دولار شباط قد يفوق الـ55000 ليرة

لم تعد تجدي إجراءات مصرف لبنان على صعيد ضبط انهيار العملة الوطنية وإن "مؤقتاً"، فالدولار يحلّق بفعل عوامل عدة تتجاوز بمخاطرها غياب السياسة النقدية والمالية الترقيعية. وليس صحيحاً أن مصرف لبنان ووزارة المال يسعيان فعلياً للجم انهيار العملة، لا بل يهندسان خطة متعددة الجوانب تستهدف الإبقاء على وضع تتوازي فيه عملية تآكل الليرة مع تذويب الودائع واقتطاعها بالقيمة نفسها مهما تغيّرت التعاميم وتبدّلت أسعار "اللولار".

لذلك، يحاول مصرف لبنان ووزارة المال، اللذان يغرّدان على الموجة نفسها، اتخاذ تدابير تواكب ارتفاع سعر صرف الدولار بما يحافظ على نسب الإقتطاع عينها من الودائع المصرفية. ورغم رفع سعر الدولار المصرفي من 8000 ليرة و12000 ليرة إلى 15000 ليرة غير أن مصرف لبنان حافظ على حجم الكتلة النقدية عينها المتواجدة في السوق بالليرة اللبنانية من خلال خفض قيمة سقوف السحوبات.

الإقتطاع 85 في المئة

ما الذي تغيّر بالنسبة إلى المودعين بين سعر الدولار المصرفي 8000 ليرة والـ15000 ليرة؟ عملياً، لم يطرأ أي تعديل على الإطلاق على قيمة أموال المودعين المسموح لهم بسحبها من ودائعهم المصرفية. فحين كان سعر صرف الدولار المصرفي (أو اللولار) 8000 ليرة كانت نسبة الإقتطاع من الودائع تقارب 75 في المئة بإعتبار أن سعر الصرف الحقيقي للدولار في السوق السوداء تراوح على مدار أشهر بين 25000 ليرة و35000 ليرة، أي بمعدل وسطي 30000 ليرة للدولار.

بدءاً من شهر شباط سيرتفع الدولار المصرفي (اللولار) إلى 15000 ليرة، في حين يبلغ سعر صرف الدولار الحقيقي اليوم 50 ألف ليرة ومرشّح للإرتفاع، ما يرجّح فرضية ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء إلى محيط 55000 ليرة و60000 ليرة خلال شهر شباط المقبل. وبذلك تكون نسبة الاقتطاع من الودائع المصرفية عادت إلى مستواها السائد في أغلب الأحيان عند محيط 75 في المئة.

من هنا يصبح من الواضح أن مسار ارتفاع سعر صرف الدولار لم يكن عبثياً، فيتسارع حيناً ويتباطأ أحياناً لكنه في نهاية المطاف يحافظ على نسبة المكاسب عينها للقطاع المصرفي ويرسّخ في الوقت عينه مستوى الإجحاف نفسه بحق المودعين وأصحاب الحقوق في المصارف. فمهما بلغت قيمة السحوبات من الودائع ومهما بلغت قيمة "اللولار" تبقى نسبة "الهيركات" نفسها.

ما المقصود بالـ15000 ليرة؟

لن تُحدث عملية رفع سعر الدولار المصرفي من 8000 ليرة (بحسب التعميم 151) و12000 ليرة (بحسب التعميم 158) إلى 15000 ليرة أي تغييرات عملية على واقع المودعين غير أنها ستُحدث تغييراً جوهرياً على المستوى النظري، قد يودي بما تبقى من حقوق للمودعين.

فإعتماد سعر لولار عند 15000 ليرة ليس عبثياً إنما هو أمر متعمّد يستهدف ربط دولار الودائع بالسعر الرسمي (الحالي) للدولار. فإعتمدت وزارة المال سعراً وصفته بالرسمي للدولار الجمركي وبعض الضرائب والرسوم وهو 15000 ليرة، في حين اعتمد مصرف لبنان بدوره على سعر الـ15000 ليرة بالسحوبات المصرفية على الرغم من وصف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سعر الـ15000 ليرة "سعراً رسمياً" بديلاً عن الـ1507 ليرات.

وليس ربط السحوبات المصرفية بالسعر الرسمي "المفترض" سوى لاستهداف تقليص حجمها أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة. فمنذ انطلاق الأزمة عام 2019 لم يرتبط سعر الدولار المصرفي اطلاقاً بالسعر الرسمي او الـ1507 ليرات، بل ارتفع من 2500 ليرة إلى 3900 ليرة ثم 8000 ليرة وبدءاً من شباط 15000 ليرة. والسؤال لماذا لم يحدد مصرف لبنان سعر السحوبات المصرفية بـ20 الف ليرة او 18 ألف ليرة على سبيل المثال؟ لماذا السعر الرسمي المعتمد في وزارة المال؟

ولا تقتصر عملية رسم مسار ارتفاع سعر الدولار على حساب الليرة، على تذويب الودائع المصرفية فحسب بل أنها ستطيح أيضاً بالزيادات التي أقرها مجلس الوزراء أخيراً لموظفي القطاع العام قبل نهاية العام 2022.

ولا بد من التذكير بأن مصرف لبنان قد أصدر أمس 3 تعاميم عدّل بموجبها سعر دولار السحوبات بالعملة الأجنبية، بدءاً من أول شهر شباط، ورفع السعر "نظرياً" من 8000 ليرة للدولار بموجب التعميم 151 إلى 15000 ليرة ومن 12000 ليرة للدولار بموجب التعميم 158 إلى 15000 ليرة. كما فرض مصرف لبنان بأحد التعاميم على المقترضين غير المقيمين، وشركات الأوف شور، سداد أقساطهم المصرفية بالدولار الفريش حصراً.

عزة الحاج حسن - المدن

يقرأون الآن