يجتاز لبنان أصعب وأدقّ مرحلة في تاريخه المعاصر سياسياً وأمنياً واقتصادياً في ظل غياب الدولة ومؤسساتها وعلى وقْع تنقّل الأحداث والتطورات الأمنية المتسارعة وسط اشتباك قضائي وصراع الأجهزة الذي تبدّى بوضوح من خلال ما جرى مع الناشط وليم نون، اذ يرى بعض المتضلّعين من السياسة أن روائح رئاسية اشتُمّت نتيجة ما حصل، بمعنى قطع الطريق رئاسياً على قائد الجيش العماد جوزف عون، ومحاولة ضرب صورة المؤسسة العسكرية في إطار تصفية الحسابات والمعركة الرئاسية، الى عناوين أخرى قضائية وسياسية. والأمور تسير باتجاهات تصعيدية على كل المستويات وما بينها من مساعٍ جارية على قدم وساق دولياً وعربياً عبر محاولات لإنقاذ لبنان تجنباً للأسوأ.
ولوحظ ان ثمة دعوات بدأت تُطلق لتفعيل هذا الحراك، الأمر الذي أشار اليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قبل خراب البصرة.
في غضون ذلك، لا بدّ من الإشارة الى أهمية البيان الذي صدر عن اجتماع لجنة المتابعة والتشاور السياسي على المستوى الوزاري بين المملكة العربية السعودية ومصر حيال مسائل دولية وعربية، اذ كانت للبنان حصة أساسية من خلال ما صدر عن اللجنة عبر وزيري خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان ومصر سامح شكري، حيث شدّد الجانبان على أهمية أمن لبنان واستقراره ودعوة القوى السياسية الى تحمّل مسؤولياتها لتحقيق المصالحة الوطنية والإسراع في انهاء الفراغ الرئاسي واستكمال الاستحقاقات الدستورية ذات الصلة.
وتقول مصادر سياسية متابعة لهذه المساعي عبر "النهار" إن ثمة قلقاً مشتركاً لدى البلدين حيال ما يحصل على الساحة اللبنانية والذي يُنذر بعواقب وخيمة أكان على صعيد الشغور الرئاسي أم على خط ما يعانيه البلد من ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة، إضافة الى تدخّل إيران في شؤونه الداخلية وعلى المستوى العربي عموما، ما يُحتم ضرورة التحرك الفاعل وتكثيف الجهود الديبلوماسية لخروجه من أزماته.
وتضيف أن عبارة استكمال الاستحقاقات الدستورية ذات الصلة، تشي بأنّ ما تقوم به الرياض والقاهرة وباريس والمعنيون بالملف الداخلي، يكمن في ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية والتوافق على رئيس الحكومة والحكومة، أي ضمن سلّة كاملة منعاً لفراغات أخرى.
وتكشف المصادر عينها أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد حراكاً ديبلوماسياً مصرياً وسعودياً فاعلاً باتجاه واشنطن وباريس من دون استبعاد زيارة بيروت من قِبل وزير الخارجية المصري في ظل متابعة وتلازم من الجامعة العربية. وفي هذا الصدد لا تخفي أكثر من جهة ديبلوماسية عربية وخارجية قلقها من الدور الإيراني، اذ لفتت الى أن زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الى بيروت واجتماعه بالأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله ومسؤول "الجهاد الإسلامي" والتنظيمات الموالية لطهران، انما هي للقول للمجتمع الدولي إن إيران تُمسك بالورقة اللبنانية وتستعمل هذا البلد ساحة ومنصة لفرض شروطها وقادرة على تعطيل كل الاستحقاقات في حال استمرار العقوبات عليها.
في موازاة ذلك، يقول عضو "اللقاء الديموقراطي" النائب مروان حماده لـ"النهار": "إننا لم نفاجأ بالدورين المصري والسعودي لمساعدة لبنان، فمصر العروبة لها باع طويل في الوقوف الى جانب لبنان ومساعدته، والأمر عينه للخليج العربي وفي طليعته المملكة العربية السعودية، ولم ننسَ ديبلوماسية الراحل الكبير وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أو جراح السفير الفريق علي الشاعر، الى جانب السفير الكويتي عبد الحميد البعيجان، عندما تعرضت الطوافة التي كانت تقلهما لإطلاق نار في إطار مساعيهما لوقف الحرب في لبنان"، مؤكداً أن "عمقنا وتاريخنا عربي، ولطالما كانت للقاهرة والرياض والأشقاء والأصدقاء أدوار خير لمساعدته".
ويُبدي النائب حماده قلقه ومخاوفه من الفتن المتنقلة "حيث البلد بات على شفير ثورة أكبر وأخطر بكثير من تلك التي حصلت في 2019 في ظل أدوات القمع وما تقوم به بعض الأجهزة صنيعة عهد الوصاية والنظام الأمني اللبناني – السوري الذي كان قائماً آنذاك"، محذراً من "أخذنا الى حقبة السبعينات والثمانينات، فالناس اليوم تعيش معاناة حقيقية اقتصادية واجتماعية ولا دولة ولا مؤسسات وشغور رئاسي مدوٍّ وتعطيل يمتد من طهران الى حلفائها في بيروت، وقد جاء معلمهم عبد اللهيان ليعطينا دروساً في الشفافية والديبلوماسية على وقْع مسيّراته وحوثييه وحشده الشعبي". ولكن عَود على بدء، يخلص حماده قائلاً: "نحن كنا وسنبقى مع مصر والسعودية والخليج العربي، فهذا تاريخنا، ولهذه الغاية نعوّل على مساعيها الهادفة الى مساعدة لبنان، وهم من كانوا الى جانبنا في السرّاء والضرّاء عندما كان البلد يحترق" .