عربي

من السويداء إلى كركوك.. "الدروز والكاكائية" طائفتان تُوحّدهما الأسرار و"الشوارب"

من السويداء إلى كركوك..

رغم اختلاف الجغرافيا بين العراق وسوريا، يلتقي الكاكائية في كركوك وخانقين، مع الدروز في جبل العرب، على طقوس وتقاليد تتجاوز المظهر، لتتحول إلى رموز روحية وهوية مقدسة.

الشوارب الكثيفة، المزارات، والأسرار الدينية، كلها خيوط تجمع بين طائفتين منغلقتين، كل منهما تعتنق صمتها كجدار عازل أمام الحداثة واختراق الآخرين.

الكاكائية.. "الشارب ميثاق"

يقول الباحث في شؤون الديانة الكاكائية، خورشيد الكاكائي، إن "الشارب الطويل والكثيف ليس مجرد مظهر اجتماعي لدى أبناء الديانة في العراق، بل هو جزء من الالتزام الروحي والعهود الدينية التي تربط الفرد بجماعته وبمعتقده".

ويوضح أن "أبناء الديانة يؤمنون بأن الشارب يمثل امتداداً للميثاق الذي قطعه الرجل مع أسرار الطائفة، ويُنظر له بوصفه رمزاً للرجولة، الصدق، والاستقامة".

ويشير إلى أن "حلق الشارب في عرفنا ليس مجرد تغيير في الشكل، بل يُمكن أن يُفسر عند بعض الشيوخ والمسنّين بأنه تخلٍّ عن جزء من الهوية، ولهذا يبقى الشارب طويلاً كعلامة احترام للعهد القديم".

وعن أوجه الشبه مع الدروز في سوريا، يضيف: "هناك الكثير من القواسم المشتركة بيننا وبين الدروز، سواء في الحفاظ على الطابع السري للديانة، أو في تقديس الرموز الظاهرة كالمزارات والمقامات الدينية، لكن أحد أبرز ما يجمعنا هو أن الشارب عند الدروز مثلما هو عند الكاكائية، يحمل بُعداً رمزياً وليس فقط مظهرياً، فهو عهد ودليل على الحفاظ على المبادئ والأسرار".

الدروز و"عهد الشارب"

يقول الباحث في شؤون الديانات والقوميات عباس الحسيني، في تصريح لشفق نيوز، إن "الطائفة الدرزية في سوريا، كما الكاكائية في العراق، تُعدّان من أبرز الجماعات المغلقة التي تحتفظ لنفسها بأسرار عقائدية، ومقدسات روحية، تتداخل فيها المظاهر الاجتماعية بالدينية، ومن أبرزها الشارب بوصفه رمزاً للعهود والهوية".

ويضيف الحسيني، أن "الشارب لدى الدروز ليس مجرد مظهر رجولي، بل يدخل في ثقافة الانضباط الديني، وهو جزء من صورة الشيخ والرجل العاقل، كما أن حلقه كان يعدّ عاراً في فترات سابقة، الأمر ذاته نلاحظه عند الكاكئية في العراق، حيث الشارب رمزٌ روحي مرتبط بالعقيدة وبالوفاء للأسرار الدينية".

وبحسب الحسيني، فإن "الطائفتين تعتمدان على المزارات كجزء من الربط بين الأرض والمقدّس، ففي حين يزور الدروز مقام النبي هابيل قرب دمشق ومقام شعيب في فلسطين، يقصد الكاكائية مقام سلطان إسحق وأضرحة أوليائهم في العراق وإيران، وكلاهما يمنع الغرباء من التدخل في طقوسهم الداخلية".

أسرار وأضرحة

ورغم أن الدروز في سوريا ينتمون إلى بيئة دينية متفرعة عن الباطنية الإسماعيلية، فيما الكاكائية ينحدرون من جذور صوفية كوردية وفارسية، إلا أن القواسم المشتركة بين الطائفتين واضحة في عدة مفاصل أساسية، أبرزها الهوية الدينية، وكلتا الطائفتين مغلقتان أمام الأجانب، ولا تقبلان اعتناق الغرباء لمعتقدهما.

إضافة إلى الكتب المقدسة، لاسيما أن الدروز يعتمدون على "رسائل الحكمة" السرّية، بينما الكاكائية يؤمنون بـ"سرانجام"، وكلاهما غير متاح للعامة، كما أن الشارب لدى الطرفين ليس مظهراً عابراً بل جزء من الهوية الروحية.

وبينما يزور الدروز مقامات أنبياء، يقصد الكاكائية أضرحة أولياء، وكلاهما يمنع الغرباء من المشاركة بطقوسه الخاصة، وكلا الطرفين يرى أن المظهر، المزارات، والحفاظ على الهوية ضمان لاستمرار الديانة.

تضامن مشترك

وفي موقف لافت، أعرب عباس الكاكائي، أحد أبرز وجوه الطائفة، عن رفضه الشديد لما يتم تداوله من مقاطع فيديو توثق حلق شوارب رجال من الطائفة الدرزية في السويداء تحت التهديد أو القسر، خلال أحداث وصفت بأنها انتقامية أو طائفية.

ويقول "هذه الأفعال مرفوضة من حيث المبدأ، سواء في سوريا أو في أي مكان آخر، الشارب لدى الدروز كما هو عندنا ليس مجرد مظهر، بل يحمل رمزية كرامة ودين وعهد، الإساءة له هي إساءة لهوية طائفة بأكملها، ونحن نستنكر أي تصرف طائفي يستهدف الرموز الاجتماعية أو الدينية بهذا الشكل".

ويضيف "ما يجري من أحداث في السويداء لا يمثل دروز سوريا الشرفاء، ولا أبناء العشائر الحقيقيين، بل هو امتداد لحالة الفوضى التي تضرب النسيج السوري، ونحن في العراق نؤمن أن الهوية والمعتقد خط أحمر، ولا يجوز تحويل الشعائر الدينية أو التقاليد الاجتماعية إلى أدوات تهديد أو إذلال".

أما محمود الدمشقي، أحد السوريين المهجرين إلى العراق والمقيم في أربيل، فقد تحدّث عن المشهد من زاوية إنسانية وأمنية، قائلاً "أحداث السويداء الأخيرة ليست فقط سياسية أو احتجاجية، بل تتصل بجذور عميقة في تركيبة المجتمع الدرزي نفسه، الذي يرى في الهوية والمقدسات والشوارب رموزاً لوجوده لا يمكن التفريط بها".

ويضيف "حتى الشباب في السويداء الذين حملوا السلاح أو خرجوا في احتجاجات، كانوا يتفاخرون بإطالة الشوارب ليس كمجرد تقليد بل كموقف، لأن الشارب في السويداء يعني الرجولة والكرامة، حتى لو كان الشاب بلا مال ولا مستقبل، فإنه بشاربه يشعر أنه يحمل شيئاً من إرث آبائه".

يقرأون الآن