مع كلّ فارقٍ واحدٍ للأسعار، ومع كلّ ارتفاعٍ في سعر الصّرف، يجنّ جنون الدّولار وبالتّالي ترتفع أسعار السّلع رويدًا رويدًا إلى أن تصبح خياليّة وغير قابلة للشراء نسبةً لغلائها، تمامًا كما يحصل في أسعار البصل. فأصبح كيلو البصل في بعض الأماكن يباع بـ100 ألف ل.ل. هل من تبريرٍ لذلك؟ ومتى ستحلّ هذه الأزمة؟
انضمّ البصل مؤخرًا إلى قائمة السّلع التي تعاني الأسواق من نقصٍ فيها، فيما اضطر التّجار إلى رفع أسعارها في لبنان. هذا ما دفع العديد من العائلات ذات الدّخل المحدود، إلى الاستغناء عن البصل، أو تقليل الكميّة في الطّبخة لأنّ أسعاره باتت تتنافس مع اللحوم والأجبان للأسف.
وينشغل العديد من النّاس اليوم بموضوع البصل، هذا النوع من الخضار الذي لم يكن أساسًا يخطر في أذهاننا بسبب وفرته الدائمة وانخفاض سعره. فتراه في بيت الفقير كما في بيت الغنيّ، خصوصًا لأنه المنكّه الأساسي في الطبخات اللبنانيّة، كالملوخيّة والرز، والبازيلا والرز، والمجدّرة، وتتبيلة اللحمة وأيضًا الدجاج. البصل مرحّب به في كلّ الأكلات تقريبًا، حتّى في البيتزا والبرغر والمقبلات. فهل سيتم الاستغناء عنهُ؟
إنتاج البصل ينخفض عالميًا..
بسبب إنخفاض إنتاج البصل في أبرز دولتين مصدرتين له حول العالم، الهند وباكستان، بسبب سيول وفيضانات ألحقت أضرارًا كبيرةً بمواسم البصل، أخذت أزمة البصل طابعًا عالميًا لا سيما بعد ارتفاع سعره بشكل جنونيٍ.
الأزمة بدأت من الفلبين، عندما أوقفت حوالي عشرة مضيفات طيران في الفلبين بسبب تهريبهن لأكياس من البصل، إلى أن تطوّرت حتّى اليوم. أما في باكستان، فقد أشار تقرير سابق ورد في داون إلى أن البصل يباع بسعر 250 روبية لكل كيلوغرام، بينما يتراوح السعر في أجزاء أخرى من البلاد بين 200 و320 روبية بسبب محدودية الوصول إلى المحاصيل والضرائب الإضافية على استيراد المواد الغذائية الأساسية اعتبارًا من 1 كانون الثاني. ويبدو بحسب التقارير أنّ الأزمة ستستمر.
وأمام هذا الواقع تفاعلت الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي مع ارتفاع أسعار البصل. وضجت الوسائل الإعلامية في لبنان بخبر ارتفاع سعر كيلوغرام البصل إلى الـ95 ألف وذلك بعد تدهور سعر صرف الليرة في السوق الموازية.
أحيانًا كثيرة، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بالنهفات والضّحك، حتّى أنّه قام شاب بطلب يد خطيبته مقدّمًا إياها خاتمًا من الماس، عفوًا أقصد خاتمًا من قشرة البصل على اعتباره خاتمًا ذات جودة عالية، مكلفًا وسعره بالدّولار.
نحنُ في فترة الصّوم المبارك، ولا نعرف ماذا علينا أن نأكل. لا نستطيع طهي اللحوم والدجاج، ولا حتّى تناول مشتقات الحليب بما فيه ألبان وأجبان. لا يسعنا سوى التفكير بالطّبخات "اللي بزيت" وكل هذه الطبخات تحتاج إلى مكوّنها الأساسي البصل. فكيف سنشتري البصل والكيلو بـ80 و90 ألف ل.ل.؟
هكذا سألت نسرين الديار، معتبرةً أنه لا حول ولا قوّة على هذا البلد الذي أصبحت فيها الحياة صعبةً للغاية.
وقالت: كيلو العدس بـ180 ألف وكيلو البصل بـ80 ألف. أمّا الرز، الكيلو بـ2 دولار أي ما يعادل الـ200 ألف ل.ل. هل تتخيّلون أنّ أكلة الفقير وهي المجدرة باتت تكلّف 500 ألف ل.ل. تقريبًا؟ فعلًا اللقمة مهدّدة، ولا نعرف ماذا علينا أن نفعل حيال هذا الموضوع، وتحديدًا في بيروت لأنّ الحياة فيها مهدّدة.
البصل سيزدهر قريبًا في لبنان؟
وفي حديثه للدّيار، يؤكّد رئيس تجمّع المزارعين الأستاذ ابراهيم الترشيشي، أنّنا لا نصدّر البصل إلى الخارج وهذا الموضوع غير صحيح، لأنّ الوزير منع التّصدير باستثناء موجب الإجازة وهو في في الوقت الراهن لا يعطي إجازةٍ لأحد.
وتابع: ارتفع سعر البصل عالميًا بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت في الهند. أمّا الخسائر في لبنان تكبّلت منذ عامي 2020-2021 حتّى الآن لأنّ زراعة البصل يومذاك كانت قليلة جدًّا. وبعد كل هذه المشاكل، طار سعر البصل وحلّق عاليًا عالميًا من 200 دولار إلى 400 دولار و500 دولار. ومصر كانت الأقرب لنا لاستيراد البصل منها، وكان طن البصل يومذاك بـ 100 و200 دولار.
أمّا في عام 2023، يصل طن البصل إلى مرفأ بيروت بـ 550 دولار الآن.
ويقول: كلّما ارتفع سعر الدّولار، سيرتفع سعر البصل لأنه مرتبط ارتباطًا كليًا بسعر الدّولار. والدولار اليوم لا شك أنه احتكر كل الأسعار، مرتفعًا من 82 ألف ل.ل إلى 87 ألف ل.ل. وأكثر وأكثر. لذلك تجّار الخضار "مش عم تعرف حالا شو تعمل" وماذا عليها أن تبيع وماذا عليها أن تشتري.
وأضاف الترشيشي: لا يوجد استقرار في البلد ولا هنالك معايير لأي سلعة أو سعر بسبب عدم استقرار سعر الدّولار. على الأقلّ عليه أن يستقر لبضعة أيّام لنعرف كيف علينا أن نعمل وماذا علينا أن نسعّر. الدّولار يجنّ جنونه يوميّا، لذلك المواطن يخسر يوميًا 5 % و10% من مردوده ومن قيمة أمواله. اليوم نحن في مشكلة البصل، وغدًا في مشكلة البطاطا. وكل الخضار التي علينا استيرادها من الخارج تسعّر بطبيعة الحال بالدّولار. أمّا الخير الذي يمكننا أن نبشر الناس فيه، هو أنّه وان شاء الله ابتداءً من 15-04 سنبدأ بموسم البصل داخل الأراضي اللبنانية، أي بعد شهر ونصف الشهر ستتحسن أسعار البصل وسيزدهر الإنتاج في الأراضي في عكّار.
وعن سؤال سبب ارتفاع الأسعار في بيروت نسبةُ لأسعاره في البقاع، يؤكد الترشيشي أنّه وفي بيروت تكون الأسعار "بالمفرق" في المولات والمحلات الكبيرة والفاخرة، ولكن في سوق الخضار في الفرزل في البقاع وسوق الخضار في بيروت تبقى أسعار البصل كما هي، أو تختلف قليلًا بسبب إجرة النقل يعني يختلف الكيلو بألف وألفين ل.ل. لذلك وعلى الرغم من ارتفاع سعر الدولار، على البصل أن يباع بحدّه الأقصى بـ50 ألف ل.ل. والبصل البلدي هو ذات جودة أفضل وسعر أنسب من البصل الأجنبي حتّى أنّ لونه أجمل. البلدي اللبناني أرخص من الأجنبي المستورد، الوطني بـ45 ألف ل.ل. أما المستورد بـ50 ألف ل.ل (وهنا نحكي عن جملة الجملة في سوق الخضار).