لبنان

لِم لا يدعو ميقاتي الحكومة ببند وحيد؟

لِم لا يدعو ميقاتي الحكومة ببند وحيد؟

يعتقد البعض ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يتردد حيال الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء ببند وحيد يتعلق بالكهرباء والبواخر التي تكلف لبنان يوميا الوف الدولارات بما يؤدي لخسارته على نحو اضافي في وقت صعب وكارثي فيما ان في امكانه ان يحرج المعارضين او المعترضين على ذلك وتحميلهم مسؤولية ما يتسببون به للشعب اللبناني.

ويعتبر هؤلاء ان ميقاتي لهذه الجهة يملك صلاحية لا يود منها استفزاز الاخرين ولكن يصعب كذلك عدم ممارسته ما كفله له الدستور بحيث يخدم القوى المعارضة لاجتماع مجلس الوزراء بحجج مختلفة في هذا المجال. فاذا استلزم الامر اجراء اتصالات متعددة لهذا الغرض بما فيه مع الكنيسة المارونية باعتبار انها جارت اخيرا التيار العوني في زعمه الدفاع عن صلاحيات الرئاسة الاولى ولكنها اغفلت حاجات الناس وتردي اوضاعهم في موازاة ذلك، فيجب القيام بها. ويعزو البعض تردد ميقاتي الى عدم الاقتناع بانه يتمتع بموقع مهم بحيث لا يزال يحتاجه الجميع فيما انه لا يستفيد من ذلك. وهي الحال بالنسبة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعد راهنا الرجل السياسي الاقوى في لبنان انما من دون توظيفه ذلك لاخراج البلد من مراوحته القاتلة لاعتبارات مختلفة.

ولكن التركيز على ميقاتي يتصل بواقع ان فرصته راهنا مهمة وقد لا تتكرر تسميته لرئاسة الحكومة المقبلة مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولوقت طويل جدا . ولذلك فان عدم استفادته من الفرصة راهنا ان من خلال السعي الى خطوات محددة او من خلال شرح ما يجري جديا للناس ومصارحتهم بالاسباب الحقيقية للعرقلة ، من شأنها ان تبقيه مقيدا ويتحمل المسؤولية في الوقت نفسه. والواقع بحسب مطلعين ان ميقاتي يشعر بنفسه مقيدا او مكبلا من الجانب المسيحي في شكل خاص في ظل حملات متاحة واسعا امام التيار العوني الذي اعتمد طيلة مسيرته السياسية التخاصم مع رؤساء الحكومات فيما ان القوى المسيحية الاخرى لا تبادله العداء ولكن لا تبادله الدعم كذلك لا سيما في ظل الموقف الاخير للمطارنة الموارنة الذي بدا منسجما مع الدفاع عما يعتبره صلاحيات رئاسة الجمهورية التي بدت متقدمة في رأي المجلس على مآسي الناس واحوالهم المتردية.

وهذا يعود في جزء كبير ليس الى نقص التواصل من ميقاتي بل الى تجاهل شرح الامور الى الرأي العام فيما ان موضوع الكهرباء واي انجاز فيه ايا يكن يشكل رافعة مهمة له نظرا للاستنزاف الذي يتعرض له اللبنانيون جميعا نتيجة لذلك . وكون ميقاتي يواجه ذلك نتيجة المخاوف التي يعبر عنها القطاع المصرفي والقطاعات المتصلة باعتبار انها تمس الطوائف المسيحية اكثر مما تمس الطائفة الشيعية التي ليس لديها الكثير في هذه القطاعات لا يعني معالجة متدرجة او معدومة للوضع وفق ما يجري. فالدستور الى جانب حكومة تصريف الاعمال وكذلك شؤون الناس التي تتطلب رعاية ومتابعة لا سيما مع استمرار الشغور الرئاسي ، لا سيما ان الامور بدأت تتفلت على مستويات عدة في البلد.

وليس من مانع مبدئي يحول دون خوض رئيس الحكومة مغامرة ذلك ببند وحيد او بندين ملحين يحرج من خلالهما كل القوى المشارمة في الحكومة فيما ان مسؤوليته وواجبه يمليان عليه ذلك وليس خصومته مع اي فريق سياسي . ومفهوم ان لا ميقاتي ولا حتى الثنائي الشيعي في وارد ان يظهر اي منهما في موقع من يحاول ان ينتقص او يقتنص صلاحيات الرئاسة الاولى فيما ان واجبهم كما واجب الجميع التوجه الى انتخاب رئيس جديد، ولكن حملة اتصالات ومساع هادفة لمنع المزيد من الاستنزاف قد تؤتي ثمارها لجهة وضع الامور في نصابها الصحيح لا سيما ان ليس من مصلحة الطائفة المارونية او مرجعياتها السياسية والروحية ان تظهر في موقع التعطيل لادارة شؤون البلد بالحد الادنى، وان كان يناسب الامر البعض من هذه القوى لاعتبارات ذاتية وسياسية مصلحية، فيما يتداعى البلد اكثر فاكثر ويهاجر المزيد من اينائه من كل الطوائف لا سيما منهم من المسيحيين. وفهم في ضوء الاتصالات الاخيرة مع الثنائي الشيعي عدم حماسة الحزب لانعقاد الحكومة فيما كان التيار العوني رفع السقف بالتهديد بتسمية مرشحين للرئاسة الاولى اي تراجع الورقة البيضاء في عملية الانتخاب فيما راج انه لن يجرؤ على ذلك اذا لمس امتناعا من الحزب عن دعم انعقاد جلسة لمجلس الوزراء.

ثمة تفلت وحاجات ملحة للبنانيين من مطمر الناعمة الى موضوع الكهرباء وشؤون عدة تفرض على ميقاتي الدعوة الى مجلس للوزراء ببند وحيد او بنود معدودة. فكل المشاركين في الحكومة وليس التيار العوني وحده من سيتحمل المسؤلية ازاء مجاراته في ذلك فيما ان اللبنانيين يعانون الكوارث ولا من يسأل.

وهذا يثير تساؤلا اساسيا في ما اذا كان تعطيل حكومة تصريف الاعمال ومنعها من بت اي موضوع تحت عنوان الحؤول دون ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية يمكن ان يشكل ضغطا حقيقيا على القوى السياسية من اجل المسارعة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية ام ان هذا التعطيل يستفاد منه من البعض من اجل تعزيز الاوراق للمرحلة المقبلة وحجز المزيد من المكاسب وتاليا المساومة على موقع الرئاسة والمرحلة المقبلة؟

مشكلة الحكومة حتى قبل تحولها الى حكومة تصريف للاعمال انها لم تشرح على نحو كاف لا خطتها الاقتصادية ولا البرنامج مع صندوق النقد الدولي واي من خطواتها السابقة المتعلقة بالاصلاحات وهي عاجزة عن ذلك راهنا كذلك. وحتى الرئيس ميقاتي الذي شرح سابقا لوفود دولية خطة الحكومة من زيادة التعرفة والمنافع التي يمكن ان تعود على المواطن ازاء ما يدفعه الى المولدات الخاصة لم يبادر الى شرح كل ذلك الى الرأي العام اللبناني من اجل اجتذابه الى دعمه، وذلك علما ان الزيادات التي باتت تفرضها الدولة تمر مرور الكرام وليس كما حصل بالنسبة الى الضريبة التي كانت مزمعة على الواتساب وفجرت انتفاضة 17 تشرين الاول 2019.

ميقاتي مزمع حتى الان على الدعوة الى جلسة للحكومة. و ما لم يملك المعطيات الكافية عن امكان انتخاب رئيس جديد في المدى المنظور، فان المأزق قد يكبر وسيتحمله هو بمقدار اكبر مما يتحمله الاخرون ربما.


روزانا بو منصف - النهار

يقرأون الآن