لبنان

أزمة مياه... وتخوّف من تفشّي الأوبئة!

أزمة مياه... وتخوّف من تفشّي الأوبئة!

يستمر الإنقطاع التام للتيار الكهربائي عن محطاتها الرئيسية التي تحتاج لضخّ المياه وهي محطات الضبية وجعيتا ومجمع آبار الدامور والناعمة والمشرف، ما ينعكس تلقائيًا إنقطاعًا للتغذية بالمياه عن مناطق المتن العالي والساحلي وبرج حمود والأشرفية وبرج أبي حيدر وتلة الخياط. والموضوع لا يقتصر فقط على أهالي هذه المناطق، بل أيضًا على أهالي البقاع وكسروان ودرعون وغوسطا، الذين يناشدون المسؤولين لأنّ المياه مقطوعة منذ فترةٍ طويلةٍ، ولا من أحدٍ يُبالي، وغالبًا ما يكون العذر بعدم إمكانيّة تغطية الميزانيّة.

وكل هذه المعاناة تتكرّر وتنهك الأوضاع الماليّة والصحّيّة المرتبطة بوبائي كورونا والكوليرا، هذا ما يؤدّي إلى صرف جزء من مداخيل المواطن اللبناني الضئيلة لشراء مياه غالبًا ما تكون غير معقّمة.


لا مياه ولا كهرباء


يؤكد الاستاذ ايلي، أحد سكّان غدير- جونيه للدّيار، أنّه ومنذ عامٍ تقريبًا وأهالي المنطقة يعانون من انقطاعٍ للمياه. ويُتابع: عشيّة ليلة الميلاد عام 2022 وصولًا لليلة عيد الميلاد 2023 ونحنُ على الحال نفسه. لا أذكر من سهرة العام الماضي سوى المياه المقطوعة التي أجبرتنا على تناول العشاء بصحون البلاستيك، وذلك بسبب الإنقطاع التامّ للمياه. وكل ما أفعله لأولادي وزوجتي حتّى اللحظة، هو تأمين المياه للمنزل، إن وجد. كيف؟ من خلال طرمبة خاصّة لبيتي تضخّ المياه وتجعل قوّته أقوى مرّتين في خزّاننا. ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود أي قطرةٍ من المياه، وذلك في الكثير من الأحيان.

وعن مياه الشرب قال: لا أتذكّر أنّنا رأينا مياها الشّرب منذ عامٍ وأكثر، وما أثار حزني ودهشتي أنا وصاحبي، هو ما حصل معنا ليلة أمس في ضبية. غالبًا ما كنّا نؤمّن مياه الشرب من اوتوستراد ضبيه، وهو المكان الوحيد الذي كنت أروي عطش أولادي منه. ومنذ أربعين عامًا وهو يُسعفني، لكن اليوم حزنت من انقطاع المياه حتّى في هذا المكان، ونحن في أشدّ أزمتنا. وبات غالون المياه بـ40 ألف ليرة لبنانيّة، وهذه مشكلة حقيقية لأنّ الميزانية لا تسمح بشراء غالونين على الأقل يوميًا. ضف إلى ذلك، البنزين الذي سأصرفه من جونية حتّى ضبية لتأمين المياه، أيضًا تكاليف نحاول قدر المستطاع الابتعاد عنها.

ويختم ايلي: المشلكة ليست فقط في عدم تأمين المياه وانقطاعها، ولا حتّى في الغلاء المعيشي، المشكلة الكبيرة أنّنا اليوم نعيش أزمةٍ بيئيّةٍ صحيّةٍ نتيجة انتشار وبائي كورونا والكوليرا، ومن دون استخدام المياه في منازلنا، كيف يبدو الحال؟ طبعًا كارثي. لذلك نُناشد المسؤولين بالتّحرّك فورًا، لأنّ بلدنا لبنان لم يعد قادرًا على تسكير البلاد واستقبال مرضاه في مستشفياته التي تُنازٍع.

وفي حديثه لـ «الدّيار»، يؤكّد جان يوسف جبران، مدير عام مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أنّ المياه هي حياة وهي أهم عنصر في الحياة. ولولا ابتكار الحلول السّريعة من تقسيم المشاكل وهي كثيرة، من الانقطاع الحاد في التيار الكهربائي ومن غلاء مادّة المازوت وجنون الدولار الذي أصبح صعب جداً العمل به، أو تسديد ثمن قطع غيار للمولدات أو المحطات وغيره.

وأضاف: تكوّن الإحباط القاتل عند العمال والموظفين في القطاع العام هو نتيجة هبوط المعاشات وغلاء المحروقات وإلى ما هنالك. وما زالت المؤسسة تصارع الانهيار وتأمين الحد الأدنى من المياه للمشتركين على أمل الاستقرار السياسي والمالي في البلد.

وختم جبران: كما دائماً نقول إنّ المياه موجودة في مصادرها والصّعوبة هي في نقلها الى المواطنين بسبب كل ما ذكر سابقًا.

وفي هذا الإطار، يُشير الطبيب شادي بشارة للدّيار، أخصائي أمراض جرثومية ومعدية، إلى أنّ انقطاع المياه يؤدّي إلى نتيجتين: الاولى لها علاقة بنظافة الجسد، والثانية لها علاقة بالتهاب الأمراض الجرثوميّة التي تنتقل من خلال الاحتكاك، كالسلام على بعضنا البعض، وهنا نتكلم عن كل الفيروسات والبكتيريا التي تنقل من خلال الـcontact هذا طبعًا سيسبب نقل المرض. لذلك، وبغضّ النّظر عن نوعيّة المرض أو نوعيّة البكتيريا، مثل كورونا والكوليرا، بما أنّ هذه الأمراض تنتقل عبر اللمس، لذلك وبشكلٍ مأكّدٍ عندما تخفّ النّظافة وغسيل اليدين بسبب انقطاع المياه، هذا ما سيسبب بتفشي الأمراض الجرثوميّة.

وعن معالجة هذا الأمر، اعتبر د. بشارة أنّ من شأن الدّولة ومسؤولياتها، تأمين المياه للمواطنين وبالتّالي تأمين الكهرباء، لأّنه وعند انقطاع الكهرباء، بطبيعة الحال ستنقطع المياه، وهذه مسؤولية الدّولة وهنا تكمن العدوى.

وعن سؤال لأيّ درجة ممكن أن يزيد انقطاع المياه في لبنان من انتشار وباء الكوليرا، قال: علينا معرفة أنّ هنالك طريقتين لانتشار هذا الفيروس، أولًا هذا النوع من البكتيريا يعيش في مياه الصرف الصحي، إذًا كل ما يمكنه أن يلوّث مياه الصرف الصحي سينشر المرض تلقائيًا، يليها الاشخاص الذين شربوا من هذه المياه أو أكلوا خضارا مزروعة من الأرض ومسقية بمياه الصرف الصحي، يمكن أن يسبب في انتقال هذا المرض لهم. وثانيًا الاحتكاك بين شخصين، كمثلًا مصابٌ في هذا المرض، قضى حاجته في الحمام من دون أن يغسل يديه، واحتكّ بشخصٍ آخر، ممكن أن ينقل له هذه البكتيريا. لذلك، عادةً ما تكون النظافة المنزلية سببًا في تخفيف هذه العدوى أو انعدامها ما بين الشخص المُصاب وبقية أفراد العائلة، لأن المُصاب قام بتنظيف يديه وتطهير الحمام. أما في حال قلة النظافة، نتيجة انعدام المياه، هنا نسبة العدوى بين الاشخاص سترتفع لأن النظافة الجسدية ستخفّ.

وبالنسبة للحلول، أكّد الدكتور بشارة أنّ اليوم وزارة الصحة تعطي التلقيحات للأشخاص بنسبةٍ لا بأس بها، لاسيّما لسكّان المناطق التي نسبة الكوليرا فيها مرتفعة، كالمخيّمات والمنطاق المجاورة لها. وهذه الطريقة الوقائية الصحيحة والسبيل الوحيد للتّخفيف من انتشار المرض.

وختم: اعتقد أنه أصبح هنالك نوع من الحصر لانتشار وباء الكوليرا خلال الفترة الأخيرة، عكس ما يحصل اليوم في انتشار وباء الكورونا وطبعا حالة كورونا لها خاصيّتها، فهي تختلف عن كوليرا والتي هي العدوى ليس فقط باللمس أنما بالطريقة التنفسية أيضًا، وهذه معضلة ثانية غير موجودة مع الكوليرا. والتطعيم هو السبيل الوحيد للتخفيف من انتشار الوباء.  


مارينا عندس - الديار

يقرأون الآن