، صمت آذان للبنانيين من الدعوات المتكررة للإقدام على انتخاب الرئيس كخطوة اولى لا بد منها لاعادة ترميم المؤسسات الدستورية واكتمال عقدها. فالخلافات الناجمة عن وجود حكومة تصريف الاعمال تظهر أنها عاجزة عن القيام بمهامها وسط الجدل المحيط بالدعوة الى عقد جلسة لها للبت ببعض الامور بعدما تمدد الخلاف الى لائحة الأولويات التي يحتاجها البلد في وقت تزامن مع حاجته الى كل شيء وخصوصا ان مجموعة من المؤسسات والادارات العامة والهيئات المستقلة توقفت عن تأدية خدماتها البديهية وهو امر ينعكس على حياة اللبنانيين بمختلف وجوهها.
وبناء على ما تقدم فقد انتهت هذه الزيارات الى ما لم يرده أحد منهم، فسفراؤهم في بيروت ناشطون على مختلف الاصعدة وسبق لهم ان نصحوا بعدم الخوض في الكثير من التفاصيل اللبنانية الداخلية. وخصوصا بما يتصل بالاعتداء على قوة "اليونيفيل" مرفقة بنصيحة لترك الملف بيد الجيش والقضاء العسكري. ومرد ذلك أن من بين من التقوهم من تورط محازبوه في جريمة القتل ولم يسبق أن يسلم أي مطلوب للمراجع القضائية والعسكرية وهو ما ترك انطباعا سلبيا لدى الموفدين الى درجة حملوا معهم الى بلادهم الكثير من الإنطباعات السلبية عن الوضع في لبنان إلى درجة اعتبر فيها احدهم ان لبنان يحتاج الى رجال دولة وقضاء مستقل وإدارة فاعلة خالية من الفساد والمحسوبية.
عند هذه الملاحظات وغيرها، انتهت زيارات هؤلاء الموفدين الى بيروت لتتلاقى مع الكثير من الشهادات التي أعطاها مندوبو المؤسسات المالية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول والهيئات المانحة التي دفعتهم إلى الاكتفاء بما يقدمونه حتى اليوم من دعم في المجالات الانسانية والاجتماعية والصحية والتربوية بعد الامنية والعسكرية لعل هناك ما يمكن أن يطرأ لاحياء الحياة السياسية في لبنان وقيامة الدولة الصعبة بما هو متوفر حتى اليوم وإلا فان باب المفاجآت سيبقى مفتوحا على ما لا يرغب به أحد من الداخل والخارج.
طوني جبران - المركزية