لم ينتظر "حزب الله" نتائج اجتماع باريس، الذي يبحث الملف اللبناني في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة في البلد، حتى صدرت مواقف لبعض مسؤوليه ونوابه ترفض أن "يفرض الخارج علينا أي اسم لرئاسة الجمهورية" ووفق عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله "لو اجتمعت كلّ دول العالم لتفرض اسماً على اللبنانيين، لن تستطيع أن تفعل ذلك"، وهي رسالة تنصب حواجز أمام اي مشروع خارجي للتسوية وإن كان وليداً يحتاج إلى متابعة، لمنعه من خرق جدار الأزمة من دون كلمة طهران الفاصلة والنهائية في هذا الشأن. علماً أن المعلومات تشير إلى أن الدول المشاركة في اللقاء الخماسي لن تبحث في الأسماء، إلا أنها ستحدد مواصفات للرئيس المقبل وتؤكد وجوب تسريع إنهاء الشغور الرئاسي، مع تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لمواجهة الأزمات السياسية.
تترقب كل القوى السياسية في لبنان، بما فيها الحزب، ما سيخرج عن اجتماع باريس الخماسي بمشاركة فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر، والذي يهدف إلى تقريب المواقف للتمكن من وضع خطة عمل واضحة سياسياً لمسار تسوية الأزمة. ويظهر أن هناك تنسيقاً فرنسياً - سعودياً تبلور خلال زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى الرياض، لصيغة تسوية مقبولة، حيث ارتفع مستوى التمثيل خصوصاً من واشنطن، وهو مؤشر مهم يرتبط بالتوجهات السياسية التي ستطبع الاجتماع، وإن كانت المحادثات لن تكون يسيرة بسبب اختلاف الرؤى بين الدول المشاركة، ولذا سيخرج اللقاء بمبادئ عامة تشكل خريطة طريق للتسوية وليس مشروعاً للحل، وفق مصدر دبلوماسي متابع يعتبر أن انجاز الملفات اللبنانية العالقة يحتاج إلى اتفاقات أكبر وبلورة تسويات بين الدول تغطي اي حل نهائي إن كان بالضغط أو بتمرير صفقات في أكثر من مكان، كما حدث بعد الاتفاق النووي عام 2015.
لكن اجتماع باريس يبقى مهماً ومفصلياً على صعيد الحراك الخارجي المتعلق بلبنان، فهو قد يكون الاجتماع الأخير في ظل الظروف الدولية السائدة واحتمالات التفجير في أكثر من منطقة، وستنتظر الدول المشاركة ردود الفعل على ما سيخرج عن الاجتماع خصوصاً الموقف الإيراني لتبني على اساسه توجهاتها للمرحلة المقبلة. وينقل المصدر عن أجواء سياسية مرتبطة بالاجتماع المقرر ان الدول المشاركة ليست في صدد تشديد الضغوط لانجاز تسوية في وقت قريب، طالما أن هناك أطرافاً ليس لديها مصالح مباشرة في الداخل اللبناني كما كانت الامور في 2015 وحتى قبل ذلك بكثير حين كانت الاصطفافات السياسية مختلفة، لذا وفق التوجهات التي ستقرر في الاجتماع سيكون لبنان أمام احتمالين، إما القدرة داخلياً على تلقف مقررات الاجتماع واجتراح تسوية ولو بعد أشهر، أو الاستمرار في النزف وصولاً إلى الانهيار الكبير وحتى الانفجار، والذي لا يعود معه لبنان دولة موحدة، حين يُطرح نظامه وصيغته وتركيبته على بساط البحث.
وحتى الآن لا يبدو أن هناك مناخاً داخلياً يلاقي بإيجابية الحراك الخارجي في باريس، رغم ظهور مبادرات عدة للسير بمرشح رئاسي وانجاز هذا الاستحقاق المصيري بالنسبة إلى اللبنانيين وتجنباً لاستمرار الفراغ، أبرزها للبطريرك الماروني بشارة الراعي التي لم تتم الاستجابة لها مسيحياً، وحركة وليد جنبلاط على أكثر من خط، والتي تمحورت حول طرح اسم قائد الجيش جوزف عون كمرشح توافقي للرئاسة، بديلاً عن مرشحي الممانعة والمعارضة، لكنها لم تحظ حتى الآن بتأييد الفرقاء، خصوصاً "حزب الله" وأيضاً التيار الوطني الحر الرافض أساساً لقائد الجيش ولمرشح الممانعة سليمان فرنجية، وهو ما يعني الدوران داخلياً في حلقة مفرغة مع استمرار الصراع على السلطة وتحسين مراكز القوى والموازين الداخلية.
وعليه لا يتوقع كثيرون أن يتمكن الاجتماع الدولي من تحقيق خرق كبير في جدار الازمة، ولا في الملف الرئاسي الذي يبدو أنه سيراوح في الفراغ طويلاً في ظل عجز الأطراف المتحكمة بالداخل عن التوافق على تسوية، واستمرار النزاع، والاهم لعدم وجود مشروع دولي ضاغط لحسم الملفات الخلافية، طالما ان اجتماع باريس هو للتشاور وليس لاتخاذ قرارات حاسمة. ووفق المصدر الدبلوماسي، فإن عدم الضغط الخارجي يعود لأسباب تتعلق بالأولويات الدولية التي تتجاوز لبنان، لكنها تؤثر عليه أو تنعكس على أوضاعه، من الملف الإيراني إلى الحرب الأوكرانية، ثم احتمالات المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية التي يمكن أن تشعل المنطقة كلها.
ذلك لا يعني أن هناك استقالة دولية وعربية تامة، فانهيار لبنان أو اي انفجار أهلي محتمل في البلد سينثر شظاياه في المنطقة، لذا تسعى فرنسا إلى تحريك المياه الراكدة لبنانياً كمحاولة ربما تكون الأخيرة قبل أن تنجرف المنطقة نحو المواجهة.
منذ الآن لا تجاوب لبنانياً مع الحراك الخارجي، إذ أن الامر يتطلب دخول جهات دولية عدة على الخط للوصول إلى تفاهمات مشتركة وتوفير الأرضية لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة. ويرتبط الامر في هذا الشأن بموازين القوى التي ستحدد طبيعة التسوية المقبلة، في حال لم تنجرف الأوضاع الى احتمالات خطيرة، ومنها ما قد تغيره الوقائع على الأرض إذا حدث انفجار شبيه بما سبق اتفاق الدوحة أو ما حدث في 2005، على الرغم من تغيّر الظروف، علماً أن السعودية مثلاً لم تعد مهتمة بالوضع اللبناني منذ ما بعد 2016، عند انتخاب ميشال عون للرئاسة، ولم تعد تشكل محوراً في الداخل كما كان يحدث في أوقات سابقة. لذا الظروف التي تحيط باجتماع باريس مختلفة عن السابق، في الداخل والخارج، فالدول المشاركة تدرك أنها لا تستطيع أن تبلور خطة حل شامل للوضع اللبناني من دون التفاهم مع إيران. فإذا تركز البحث على اسم للرئيس يشترط ذلك توفير مناخ لبناني يستطيع ترجمة التوجهات الدولية، وهو أمر غير ممكن حالياً في ظل موازين القوى ومعها التوترات المستجدة في المنطقة.
المعطيات تشير إلى أن "حزب الله" يريد التسوية بشروطه، وهو يُصر على اسم سليمان فرنجية، وإذا اقتضى الامر الضغط لفرض انتخابه، وبذلك هو مستعد للذهاب إلى النهاية تحت عنوان إيصال مرشح "لا يطعن المقاومة بالظهر" ويتحسب في الوقت نفسه لاحتمالات التصعيد الإسرائيلي ضد إيران. ويبدو أن الحزب قد أوصل رسالة إلى المشاركين في اجتماع باريس بتمسكه بفرنجية ورفض التخلي عنه، وعدم الموافقة على انتخاب عون. وكان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد واضحاً بأن الحزب لن يقبل برئيس "يطعن المقاومة"، وتأكيد فضل الله "أننا نبحث عن شخص بمواصفات وطنية، واحدة منها أن لا يطعن المقاومة بظهرها، وفي الوقت نفسه، أن يكون لديه القدرة على تقديم البرامج الانقاذية".
وفي كل الاحوال، يبقى اجتماع باريس محطة مفصلية مهمة، لكن داخلياً يبدو أن البعض يأخذ البلد إلى الانهيار الكبير والانفجار...
ابراهيم حيدر - النهار