لبنان

"البلوك 9" محور أضواء المرحلة المقبلة... لماذا؟

إنّه المجمع 9 أو ما يصطلح على تسميته بـ"الرقعة الذائعة الصيت" أو "البلوك البحري الشهير" الذي "شغل الدنيا" حتى نجح التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. يدخل عنصر السياسة والأمن والاقتصاد في هذه المساحة البحرية على حدٍّ سواء باعتبارها الأقرب زمنياً من ناحية المباشرة في التنقيب وسط أزمات لبنانية مستمرة لناحية غياب الشغور المؤسساتي إضافة إلى سخونة اقليمية على مستوى المنطقة. تاريخيّاً، اكتشفت الرقعة النفطية رقم 9 سنة 2009 من خلال شركة "نوبل للطاقة" الأميركية التي وجدت كميّة من احتياطي النفط والغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. وبعد سنوات، طرح لبنان مناقصة عامة أمام الشركات الدولية بغية الاستثمار في المجمع 9، ما أدى إلى استياء الجانب الاسرائيلي في ظلّ خصوصية موقع البلوكات البحرية الجنوبية الثلاثة القائمة على حدود المياه الإقليمية الإسرائيلية. ولم يلبث لبنان أن وقّع عقداً في شباط 2018، ضمّ ائتلاف شركات دولية بهدف التنقيب عن الموارد النفطية والغازية في الرقعتين 4 و9 في المياه الإقليمية اللبنانية. 

يراوح عمق الرقعة 9 ما بين 1211 و1909 أمتار تحت سطح البحر. واستمرّت محلّ تنازع بين لبنان وإسرائيل بعد تلزيم الشركات، فيما لوّحت الجهات الوزارية اللبنانية المعنية حينذاك بأنّ الخلاف لن يمنع إفادة لبنان من الاحتياطيات المحتملة في المنطقة المتنازع عليها. ولم يخفت الكباش القائم بين بيروت وتل أبيب حيال "البلوك 9" بعدما اعتبرت إسرائيل أن جزءاً من هذه الرقعة موجودة في المياه التابعة للحدود البحرية الإسرائيلية، وأنّ اعتزام لبنان التنقيب خطوة استفزازية للغاية.

واستمرّت المشاحنات حتى التوصل إلى "اتفاق تاريخي" بين الجانبين بوساطة أميركية بعد مفاوضات استمرّت أشهر طويلة. وبقيت الأضواء مركّزة خصوصاً على الرقعة 9 التي يقع فيها حقل قانا وهي تشكّل منطقة رئيسية للتنقيب، فيما نصّ الاتفاق على أن تستحصل إسرائيل على تعويض من الشركات المشغّلة للمجمع باعتبار أن جزءاً من حقل قانا يقع خارج المياه الإقليمية اللبنانية. ويُذكر أن النقطة الرئيسية التي بُنيَت على أساسها اتفاقية الترسيم تركّزت في "البلوك 9" وأصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي. 

يستمرّ المجمع 9 محور الأضواء في المرحلة المقبلة في كونه الأقرب إلى مباشرة التنقيب خلال أشهر. مؤثرات عدّة ترتبط بالمسألة: أي تأثير سياسي وسط التعطيل القائم للاستحقاقات في لبنان؟ لماذا اعتبار الرقعة 9 واعدة من دون اغفال خصوصيتها سياسياً وترسيمياً؟ وماذا في المراحل التالية لاحتكال اكتشاف غازٍ تجاريّ؟ 

أسئلة عدّة وجّهتها "النهار" عن "البلوك 9" إلى الخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة وعضو المجلس الاستشاري للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز ديانا القيسي، التي تفنّد المرحلة المقبلة كالآتي: أولاً، التخوّف دائم من عرقلة سياسية  في لبنان تؤثّر على عمل الوزارات ما ينعكس على مباشرةً التنقيب في المجمع 9، فيما تشهد هذه المرحلة تحليل البيانات التي صدرت بعد المسح البيئي للرقعة قبل إصدار التقارير ثم إعطاء رخص من الدولة اللبنانية للتنقيب ما يحتاج إلى وزارات فاعلة باستطاعتها العمل. وإذا دخل لبنان مرحلة من الفوضى السياسية سيعيق ذلك ورشة التنقيب. وتُضاف الى ذلك الإضاءة على دور وزارة الأشغال في المراقبة والمواكبة والمساندة للعمليات اللوجستية التي تنطلق من مرفأ بيروت. ولا يمكن إغفال دور وزارة الطاقة الأساسي أيضاً. وتالياً، فإنّ أيّ عرقلة سياسية تؤثّر على الأعمال الوزارية مع خشية انعكاسها سلباً على التنقيب.

ثانياً، بحسب محادثات وزير الطاقة مع الشركة الممثلة للكونسورتيوم، يفترض المباشرة في عملية الحفر بالرقعة 9 في القسم الرابع من السنة أي مع نهاية فصل الصيف. وينتظر لبنان تصريح الشركة المنقّبة حول نتائج المناقصات لمحاولة ايجاد حفّارة من العروض المقدّمة من الشركات التي تمتلك حفارات بحرية. ويُستوجب إيجاد الحفارة المناسبة وتخصيص وقتها مدة شهرين للمباشرة في التنقيب. ويأتي الرهان على المجمع 9 والبلوكات البحرية الجنوبية جميعها بعد إجراء مسوحات ثنائية وثلاثية الأبعاد، ما أظهر مؤشرات وجود مكمن وانتظار معرفة إمكان ايجاد بئر بعد مباشرة العمليات الاشتكشافية، مع الاشارة إلى أن فرصة ايجاد كميات تجارية في منطقة غير محفور فيها سابقاً لا تزيد عن 18 في المئة لكن الآمال موجودة.

ثالثاً، ترتبط عملية الحفر في البلوك 9 برخصة أعطيت سنة 2018 وهي سارية المفعول بعدما جدّد للشركات لمنحها مهلة سنة للتنقيب. لكن، المشكلة تتمثل في حال عدم انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات في أي سعيٍ إلى خطط وبرامج تطويرية ما يحتاج إلى مجلس وزراء عامل. ولا بدّ مستقبلاً من مرسوم يعيّن أعضاء هيئة إدارة البترول أو يجدّد للأعضاء الحاليين ويعيّن أعضاء في المراكز الشاغرة. ولا يمكن إغفال أن لبنان افتتح جولة تراخيص ثانية في ما يخصّ البلوكات الثمانية المتبقية، فيما يحتاج بتّ العروض إلى مراجعتها من هيئة إدارة البترول ووزير الطاقة في مجلس الوزراء. 

رابعاً، فرص اكتشاف غاز تجاري واردة أكثر إذا كانت الرقعة التي تجري فيها عملية التنقيب قريبة من حقول جرى اكتشافها مع احتمال أن يكون للمكامن امتدادات. ويؤشر ذلك إلى حظوظ الرقعة 9 لكنه لا يلغي أيضاً حظوظ البلوكات الأخرى باعتبار أن المسوحات الزلزالية الثنائية واالثلاثية الأبعاد أظهرت احتمال وجود غاز في كلّ المنطقة البحرية التي تقدّر بمساحة 22 ألف كلم2. وما يصحّ قوله بحذر أن الأنظار تتركز خصوصاً حول الحقول البحرية الجنوبية الثلاثة التي حصل اكتشاف حقول حولها. 

خامساً، بعد الاكتشاف يجري حفر آبار عدّة لمعرفة ما إذا كانت كميات الغاز تجارية، قبل الانتقال إلى وضع خطط تطويرية في وقت تقرّر الشركة كيفية استخراج الغاز والتقنية المستخدمة من طريق خطوط الأنابيب أو خيارات تسييل الغاز. وتجدر الاشارة إلى أن بيع الغاز يحصل قبل استخراجه وتحدد هوية البائع كيفية وضع خطة التطوير التي تتضمن مراحل إنشاء البنى التحتية. وتوضع هذه التفاصيل على الورق وترسَل الخطط إلى هيئة إدارة البترول التي تراجعه وتعطي ملاحظاتها لوزير الطاقة الذي يراجع المضمون ويضع توصياته قبل أن يرفع الخطط إلى مجلس الوزراء الذي يوافق عليها. ويبدأ التنفيذ بعد الموافقة على خطط التطوير ثم إمكان بناء خطوط أنابيب ما يحتاج إلى سنة ونصف سنة لتشيبد البنى التحتية قبل مرحلة الانتاج التي تستغرق قرابة السنة. وتحتاج هذه التفاصيل في أفضل سيناريو إلى ما لا يقلّ عن 5 سنوات في بلد طبيعي لا يعاني من أزمات.   


مجد بو مجاهد - النهار

يقرأون الآن