إقتصاد

كيف تحوّل اللبناني إلى آلة حاسبة؟

كيف تحوّل اللبناني إلى آلة حاسبة؟

الدماغ، ذلك الكيان المذهل المسؤول عن التفكير والتحليل والمنطق والنقد والإحساس، تخلّى عند معظم أبناء الشعب اللبناني عن وظائفه هذه ليتحول الى آلة حاسبة تقتصر وظيفتها على احتساب الأسعار باللبناني والدولار والمقارنة في ما بينها ومع أسعار أيام زمان. صار همّ المواطن الأول التوفير والتقتير ليتمكن من الجمع بين طرفي الشهر من دون أن يمد يده لمنظمة إنسانية أو برنامج رعائي تتحفه به وزارة الشؤون الاجتماعية. صرنا كلنا "جواحظ" وملوك التوفير رغماً عنا.

البعض أتقن اللعبة وصار "حرّيفاً" يعرف بالضبط كم يكلف الكيلومتر بين بيروت وصربا، وكم يبلغ مصروف " الغلاية" الكهربائية ويفنّد أفضل سعر لجبنة القشقوان ويفاضل بينها وبين الجبنة البيضاء بخبرة ومعرفة... فيما البعض الآخر لا يزال يتخبط غير قادر على استيعاب قيمة الأسعار الجديدة وغير متمكن من لعبة التوفير التي لم يستنبط لها اسساً بعد. لهؤلاء نرسم قواعد اللعبة ونقدم نصائح توفيرية مجانية من بعض أصحاب الخبرة.

ثلاثة محاور يتوزع عليها إنفاق العائلة اللبنانية (عدا التعليم والاستشفاء و...) هي الكهرباء، المواصلات والغذاء...وفي كل منها استشرنا خبيراً ليسدّ الطريق على كل مصروف لا جدوى منه يمكن تخفيضه الى أدنى المستويات.

حاربوا وحش الطاقة

كهربائياً في بيوتنا وحش يلتهم ما في جيوبنا ويوزعه بالتساوي بين "الدولة" والموتور لا سيما مع بدء سريان التسعيرة الجديدة للكهرباء. يقول ميشال توما وهو تقني كهرباء صاحب سنوات من الخبرة "احذروا الـ Resistance" و(لا نعني بها المقاومة) بل كل الأدوات الكهربائية التي تستخدم الأسلاك المعدنية لتولد حرارة ومنها سخان المياه الكهربائي والدفايات الكهربائية وغلاية المياه وسخانة السندويش والسيشوار ودفاية الهواء الساخن والمكواة... فهي تستهلك كمية كبيرة من الطاقة وترفع فاتورة الكهرباء بشكل فاحش. واعرفوا أن اي آلة كهربائية مزودة بمحرك تستهلك كماً كبيراً من الطاقة الكهربائية فيما استهلاك الشاحن والتلفزيون وكل ما ليس مزوداً بمحرك يبقى ضئيلاً. المايكروويف كارثة كهربائية وكذلك المكيّف ولا سيما متى تم تشغيله ليضخ هواءً ساخناً إذ يرتفع مصروفه حينها الى أكثر من ثلث مصروف المكيّف البارد. أما غسالة الملابس فيمكن التحكم بها إذ أن الغسيل على البارد هو الأوفر ولا تستهلك الغسالة حينها أكثر من أمبير ونصف أما مع تسخين المياه فيرتفع المصروف ليصل الى 5 أمبير وما فوق وعند غليان المياه في دورة الغسيل الأبيض يمكن أن يصل الاستهلاك حتى 9 أمبير ويغلي معها مصروف الكهرباء الشهري. الجلاية بدورها تستهلك 7 أمبير لأنها تعمد على الفور الى تسخين المياه لكن قد تكون مفيدة إذا كانت ممتلئة واستخدمت دورة قصيرة حينها توفرين / أو توفّر الماء والكهرباء. النشافة إنسي أمرها، العودة الى حبل الغسيل أضمن وأوفر. براد المياه لا تستخدموه لتسخين المياه والأفضل إطفاؤه شتاء. أما البراد فيمكن إطفاؤه لمدة ساعة شتاء ووضع المأكولات سريعة العطب في ثلاجته خلال هذا الوقت.

بعدما تعرفنا الى وحش الطاقة الكامن في منازلنا فلنتهيأ لمواجهته بأسلحة التوفير. بداية ينصح توما باستخدام سخان المياه الشمسي وهو مختلف عن ألواح الطاقة الشمسية المستخدمة اليوم ويقتصر استخدامه على تسخين المياه عبر لوح واحد يتم تركيبه على السطح مع طلمبة وخزان وهو قادر على توفير مياه ساخنة لا تستهلك سوى أمبير واحد. كما يعتبر قازان الغاز حلاً وفيراً أيضاً لتسخين المياه.

التدفئة التي يئن اللبنانيون من كلفتها يصعب التحايل عليها مهما حاولنا، ويبقى الغاز هو الحل الأوفر حسبما يؤكد توما فجرة الغاز التي تدوم في الدفاية من 15 الى 20 يوماً هي الأقل كلفة. بعدها تأتي الدفاية الكهربائية التي يتم التحكم بمفاتيحها واستخدام أقل عدد ممكن من عناصر التدفئة فيها وتليها صوبيا المازوت لأنها تؤمن تدفئة قوية بمصروف مقبول. أما الشوفاج الملائم للتدفئة وتسخين المياه فكلفته في المازوت لا بالكهرباء.

لكن تبقى النصيحة الأهم والأكثر فعالية هي عدم استخدام أدوات كهربائية متعددة في وقت واحد، إذ حينها يدور العداد بشكل أسرع وكلما ازدادت سرعته كلما ارتفعت الفاتورة. لذا ينصح بتقسيم استخدام الكهرباء لتبقى دورة العداد بطيئة. فلا مكواة مع سخان المياه ولا مايكروويف مع السيشوار...

هل يعود الأوتوستوب؟

كلفة التنقلات هي هاجس اللبنانيين الثاني مع الارتفاع المستمر في سعر البنزين. وفي الأرقام فإن الكلفة ارتفعت 500% منذ العام 2019 وفي سنة 2022 وحدها ارتفعت 183%. حاولنا مع جمعية حقوق الركاب التعرف الى أوفر الطرق للتنقل ويبدو أننا لسنا الوحيدين فمواطنون كثر بحسب ما يقول شادي فرج المسؤول في الجمعية باتوا يدخلون الى منصة "حقوق الركاب" ليتعرفوا على نظام النقل المشترك في لبنان والخطوط المعتمدة فيه. والمؤسف أن نسبة كبيرة من اللبنانيين تجهل وجود نظام نقل مشترك في لبنان أو أنها لا تستخدمه لأنه موصوم بوصمة مخجلة وبأنه مقتصر على "الشغيلة" والعمال الأجانب. لكن الحقيقة أن نظام النقل المشترك الخاص والعام أي الذي يعتمد على النمرة الحمراء موجود وفعّال رغم الفوضى الذي تسوده. ففي لبنان وفق وزارة النقل حوالى 6500 باص وفان مخصصة لنقل الركاب وهي تسير وفق خطوط ثابتة ومواعيد شبه ثابتة تبدأ من السادسة صباحاً لغاية الثامنة مساء. لا شك أن الباصات التابعة للشركات الخاصة أكثر تنظيماً مع أرقام ومواعيد أدق من الفانات الفوضوية لكن حضورها منتشر في كل أرجاء لبنان... صحيح أنه لا يمكن مقارنته بنظام النقل الدقيق في أوروبا مثلاً ولكن "من الموجود جود" في هذه الأيام الصعبة لأنه الأوفر. وفي حسبة بسيطة يتبين أن سرفيسين ذهاباً واثنين إياباً تعادل كلفتها الشهرية حوالى 6 تنكات بنزين اي يبقى السرفيس أوفر من استخدام السيارة للذهاب الى العمل وتقل الكلفة مع وسائل النقل المشترك الأخرى.

و إذا أردنا وضع قائمة تبدأ من الأوفر الى الأغلى تكلفة فلا شك يتصدرها التوك توك لكن لا يمكنه التنقل لمسافات طويلة وهو يؤمن ما يعرف بالمايل الأخير أي يمكن استخدامه للوصول الى الأحياء الداخلية أو للانتقال الى مسافات لا تتعدى بضعة كيلومترات. بعده يأتي الباص وكلما كانت قدرة الباص الاستيعابية للركاب أكبر كانت كلفته أوفر لا سيما للمسافات الطويلة. "بوسطة الضيعة" تبقى حتى الآن الأرخص... يليها الفان ذو القدرة الاستيعابية الأقل وتبلغ كلفته داخل بيروت ما بين 20000 و 30000 وبعده السرفيس الذي ترتفع كلفته يومياً مع غياب التسعيرة الرسمية. تليه التطبيقات الذكية للنقل مثل أوبر وبولت ليأتي التاكسي في الختام كنوع من اللوكس لم يعد في متناول إلا قلة قليلة من اللبنانيين حيث يمكن أن تصل كلفته الى فوق المليون ليرة.

وينصح شادي فرج المواطنين بالمزج بين وسائل مختلفة من باص وسرفيس وسير على القدمين وحتى باستخدام الدراجة الهوائية أو الموتوسيكل الصغيرة للحد من كلفة التنقل. ويؤكد ان ثمة ازدياداً واضحاً في عدد الدراجات الهوائية على الطرقات ويناشد البلديات لتأمين خطوط لدراجات تساهم في الحد من مشكلة النقل وتخفيف كلفته ولكن وحدها خطة نقل مدروسة تضع الناس أولوية وتدعم النقل لا البنزين تبقى الحل.

وتبقى خيارات جديدة لم يألفها اللبناني بعد رغم بدء انتشار تطبيقاتها أو مجموعات الواتس اب المشاركة فيها وهي التشارك في السيارة أو Carpooling الذي يشكل الخيار الأفضل والأوفر لا سيما لطلاب الجامعات أو الركاب الآتين من مناطق ريفية بعيدة حيث يتم تقاسم كلفة البنزين بين ركاب السيارة الواحدة. ويشكل هذا الخيار مع التوك توك حلاً لمشكلة نقل التلامذة بعد أن صارت كلفة "الأوتوكار" خيالية.

وفي عز الأزمة لم لا نعود الى "الأوتوستوب"؟ توصيلة مجانية لكنها لا تخلو من المخاطر في هذا الزمن الأمني الصعب...   


زيزي إسطفان - نداء الوطن

يقرأون الآن